الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

تجربتي في أفغانستان

المصدر: "النهار"
الدكتور سليمان عمّار- "أطباء بلا حدود"
تجربتي في أفغانستان
تجربتي في أفغانستان
A+ A-

أخذني عملي كطبيب مع منظمة أطباء بلا حدود إلى أماكن ومناطق عدة، كان آخرها تجربة اجتازت الحدود الجيوغرافية، فوجدت نفسي بعيداً عن بلدتي حاصبيا، جنوبي لبنان، وأقرب إلى بلد لم أعهد العيش فيه من قبل- أفغانستان- حيث تتصارع الأزمة الإنسانية مع الحاجة الطبية الملحّة.

إن المشروع الذي أعمل فيه الآن في أفغانستان هو مشروع ضخم، إذ يبلغ عدد موظفيه نحو 453 موظفاً من الكادر المحلي والدولي، يعملون جميعاً في مختلف الأقسام بانسجام لضمان توفير خدمة متكاملة للمرضى. فقد نفّذ المشروع في عام 2016 فقط أكثر من 100 ألف استشارة طبية و66 ألف حالة ولادة في المستشفى، بالإضافة إلى تطعيم 70 ألف طفل.

وتجتمع ظروف المشروع والاختلافات الثقافية والظروف الأمنية المحيطة به لتجعل من هذه التجربة فريدة بالنسبة لي، على الرغم من التحديات التي أواجهها.



ولكن ما يجعلني فخوراً بالعمل في أفغانستان هو ملامستي الشخصية لعملية إنقاذ حياة الناس المستمرّة رغم كل العوائق.

ومن أهم الأشياء التي تختبرها في منظّمة أطباء بلا حدود هي أنك تعمل في وسط متعدد الثقافات ومتنوع الخبرات حيث أنك تقابل أشخاصاً عدة وتستمع لهم وهم يشرحون سبب انضمامهم للمنظّمة على الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهونها؛ فهم جميعاً هنا لهدف واحد هو إنقاذ حياة الناس بغض النظر عن المخاطر. فقد كان معظمهم يشغلون في بلدانهم وظائف مريحة، ولكنهم اختاروا أن ينضموا لمنظمة أطباء بلا حدود لأنهم يدركون بأن عملهم في المنظمة يحدث فارقاً كبيراً للكثير من الناس المحتاجين هنا.

ويشمل المشروع الذي أعمل فيه رعاية الأم والطفل، لأن وفاة الأمّهات أثناء الولادة وبعدها والأطفال دون سن الخامسة وحديثي الولادة تشكّل معظم حالات الوفيات في أفغانستان . وبالتالي فإن معظم أنشطتنا في مستشفى أحمد شاه بابا في كابل تستهدف تلك الفئة الضعيفة.

ويوجد في هذا المستشفى عيادة خارجية وقسم للمرضى المقيمين لعلاج حالات سوء التغذية ضمن العديد من الحالات الأخرى، مما زاد من خبرتي في ذلك المجال. كما استقبل المستشفى العديد من حالات السل والحصبة – وتعدّ الأخيرة من الحالات نادرة الوجود في لبنان هذه الأيام. كما ويضم المستشفى مختبراً مزوّداً بمعدات مذهلة قادرة على الكشف عن الحالات التي تعاني من مقاومة للأدوية المتعددة؛ الأمر الذي يشكّل تحدياً كبيراً أمام دول العالم أجمع.

لقد أتاح لي عملي في قسم المرضى المقيمين تنفيذ أنشطة عدة في مختلف المجالات، ومنها قسمي الأمومة والأطفال حديثي الولادة، فقد كوّنتُ فكرةً حول التعامل مع حالات تدفق المرضى وتوريد الغذاء والأدوية المستخدمة في هذه الوحدات.

كما أن العمل في مشروع تُستعمل فيه أدوات متطورة وتُعتمَد فيه إجراءات طبية عالية المستوى، قد ساهم في تعزيز إمكانياتي الشخصية لتقييم مدى فعالية الخدمات المقدمة في المستشفى.

تتطلّب وظيفتي منّي أن أبقى متاحاً في كل الأوقات وأن أجري بعض الزيارات الليلية للمستشفى ولذلك لا يتحدّد عملي بساعات دوام معينة.

 وأحاول دائماً القراءة والاطلاع أكثر عن أفغانستان لأفهم الوضع الجيوسياسي المعقد في هذا البلد.

وفيما يتعلق بأنشطتي خارج ساعات الدوام، فأحاول قدر المستطاع ممارسة الرياضة البدنية في النادي الرياضي لأن الطعام الأفغاني شهي ولكنه دسم قليلاً.

أما في فترة المساء، فإننا في معظم الوقت نجري المحادثات الشيقة والطريفة على مائدة العشاء برفقة جميع الموظفين الأجانب في مكان السكن. ونرفّه عن أنفسنا بلعب كرة الطاولة وأوراق الشدة ومشاهدة الأفلام، فضلاً عن أنني حاولت عدة مرات طهي الطعام اللبناني ولكن محاولاتي باءت بالفشل، فتوقفت عن المحاولة بعد ذلك. ولكني اعتدت دائماً أن أخصّص ساعة واحدة لقراءة الكتب في كل ليلة، فتعلمت أن أقدّر الوقت أكثر لأنّي أدركت مدى أهميته خلال عملي هنا.

إن العمل مع أطباء بلا حدود في الميدان يمكن أن يضفي لمهنتك كطبيب معنى كبيراً، فيراودك أحياناً شعور بأن هؤلاء المرضى يعتمدون عليك كثيراً كطبيب وكإنسان فعليك ألا تخذلهم، كما أن شعور الفرح والسعادة عند رؤية مرضاك يتحسنون يوماً بعد يوم لا يضاهيه شعور؛ فيكفي أن تراهم يسيرون على أقدامهم من جديد ويعودون إليك ليصافحوا أيديك معبرين عن شكرهم لك لما فعلته من أجلهم، علماً بأنك تقوم بهذا العمل دون أن تنتظر شيئاً بالمقابل.



*الدكتور سليمان عمّار، طبيب من حاصبيا - جنوب لبنان، يبلغ من العمر 35 سنة، ويعمل كطبيب ومختص في الجراحة العامة. عمل في سوريا حتى عام 2014، وفي الأول من أيار/مايو 2015، انضم إلى الفريق الطبي التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في لبنان كطبيب عام ومدير للأنشطة الطبية في المشروع في جنوب لبنان، حيث تدير المنظمة عيادة متنقلة لتقديم الرعاية الصحية للاجئين. ولاحقاً، انتقل الدكتور سليمان في شباط/فبراير 2016 إلى مشروع عكّار في شمال لبنان ليعمل مديراً للأنشطة الطبية، حيث افتتحت أطباء بلا حدود مركزاً لعلاج الإصابات الطفيفة في وادي خالد. كما عمل بعد عدة شهور في مركز الرعاية الصحية الأساسية في وادي خالد والذي يوفر العلاج للاجئين والمحتاجين من سكان المجتمعات المستضيفة. يشغل الدكتور سليمان حالياً وظيفة المسؤول الطبي في المشروع في مستشفى أحمد شاه بابا في كابل – أفغانستان منذ نيسان/أبريل 2017، والذي يعد أحد أكبر مشاريع أطباء بلا حدود في العالم. 


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم