الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

ديبلوماسية الإكراه تنجح في حصار صدام دوليا وعربيا

المصدر: "النهار"
Bookmark
ديبلوماسية الإكراه تنجح في حصار صدام دوليا وعربيا
ديبلوماسية الإكراه تنجح في حصار صدام دوليا وعربيا
A+ A-
في تشرين الاول اصبح من الواضح ان الردع الاميركي نجح في الخليج. واذا كان صدام حسين يعد العدة لغزو المملكة العربية السعودية فان مشروع الرئيس نشر القوات الاميركية في آب ازال ذلك التهديد. (الحقيقة انني تلقيت بعد اسابيع من نهاية حرب الخليج معلومات مفادها ان صدام ربما كان يعتزم القيام بتحرك يتجاوز الكويت. فقد علمت انه ارسل عشية الغزو رسالة شخصية الى هاشمي رفسنجاني، الزعيم الايراني، يعرب فيها عن عزمه على التعايش مع ايران في سلام، على طول حدود اشار اليها باعتبار انها "ساحلنا البحري الذي يبلغ طوله 840 كيلومترا". ويبدو ان رفسنجاني احضر خريطة وقام بقياس طول الخليج، فادرك ان صدام كان يصف حدودا جديدة تمتد من العراق الحالي الى الامارات العربية المتحدة. وهذا يعني بطبيعة الحال انها تشمل ساحل السعودية المطل على الخليج العربي). استطاعت جهودنا الديبلوماسية، التي استفادت من عناد صدام وتصلبه، ان تعزله عن المحيط الديبلوماسي السائد، اذ لم يظفر غزوه للكويت بأي تأييد في اي مكان من العالم. غير انه ظل هناك مع ذلك، متجاهلا كل الضغوط. وهكذا اصبح الرئيس مقتنعا بان من الضروري الآن ان تنحو السياسة الاميركية منحى الاكراه. ولسوء الحظ ثبت ان اصدقاءنا في المنطقة كانوا مخطئين في تقديراتهم حول قابلية العراق للتأثر بالعقوبات الاقتصادية. فمنذ البداية كان مبارك واوزال مقتنعين بان العقوبات ستجعل صدام يجثو على ركبتيه وترغمه على الخروج من الكويت خلال ستة اسابيع. وقد وافقهما على هذا الرأي غورباتشيوف وشيفاردنادزه. وهذا ما جعلني اقتنع بدوري بصحة تقديراتهم المتفائلة. فهم اعلم مني بمقلع حجارتهم. غير انني بعد مضي شهرين، لاحظت، كما لاحظ معظم زملائي في الحكومة، ان الحصار والعقوبات رغم تأثيرها بالمعنى الاقتصادي لن تفلح وحدها مطلقا في اخراج العراق من الكويت. ولعل العراق، لاعتبارات عديدة، كان المرشح المثالي لفكرة العقوبات الاقتصادية، فهو يعتمد اعتمادا كبيرا على الواردات من اجل اطعام شعبه واستمرار صناعته. فضلا عن ان نفطه المعد للتصدير يمكن قطعه كليا عن طريق اغلاق انبوب النفط المار عبر تركيا والعربية السعودية وبفرض حصار بحري في الخليج العربي. كما ان العراق كان من الناحية الجغرافية معزولا نسبيا. ورغم وجود تسريب بسيط عبر المملكة الاردنية الهاشمية، فانها كانت، بالاضافة الى الدول الاخرى التي تشترك في حدودها مع العراق، ملتزمة الحصار المفروض على جارها المولع بالسيطرة. واما من الناحية السياسية فان العقوبات لم تكن قادرة على ارغام صدام على الخروج من الكويت. ذلك ان طبيعة نظام صدام الشمولي (التوتاليتاري) كانت تسمح له، من دون احتجاج علني، بتجميع موارده الشحيحة في البلاد للاستمرار في اطعام جهازيه العسكري والامني وتموينهما. بل ان زعيما وصل الى حد من اليأس جعله يقوم بغزو جار له، ربما كان يائسا الى حد يجعله متشبثا في وجه العقوبات. لقد كانت الكويت جائزة كبرى بالنسبة الى صدام. وكان لا بد ان يرغم على دفع ثمن باهظ جدا حتى يتخلى عنها. وكانت ثمانية اعوام من الحرب قد فرضت اعباء اقتصادية وبشرية هائلة على العراق. لهذا فمن المشكوك فيه ان تنجح عقوبات قصيرة المدى في تكبيده نفقات مماثلة لتلك التي سبق ان تكبدها. ويضاف الى ذلك كله ان الزمن من الناحية العملية هو في مصلحة صدام. فاولئك الذين كانوا يحاججون بالقول ان ثمة حاجة الى المزيد من الوقت حتى تؤثر العقوبات وتفعل فعلها يقللون في استمرار من صعوبة المحافظة على تماسك التحالف لفترة طويلة. ذلك ان من المحتمل ان يخرج احد الشركاء الرئيسيين من التحالف، الامر الذي لا بد ان يؤدي الى انهياره. كما ان من المنطقي الاستنتاج ان استعمال صدام القوة من اجل الاستحواذ على الكويت معناه ان تخليه عنها ليس ممكنا من دون تهديد صريح باستعمالها ضده. ومع ذلك كانت لا تزال هناك فرصة متواضعة لنجاح العقوبات، اذا اقترنت مع التهديد بعمل عسكري، في اقناع صدام بالانسحاب من الكويت. ولكن قواتنا في الخليج كانت، من اجل ان تجعل مثل هذا التهديد يحوز الصدقية اللازمة، تحتاج الى زيادة كبيرة في عددها. وفي الوقت نفسه كنا نحتاج الى البدء بصمت في استكشاف آفاق الحصول على قرار من الامم المتحدة يخولنا حق استعمال القوة ضد صدام اذا اخفق في مغادرة الكويت مطلع 1991. زيادة عدد افراد القوات في منتصف تشرين الاول اتصل بي كولن باول قائلا: "اود ان اتبادل معك حديثا خاصا". وهكذا التقينا في مكتبي عصر 19 تشرين الاول لمدة 15 دقيقة. وبما ان باول طلب ان يكون الاجتماع بيننا على انفراد، احترمت رغبته وتخليت عن عادتي التي درجت عليها وهي ابلاغ ديك تشيني عن اي اتصالات من هذا النوع. لقد قال بعضهم ان باول وانا كنا ضد استعمال القوة وانه كان يحاول الحصول على مساعدتي في مقاومة تطور الامور في هذا الاتجاه، ولكن هذا ليس صحيحا. فالاجتماع الآنف الذكر ادى الى حصول توافق مفاده ان انتهاج سياسة عسكرية وديبلوماسية اكثر جرأة وتشددا كان ضروريا، اذا كان لدينا اي امل في اخراج العراق من الكويت. كنا، باول وانا، عملنا معا في فترة رئاسة ريغان الثانية، عندما شغل منصب مستشار الامن القومي بينما كنت وزيرا للخزانة. كان يعلم ان علاقتي بالرئيس وثيقة. كما كان يعتقد ان العقوبات لم تكن لها اثار ملموسة على صدام، ويدرك ان على الرئيس ان يقرر عما قريب هل ان اللجوء الى خيارات اشد قد اصبح ضروريا. وفي تقديري ان هدفه من الاجتماع كان ببساطة التعرف على نحو افضل الى مشاعري ازاء الموقف. في 15 تشرين الاول التقيت بوب كيميت وتباحثنا في الخطوات التي يجب اتخاذها في حال اللجوء الى الخيار العسكري، وهي تشمل القرارات الاضافية الصادرة عن مجلس الامن، والجهود الديبلوماسية اللازمة لتطوير فكرة استعمال القوة وكسب التأييد لها، وزيادة عدد قواتنا في الخليج، وتأسيس قيادة وترتيبات ادارية فعالة، وموضوع قيامي برحلة في مطلع تشرين الاول هدفها اجراء مشاورات حول هذه الخطوات مع شركائنا في التحالف. وقد تبين لي ان ثمة تطابقا في الآراء بيننا. اذ كنت متفقا معه في قلقه من ان السياسة الحالية كانت "عائمة" تتقاذفها الامواج، وان عملية نشر قواتنا عسكرية نجحت في احتواء مخططات صدام نحو العربية السعودية، ولكنها لن...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم