الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

مستقبل الأميركيّين السود مضمون مع ترامب أكثر من أوباما؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مستقبل الأميركيّين السود مضمون مع ترامب أكثر من أوباما؟
مستقبل الأميركيّين السود مضمون مع ترامب أكثر من أوباما؟
A+ A-

ووقع الرئيس الأميركيّ دونالد #ترامب في التخبّط إزاء توصيفه الحدث وإدانته التي ساوت بين المتظاهرين العنصريّين ومناهضي العنصريّة والفاشيّة. فهو قال في البداية: "ندين بأقسى العبارات الممكنة هذا العرض الفظيع للكراهية والتعصب والعنف من قبل العديد من الجهات، العديد من الجهات". لكنّ نائب ترامب مايك #بنس، وخلال زيارته كولومبيا، ذكر جماعة "كو كلاكس كلان" والنازيّين الجدد والعنصريّين البيض بالاسم رافضاً تقبّلهم في المجتمع الأميركي. وانضمّ جمهوريّون وديموقراطيّون إلى مطالبة ترامب بعدم المساواة بين من يمثّلون القيم الأميركيّة وبين من يشكّلون النقيض لهذه القيم. 


ثلاث بيانات رئاسية

شخصيّات ومنظّمات طالبت الرئيس الأميركيّ بإقالة كبير المخطّطين الاستراتيجيّين ستيف #بانون لكونه يقف وراء أجواء التحريض العنصريّ في البلاد. وبالفعل، هذا ما حدث منذ يومين بعدما تدهورت العلاقة بين الرجلين منذ فترة بسبب عدد من القضايا الخلافيّة التي لا علاقة لها مباشرة بالأحداث. وفي 14 آب، أي بعد يومين على جريمة الدهس، عاد ترامب وتوعّد "كلّ من تصرّف بإجرام" بالمحاسبة ووصف العنصريّة ب "الشرّ". ثمّ ذكر النازيّين الجدد والمتفوّقين البيض والكو كلاكس كلان و "مجموعات كراهية" أخرى فيما أوردت وكالة "اسوشييتد برس" خبراً مفاده أنّ هذا البيان أتى تحت ضغط عدد من السياسيّين بما فيهم كبير موظّفي البيت الأبيض المعيّن حديثاً جون كيلي. لكن في 15 آب، وخلال مؤتمر صحافيّ في نيويورك، أجاب على بعض الأسئلة المرتبطة بأحداث تشارلستون مكرّراً ادّعاءه بأنّ الملامة تقع على "الجانبين كليهما" في نوع من إعادة التأكيد على البيان الأوّل.


أرقام قياسيّة

هذا التخبّط الكبير أو الخروج الرئاسيّ عن المسار القيمي للبيت الأبيض والمناهض لمظاهر النازيّة والتفرقة العنصريّة كان له وقع كبير داخل وخارج الولايات المتّحدة. فرئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي مثلاً ردّت على ترامب قائلة إنّه لا يجوز إقامة وجه مقارنة بين الفاشيّة وأيّ طرف مناوئ لها. في هذا الوقت، سجّل موقع "تويتر" تغريدة نالت العدد الأكبر من الإعجاب منذ إنشاء هذا الموقع. وكان الرئيس الأميركيّ السابق باراك #أوباما صاحب هذه التغريدة التي اقتبس فيها جملة للزعيم الراحل نيلسون مانديلا مرفقة بصورة لأوباما مبتسماً لأطفال من أعراق مختلفة. وورد في الجملة المقتبسة: "لا أحد يولد وهو يكره شخصاً آخر بسبب لون بشرته أو خلفيّته أو ديانته". ونالت تلك التغريدة حوالي 4 ملايين ونصف المليون إبداء إعجاب منذ نشرها. وعلى كلّ حال، ليست الأرقام القياسيّة غريبة عن أوباما في مجال "تويتر" إذ تخطّى حسابه حاجز المليون متابع بعد ساعات فقط على فتح صفحته الرسميّة عبره منذ سنتين تقريباً.


شائعات

وهنا تظهر الفروقات الواضحة بين أوباما الذي مثّل المنحى الأميركي التصاعديّ على مستوى القبول بالتعدّديّة، لكونه أوّل أميركيّ أسود البشرة يُنتخب رئيساً للبلاد. بينما جسّد ترامب حالة أميركيّة انطوائيّة عكست حنيناً ولو مضمراً وجزئيّاً تجاه عودة الامتيازات للأميركيّين البيض. ولا حاجة للعودة بالذاكرة إلى الحرب الشخصيّة التي شنّها ترامب ضدّ أوباما حين كان رئيساً ومن بينها التشكيك بكونه أميركيّ المولد وغيرها من الإشاعات الشخصيّة التي أطلقها متطرّفون ضدّ أوباما.


العنصريّة ارتفعت خلال عهد أوباما

في تمّوز من العام 2016، كتب الصحافيّ جون بلايك مقالاً في موقع شبكة "سي أن أن" الأميركيّة أورد فيه أخباراً مؤثّرة عن حجم العنصريّة الذي ازداد في المجتمع بعد انتخاب أوباما. فالسود الذين تفاءلوا في بداية عهده شعروا بالخيبة بعد سنوات على حكمه، بحسب شهادات كثر قالوا إنّهم فقدوا صداقاتهم مع البيض بسبب أوباما. حتى طلبُ ترامب من أوباما إثبات مواطنيّته الأمريكية أعاد إلى الأذهان فترة الاستعباد حين كان يُفرض على السود المحرّرين إبراز "شهادة تحرير" للسماح بتنقّلهم. والمشكلة بحسب المقال أنّ البعض وصف بيل كلينتون نفسه بأنّه أسود لأنّه يمثّل الخلفيّة الاجتماعيّة للسود: كان "ولداً فقيراً" من "الطبقة العاملة" و "يعزف على الساكسوفون"... وذكّر بما كتبته ديبرا ديكرسون سنة 2007 عن أنّ أوباما "ليس أسود. الأسود في واقعنا السياسيّ والاجتماعيّ، يعني ذاك الذي ينحدر من عبيد الغرب الأفريقي".


مقياس "النتائج لا النيّات"

أظهر ذلك المقال بما فيه من شهادات حيّة شرخاً واضحاً في المجتمع الأميركيّ خلال السنوات الماضية. ولا شكّ في أنّ صعود "اليمين البديل" داخل الولايات المتّحدة يدمغ التاريخ الأميركي المعاصر بنكسة واضحة. لكنّ البعض يرى أنّ اتّهامات ترامب بالعنصريّة وبتدهور أوضاع الأميركيّين السود خلال عهده هي في غير محلّها. فقد كتب ستيفن مور، المستشار السابق في حملة ترامب، مقال رأي اعتبر فيه إدانة أحداث تشارلوتسفيل بشدّة واجب كلّ إنسان عاقل. وقال إنّه انتمى إلى التيّار المحافظ لثلاثين سنة لكنّه لم يلتقِ يوماً بواحد من العنصريّين البيض، كما أنّ تياره يدعو إلى تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة لكنّه يؤمن "بالنتائج لا بالنيّات" على عكس الليبيراليّين الذين يتسببون ب "نتائج فظيعة بنواياهم الحسنة" وخصوصاً على المستوى الاقتصادي.

ويتابع مور فيشير إلى أنّ دخل الأميركيّين السود خلال ولاية أوباما تراجع أكثر من دخل أيّ مجموعة إثنيّة أخرى. بينما في ولاية ترامب، ارتفعت أعداد الأميركيّين السود الذين يعملون بحوالي 600 ألف عن السنة الماضية. ولفت النظر أيضاً إلى أنّ أولاد الأميركيّين السود يحصلون على مستوى تعليم جيّد عبر عمل ترامب على تقديم حرية اختيار المدارس ذات المستوى التعليميّ الراقي أكانت عامّة أو خاصّة. ويكتب أنّ اختيار المدرسة هو مسألة حقوقيّة أساسيّة في هذا الزمن لكنّ الليبيراليّين ينحازون لصالح نقابة المعلّمين لا الأطفال الأميركيّين من أصل أفريقيّ. ويؤكّد أنّه بالنظر إلى خلق الوظائف ورفع الرواتب وتأمين تعليم أفضل للسود يتمتّع ترامب ب "سجلّ جيّد" لحقوق الإنسان ولمستقبل أفضل الأميركيّين السود في البلاد.

بالنسبة إلى الأرقام، ومع أنّه لا زال من المبكر الحكم عليها كما يعترف مور، يمكن لترامب أن يحقّق بعض المؤشّرات الإيجابيّة. لكنّ حصر مستقبل هذه الفئة بالاقتصاد والتعليم، على الرغم من أهميّتيهما، لا يلخّص كلّ الصورة. فتحاشي ترامب إدانة القوميين البيض إلّا على مضض قد يزرع الشكّ في نفوس أبناء هذه المجموعة تجاه مستقبلهم السياسيّ والأمنيّ. فهم باتوا يعيشون في عصر سمته أنّ اليمين العنصريّ البديل يعبّر عن نفسه بطريقة أكثر صراحة ... ووقاحة.






الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم