الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

تحرّي بيروت يكشف خفايا خطف الزوجة وتهديد الزوج بالموت ودفعه فدية لتحريرها

المصدر: "النهار"
أنور يحيى- قائد سابق للشرطة القضائية
تحرّي بيروت يكشف خفايا خطف الزوجة وتهديد الزوج بالموت ودفعه فدية لتحريرها
تحرّي بيروت يكشف خفايا خطف الزوجة وتهديد الزوج بالموت ودفعه فدية لتحريرها
A+ A-

بعد نجاح الكومندوس الإسرائيلي بقتل القادة الفلسطينيين الثلاثة في عملية فردان 1973، وفشل الأجهزة الأمنية بحمايتهم نتيجة مخالفاتهم الجمّة ونظرتهم الى هذه الأجهزة بأنها غير موثوق بها، وبنتيجة أحداث بيروت بين المنظمات الفدائية والجيش اللبناني، مارست القيادات الفلسطينية تدابير مخالفة للقانون من: سيارات بدون لوحات أو بلوحات مزورة، انتشار مسلح في العاصمة وخارجها، وسارت هيبة الدولة الى تراجع بعدما حقق المكتب الثاني أو ما عرف بالشعبة الثانية في الجيش اللبناني نفوذاً وفرض الأمن على كافة الأراضي اللبنانية على مدى أكثر من عقدين، وقد أعطت أحداث أيار 1973 بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية المسلحة نفوذاً أقوى لها بظل دعم عربي للمنظمات الفلسطينية لبقائها في لبنان بعيداً من هذه البلدان ضماناً لسلامتها.  

مساء 28 كانون الأول 1973 دخل مسلحان الى شقة المواطن جورج ط. في محلة الصنائع -بيروت وأقدما على تكبيله ورميه في ملجأ البناية الفخمة التي يقطنها مع زوجته التي خطفها الشابان بحضور الخادمة الكردية، جنسية قيد الدرس، ولم تتعرف الخادمة الى هويتهما كما أفادت أمام شرطة بيروت بعد تحرير الزوج من قيوده، والذي ادعى ضد مجهولين بخطف الزوجة ومحاولة قتله. اتصل أحد المجهولين بهاتف المنزل وطلب فدية مقدارها 25 الف ليرة لبنانية لإطلاق سراح الزوجة والا قتلوها فورا. ازدادت مخاوف الزوج الذي استنجد بالشرطة في بيروت لتوقيف الجناة الذين حددوا الساعة الرابعة بعد ظهر 30 كانون الأول 1973 لدفعها قرب الحمام العسكري في محلة رأس بيروت. فشلت دوريتا الطوارىء بتوقيف ركاب السيارة ذات الزجاج الأسود بعد تناول أحد ركابها كيس الفلوس، الذي يحتوي مبلغ الخمسة والعشرين الف ليرة لبنانية، الذي سلمه الزوج اليهم خوفاً من الحاق الأذى بزوجته التي يحبها كثيراً.

وفقاً للاتفاق بنتيجة الاتصال الهاتفي بتحرير الزوجة بعد قبض المبلغ نقداً، فقد أطلق سراح الزوجة في محلة الحمراء وعادت الى منزلها وروت ما حصل امام الزوج ودورية من تحري بيروت التي كلفها النائب العام الاستئنافي في بيروت لمتابعة خفايا القضية وكشفها بحسب الخبرة لديهم والأساليب التي لا يتقنها رجال الشرطة العاديون، لا سيما التفتيش عن الأدلة والاستعانة بالمخبرين الذين يشكلون مصدراً هاماً لنجاحات التحري.

انتقدت صحف العاصمة: فشل اسكوتلنديارد بيروتScotland Yard Beirut بكشف جريمة الخطف وضبط الجناة الذين قبضوا الفدية نقداً وتحت أنظار الشرطة وأطلقوا سراح الزوجة المخطوفة بالعنف والقوة كما ادعت. ودب الذعر في نفوس بعض العائلات التي طالبت القوى الأمنية بحماية أمنهم وسلامتهم رغم فلتان السلاح من بعض الأحزاب الداعمة للمقاومة الفلسطينية في العاصمة وخارجها بحينها.

أخضع رجال التحري الخادمة لاستجواب طويل وقد أنكرت معرفتها بالجناة أو وجود أي معلومات حول القضية، كما أن الزوجة شكت من تعرضها للعنف والقوة أثناء خطفها ولم تستغث خوفاً على حياة زوجها وحياتها وأصرت بعدم معرفتها لأي من الجناة الاثنين اللذين تشاركا عملية الخطف.

بادر وزير الداخلية، المحامي بهيج تقي الدين، بالإعلان عن مكافأة مالية بقيمة عشرة الاف ليرة لبنانية لمن يقدم أي معلومات مفيدة للتحقيق ووعد بترقية استثنائية للعناصر الذين يوقفون الجناة ويكشفون خفايا الحادث الذي هزّ أوساط العائلات البروتية، كما ان النائب العام الاستئنافي في العاصمة، حض العقيد علي الحسيني، قائد الشرطة القضائية بالوكالة لسرعة كشف الجريمة الخطرة واستعادة التقة بالتحري وقدراته بمكافحة الجريمة.

شكل الرائد نديم لطيف، آمر مفرزة بيروت القضائية، (تحري بيروت)، خلية عمل لكشف خفايا الحادث الخطير.

أعلم أحد المخبرين السريين الذي سبق أن تعاون ورجال التحري، والناشط بمحلة الصنائع، مشغله في التحري، والعامل ضمن المجموعة، بأن الخادمة ترتبط بعلاقة مع أحد الشبان الرياضيين وهو كردي أيضاً وذو بنية قوية وعلى علاقة بالمنظمات الفدائية، الذي يشاهد أحياناً أمام مدخل البناية يتحادث معها ويسيران معاً وربما كان يزورها في الشقة.

أعادوا استجواب الخادمة التي اعترفت بعلاقتها بالمدعو أحمد م.، جنسية قيد الدرس، واتفقا على الزواج مستقبلاً ولكنه لم يزرها منذ الحادث ولا تعلم مكان سكنه أو رقم هاتفه.

تمكن عنصرا الدورية: الرقيب محمد منصور والعريف كميل سرحال من التعرف الى احمد م. والذي سبق أن استجوبوه بصفة شاهد بحادث قتل. نصبوا له عدة مكامن لكنه كان يفلت منتقلا بسيارة مموهة ومدعوماً من بعض التنظيمات المسلحة، حتى ضبطوه يدخل احدى السينمات في العاصمة، وبالتنسيق مع المخبر عينه الذي استدرجه الى المكان، وقد تعارك مع ثلاثة رجال من التحري الأشداء وقاومهم بجسارة لافتة لكنهم تمكنوا منه وقيدوه واقتادوه الى نظارة قيادة الشرطة القضائية وفقا لتعليمات الرائد نديم لطيف في ثكنة المقر العام، الأشرفية، خوفاً من اقتحام نظارة المفرزة لإطلاق سراحة بالقوة من المنظمات التي يرتبط بها.

كان شديد البأس، جسوراً، وقبل استخدام العنف الذي كان سائدًا بحينها أثناء التحقيق مع المشتبه فيه بجريمة بسياق أدلة لدى التحري، طلب عدم إخضاعه للضرب على أن يروي القصة كاملة أمام الرائد نديم لطيف والعقيد علي الحسيني شخصياً ويتحمل المسؤولية.

اعترف أحمد بعلاقته بالخادمة الكردية والعاملة في منزل الثري جورج في محلة الصنائع، وكان يزورها أحياناً في مكان عملها وبمعرفة زوجة رب المنزل التي أعجبها شكل الرياضي وقامته وفتوته كما أن أحمد طمع بمالها وصباها فصمم على خطفها وابتزاز زوجها الذي يتقدم عليها بسنوات عديدة وهي ما زالت تهوى الحياة!! وكانت ترسل الخادمة أحياناً لإحضار الأغراض من الحانوت وتلتقي به لفترة قصيرة ثم يغادر. وبالفعل، حضر مع رفيقه مساء 28 /12/1973 قبل ليلتين من رأس السنة، كانت الخادمة بالمنزل وكان الشابان مقنعين، ويحمل أحمد رشاشاً أخفاه تحت معطف طويل، بينما نقل رفيقه مسدساً وقد قيدا الزوج ونقلاه الى ملجأ البناية تحت التهديد بالقتل، ثم كمّا فم الزوجة وخطفاها الى شقة أحدهم وأنذرا الزوج بسرعة تأمين مبلغ خمسة وعشرين الف ليرة لبنانية وإلا قتلا الزوجة التي يحبها حتى الموت!

تمكن أحدهم من قبض المبلغ ولا يزال بحوزته، وأنه نفذ العملية بالتواطؤ مع الزوجة التي أعجبها أحمد وعشقته وربما وجدت الفرصة مناسبة للاجتماع به!!

أعلم المدعي العام الذي حضر الى نظارة المقر العام حيث مكان توقيف أحمد واستمع الى الجاني بحضور قائد الشرطة القضائية والرائد نديم لطيف الذي كلف دورية بإحضار المبلغ من منزل المشتبه فيه والذي أعيد كاملاً غير منقوص. تمت إفادة المدير العام لقوى الأمن الداخلي الأستاذ هشام الشعار ووزير الداخلية الذي حضر الى المقر العام أيضاً وهنأ الدورية وآمر المفرزة وقائد الشرطة القضائية بهذا الإنجاز، لكن لا يمكن إطلاع الراي العام أو الزوج على حقيقة ما رواه أحمد والذي أكدته الزوجة وطلبت إبقاء الأسباب الحقيقية طي الكتمان حفاظاً على العلاقة الزوجية مع الزوج المغروم بزوجته وهي تعشق صديق خادمتها نظراً للقامة الممشوقة والبنية الرياضية لأحمد والذي لم يقطع علاقته بالخادمة التي ربما علمت ولكنها بحاجة إلى المال لتأمين متطلبات تأثيث المنزل الزوجي الذي وعدها به أحمد؟؟

ضبط الرشاش والمسدس الحربيان من مخيم صبرا حيث يقيم أحمد، وأكد الزوج بأن الرشاش ربما نفسه الذي استخدم بالحادث.

أعلن وزير الداخلية وخلال مؤتمر صحافي في وزارته أن رجال تحري بيروت وخلال فترة وجيزة، ورغم المحاذير الأمنية واستقواء الجاني بالمنظمات المسلحة، أوقفوا الجاني ورفيقه، وضبطوا السلاح المستخدم، وأعادوا الفدية المدفوعة للزوج، والثقة للعائلات التي هزها هذا الحادث الذي تناولته الصحافة بالتهكم على اسكوتلند يارد بيروت (فرقة تحري بيروت) وأثنت الصحافة الوطنية مجدداً على مثابرة التحري وكفاءة ScotLand Yard بيروت!! بكشف خفايا حادث الخطف وتهديد حياة الزوج بالموت، وأثنى النائب العام الاستئنافي في بيروت بإنجاز قيادة الشرطة القضائية ومفرزة بيروت بإماطة اللثام عن الجريمة الغامضة.

لم تتم ترقية أفراد فريق العمل الذي شكله القائد الملهم نديم لطيف، آمر مفرزة بيروت القضائية، والذي تدرج بخدمة التحري منذ كان برتبة ملازم أول، إنما أصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي الأستاذ هشام الشعار التنويه رقم 14 تاريخ 11-5-1973 بمجموع قوى الأمن الداخلي بأعمال كل من:

1- العقيد علي الحسيني، قائد الشرطة القضائية بالوكالة الذي قاد مرؤسيه ووجههم بحكمته وحسن تصرفه لكشف خفايا الحادث.

2- الرائد نديم لطيف: آمر مفرزة بيروت القضائية، الذي أبدى فطنة وجهداً كبيرين في تنفيذ توجيهات رئيسه اثناء التحقيق الذي أسفر عن توقيف المسلحين واستعادة المال وضبط السلاح الحربي.

3-الرقيب الأول شكري الخوري، الرقيب الأول خليل نصر، الرقيب أحمد موسى، الرقيب محمد منصور مع منح كل منهم مكافأة مالية قدرها ثلاثمئة ليرة لبنانية لتنقيذ أوامر الرؤساء بدقة وأسفرت عن تصفية حادث الخطف الذي هزّ العاصمة مساء 28-12-1973.

4- العريف كميل سرحال، الشرطي رؤوف زيتوني، الشرطي زهير رعد: مع منح كل منهم مكافأة مالية بقيمة خمسمئة ليرة لبنانية للسبب التالي:

أبدى شجاعة ودقة في تنفيذ أوامر رئيسه مما أدى الى توقيف مسلحين اقتحما منزلاً وقيدا صاحبه وخطفا زوجته ثم قبضا فدية لقاء ترك الإمرأة كما استعيدت الفدية وضبط السلاح المستعمل.

إن غاية الضابطة العدلية العاملة بإشراف النيابة العامة، هي كشف الحقيقة، وليس إدانة الجاني الذي يخضع للمحاكمة أمام القضاء وأن أستخدام التحري للمخبرين والخبرة التحقيقية، والتفتيش عن الأدلة الجرمية والتركيز المتواصل بصبر وأناة، الأسلوب الصحيح الذي يقود الى كشف أخطر الجرائم رغم محدودية الوسائل البوليسية أحياناً.

وتبقى الشرطة القضائية بما لديها من خبرات وأساليب للتقصي عن الأدلة القانونية، الجهاز الصالح لكشف أخطر الجرائم وأكثرها غموضاً، وتتصدى، إضافة الى الجرائم التقليدية، لجرائم الألفية الثالثة والأكثر غموضاً حين يلجأ الجناة لإخفاء أدلتهم الجرمية بوسائل متطورة والتي قد تفوق قدرات الشرطة أحياناً لا سيما بجرائم الأرهاب والاتجار بالبشر وتبييض الأموال وتهريب المخدرات.

لكن هل تبقى هذه الوحدة المتخصصة بمكافحة الجريمة وتنفيذ المهمات العدلية ضمن المباحث: العامة والخاصة والمركزية بعيدة من ممارسة ضغوط السياسين والنافذين وأصحاب القرار عليها، مما يحدّ من تفعيل دورها الأساسي بمكافحة الجريمة ويحد من دورها وفقاً لما حدده المشرع؟




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم