الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

اليمين الأبيض المتطرّف في أميركا ... كراهية للمثاليّة الأميركيّة نفسها

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
اليمين الأبيض المتطرّف في أميركا ... كراهية للمثاليّة الأميركيّة نفسها
اليمين الأبيض المتطرّف في أميركا ... كراهية للمثاليّة الأميركيّة نفسها
A+ A-



لم تكن عمليّة "الإرهاب الداخلي" بحسب توصيف وزير العدل الأميركي جيف سيشنز، الأولى من نوعها في السنوات الأخيرة. ففي عام 2015 مثلاً، اقتحم شاب أميركيّ كنيسة للسود في #تشارلستون وقتل تسعة مصلّين. لكنّ البارز في الأحداث الأخيرة أنّ "اليمين البديل" الذي يشمل مروحة واسعة من المتطرفين العنصريّين بات قادراً على تنظيم احتجاجات بارزة نسبيّاً بعدما كان ناشطوه معزولين إلى حدّ بعيد. 


أصل التسمية

مجموعات مثل "كو كلو كلان" "النازيّين الجدد" "الكونفيديراليّين الجدد" وعشرات أخرى نزلت إلى المظاهرة احتجاجاً على إزالة التمثال والتعبير عن أفكارها التي تشترك بشكل كبير حول "سيادة العرق الأبيض" وكراهية الأقليّات الدينيّة والعرقيّة ومعاداة الساميّة. وبحسب مجلّة "فوروورد" الأميركيّة، كان المؤرّخ والفيلسوف السياسي بول غوتفرايد أوّل من صاغ عبارة "اليمين البديل" (alternative right –alt right) سنة 2008 والتي تحتضن جميع التيّارات المتطرّفة من البيض الانفصاليّين وصولاً إلى النازيّين الجدد. وصاغ غوتفرايد أيضاً عبارة "المحافظون القدماء" (paleoconsevative) الذين يؤيّدون سياسة انعزاليّة في مقابل "المحافظين الجدد" (neoconservative) الذي يتبنّون توجّهاً أميركيّاً تدخّليّاً.



بعض الرموز والشعارات

لدى هذه التيّارات مجموعة كبيرة من الشعارات والرموز التي تعطيها بعداً قوميّاً وعنصريّاً متطرّفاً. 1488 مثلاً هو رقم نازيّ يؤدّي التحيّة لهتلر ويدعو للحفاظ على مستقبل العرق الأبيض. ف 14 يشير إلى جملة تتألّف من أربع عشرة كلمة في الانكليزيّة مفادها: "يجب علينا أن نؤمّن وجود شعبنا ومستقبلاً للأطفال البيض". بينما 8 هو التسلسل العددي المقابل لحرف "H" ومع تكرار الرقم يصبح تحيّة للزعيم النازيّ ادولف هتلر (Heil Hitler). ويستخدم المتطرّفون البيض عبارة "التنوّع البيو-إنسانيّ" لإضافة ما يرونه تبريراً علميّاً لنظريّة التفوّق الخاصّة بهم عبر الادّعاء بأنّ الأميركيين السود لديهم النسب الدنيا في نتائج اختبارات الذكاء.


"أولاد الشيطان"

وكتب جون دانيسزفسكي في وكالة "اسوشييتد برس" الأميركيّة مقالاً أشار فيه إلى أنّ اليمين البديل يرفض التعددية الثقافيّة في الولايات المتّحدة كما يرفض المثاليّة الديموقراطيّة الأميركيّة التي تؤكّد أنّ الجميع متساوون تحت القانون بغضّ النظر عن دينهم وجنسهم ولونهم. ويدعو الكاتب، مع آخرين، إلى عدم استخدام عبارة "اليمين البديل" لأنّها تجعل من الأفكار السيّئة أكثر قبولاً لدى الجماهير بعدما رفضت أوصاف النازيّة والعنصريّة والتسيّد الأبيض.

خلال المظاهرة رفع المحتشدون أعلاماً نازيّة وأخرى كونفيديراليّة وهتفوا بشعارات مناهضة لليهود مثل "اليهود لن يحلّوا مكاننا" وهتفوا واصفين وسائل الإعلام الكبرى بأنّها "الإعلام اليهودي الآيل للسقوط" كما وصفوا اليهود بأنّهم "أولاد الشيطان". ووصل عدد هؤلاء المتظاهرين إلى حوالي 500 شخص.


علمانيّون وربّما ملحدون

وفي حديث إلى صحيفة "ذا واشنطن بوست" الأميركيّة قال الأستاذ المحاضر في جامعة ألاباما جورج هاولي إنّ معظم المنضوين في هذا التيّار من مواليد ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي من البيض. ويمكن أن يكونوا من حملة الشهادات الجامعيّة ممّن هم علمانيّون أو ربّما ملحدون، لكنّهم "ليسوا مهتمّين بالتيّار المحافظ على الإطلاق". ورأى أنّ هنالك بعض الفروقات بين "اليمين البديل" وبين تيّارات القوميّين البيض، منها ما هو شكليّ ومنها يصبّ في إطار جوهريّ. فالفريقان يختلفان أوّلاً من حيث التسويق والنمط لا من حيث المضمون، لكن من جهة أخرى، وقفت قيادات بارزة من اليمين البديل ضدّ المجازر والتطهير العرقيّ الأمر الذي لم يفعله القوميّون البيض.


أرقام

ويتفق كثير من المراقبين على أنّ جماعات كهذه آخذة بالتوسّع في الولايات المتّحدة بسبب الواقع السياسيّ من جهة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تسهّل نشر الأفكار المتطرّفة من جهة أخرى. فقد ذكر "مركز قانون الفقر الجنوبي" الأميركيّ، وهو منظّمة تكافح خطاب الكراهية، أنّ أكثر من 1600 مجموعة متطرّفة تنشط على الأراضي الأميركيّة. وتشير هيئة الإذاعة البريطانيّة "بي بي سي" في تقريرها إلى أنّ "اليمين البديل" تيار سياسيّ حديث نسبيّاً وقد ازداد شهرة خلال السنة الماضية لكنّ تقدير حجمه يبقى صعباً. أمّا عدد أعضاء "كو كلو كلان" فيتراوح بين 5 إلى 8 آلاف شخص على امتداد الولايات المتّحدة. بينما تبقى التقديرات الإجماليّة للنازيين الجدد مبهمة إذ تختلف بحسب المراجع بين 400 و 2500 عضو.


دراسة نفسيّة "مدهشة"

أمّا موقع "فوكس" الأميركي فكتب عن دراسة نفسيّة أجريت على المئات من مناصري "اليمين البديل" وقد أدهشت معدّي الدراسة نفسيهما. فقد أنهى عالما النفس باتريك فورشر ونور كتيلي دراسة في التاسع من آب تظهر بعض التصوّرات المشتركة لدى هذا اليمين مع العلم أنّ نتائج الدراسة أوّليّة وهي لا تشمل جميع فئات هذا اليمين وإنّما 447 شخصاً قبلوا بالمشاركة عبر الإنترنت. ووجدت الدراسة أنّ هؤلاء يحبّذون الهرميّة الاجتماعيّة التي يتزعّمها البيض كما يكرهون الوسائل الإعلاميّة الكبيرة مع نظرة دونيّة إلى المنتمين لأعراق وأديان مختلفة.

لكنّ المدهش في هذا المجال بالنسبة إلى فورشر، البروفسور في جامعة أركنساس، أنّ علماء النفس كانوا يخافون في السابق من عدم إعلان أفراد كهؤلاء أحكامهم المسبقة، بسبب معرفتهم بأنّها أفكار مشينة أو معيبة. "لكنّ استطلاع الرأي هذا يظهر أنّ الناس سيعترفون بسهولة بجميع أنواع الأمور الخبيثة"، بما فيها إزالة الصفة الإنسانيّة عن عدد كبير من المجتمعات البشريّة وإعلان سلوكهم العدائيّ بدون خجل. وإذا كان "الشعبويّون" هم الأقلّ عدائيّة والأكثر قلقاً من الفساد بحسب الدراسة، فإنّ مجموعات أخرى تقع تحت مظلة "اليمين البديل" لم تبدِ اهتماماً بالحالة الاقتصاديّة أو منعزلة اجتماعيّاً.

لا شكّ في أنّ الموجة الحديثة لليمين المتطرّف بنسخته الوروبية غذّت التيّار العنصريّ الأبيض بشكل لافت في الولايات المتّحدة. لكنّ كيفيّة تفاعل "اليمين البديل" بسلوكه العدائيّ مع النظام السياسيّ الأميركيّ سيبقى محطّ مراقبة كثر خصوصاً في عهد الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الذي أبدى تخبّطاً كبيراً في إدانة أحداث تشارلوتفيل.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم