الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مصر مجدداً عكس السير.. اقتراح لتشريع زواج القاصرات!

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسرخليل
مصر مجدداً عكس السير..  اقتراح  لتشريع زواج القاصرات!
مصر مجدداً عكس السير.. اقتراح لتشريع زواج القاصرات!
A+ A-

تلج الفتاة التي لم تتم بعد عامها الثاني عشر إلى غرفة الضيوف. يتفحصها شاب في الثامنة والعشرين من عمره باهتمام شديد. ولاء الطالبة في الصف الثاني الإعدادي، لا تنتبه إلى نظرات الشاب الذي لا تعرفه، فهي منشغلة بالعودة سريعا لتستكمل لعبة "الأولى" مع صديقاتها. تضع الشاي وتخرج مسرعة. تتردد خلفها كلمات استحسان من الضيوف، وكبيرهم يقول: "نقرأ الفاتحة بقى يا حج علي"، ثم ترن زغاريد الأم والنساء. 

تبارك الأم لـولاء على خطبتها. ويزين الأهل لها الأمر. تفرح الطفلة الصغيرة بالحلي الذهبية، والهدايا، وكونها موضع اهتمام الجميع. أمها وأبوها يخبرانها "أن طاعة الزوج من طاعة الرب". لا يتحدثان معها عن شيء يخص الزواج، فهذا محرم في قريتهم المتدينة التي "تتقي الله".

تمر الأيام سريعاً. تسير زفة ريفية فقيرة في طرقات القرية بجسد الفتاة المغطى بفستان زفاف أبيض مهلهل، تحيطه الشموع والأغنيات الشعبية: "أحضن وبوس يا ولا... دافعين فلوس يا ولا". وهكذا، تشيع طفولة ولاء في صمت إلى مثواها الأخير.

لم تلتق "النهار" ولاء . ليس مسموحاً لها أصلاً أن تتحدث لأشخاص غرباء. "زوجها يقطم رقبتها"، تقول قريبتها شيماء سعد (33 سنة) التي روت لنا قصتها، مؤكدة أن لدى ولاء الآن طفلين وهي مازالت في السابعة عشرة من عمرها، وأنها وأقرانها من الأطفال، يتعرضن للضرب والتوبيخ من قبل الأزواج بسبب عدم قدرتهن على الالتزام بـ"واجباتهن" المنزلية.





ويدعم أهل الزوجات "الاطفال" -في أغلب الأحيان- الأزواج في ما يفعلون، ويحرصون على عدم وصول الامر للطلاق، ووعودة الام بأطفالها لمنزل والديها الفقيرين. ويعد الطلاق "وصمة عار" في عرف الكثير من المناطق الريفية والفقيرة.

حكاية ولاء ليست وحيدة، فهي تتكرر كل يوم عشرات وربما مئات المرات. 17% من المصريات يتزوجن في سن الطفولة، أي قبل الثامنة عشر من عمرهن، وفقا لإحصاءات منظمة "#فتيات_لا_ عرائس" (Girls not Brides) البريطانية، التي تناهض جريمة زواج القاصرات حول العالم.

لا أرقام رسمية في #مصر لهذه الجريمة، التي تخالف القانون والدستور المصري، ولكن الأهل يتحايلون على القانون إما بإتمام الزواج دون كتابة عقد رسمي، أو بإحضار شهادات مزورة لعمر تلك الفتيات تسمح بتوثيق العقد في السجلات الرسمية للدولة.

تقنين الجريمة

بينما يسعى العالم بدأب إلى القضاء على هذه الجريمة التي تنتهك حقوق الأطفال، يصر البرلماني المصري أحمد سميح على التقدم باقتراح -أثار جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام، وبين النواب، خاصة النساء منهم- لتعديل قانون الطفل بهدف خفض سن الزواج من 18 سنة إلى 16 سنة.

وبدلاً من إيجاد حلول لمواجهة الجريمة التي ترتكب في حق الفتيات الصغيرات، يرى سميح أن ذلك الاقتراح يساعد على توثيق عقود الزواج بما يحفظ حق الزوجة، لأن سكان المناطق الريفية، يزوجون فتياتهم دون توثيق، إلى أن تبلغ سن الثامنة عشر ويسمح بتوثيق عقد الزواج رسمياً، وهو ما يهدد حقوق الفتاة في حالة الطلاق -في إشارة إلى الحقوق المالية، مثل مؤخر الصدقة والنفقة وما إلى ذلك- على حد وصفه في تصريحات لوسائل إعلام مصرية.

وانتقدت حقوقيات وإعلاميات الاقتراح بقوة. وقالت هدى بدران، رئيسة اتحاد نساء مصر: "أعضاء البرلمان الرجالة مش فاضيين غير لجواز البنات القاصرات"، وفقا لصحيفة "المصري اليوم". وأضافت "بدلا من التفكير في إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية ومشاكل البطالة ومكافحة الإرهاب لجؤوا لتزويج الأطفال في الوقت الذي تعاني مصر من أزمة سكانية حادة مع كثرة الإنجاب".

وأكدت بدران أن هذا الاقتراح "يضر بالفتاة جدا لأنه يؤدي إلى تسربهن من التعليم، بالإضافة إلى أن الزواج في هذا السن خطر على الفتيات، خاصة في الحمل والولادة".

وعلى رغم الهجوم الواسع الذي تعرض له سميح خلال الأيام الاخيرة بعد كشفه اقتراحه، كرر مرارا التأكيد على تمسكه به، مؤكداً أنه سيتقدم بالتعديل في الدورة البرلمانية المقبلة، والمرتقب انعقادها في تشرين الأول المقبل " وللبرلمان حق القبول أو الرفض"، وقال: "البنات تبلغ رشدها مبكرا، ويرغب الفلاحون في القرى تزويجهن فور بلوغهن".

العرف والقانون

ويشار الى أن مصر وقعت مع بدايات القرن الحادي والعشرين معاهدات دولية وإقليمية تنص على حق الطفل في التمتع بالحماية من كافة أشكال الاستغلال، والممارسات والأعمال التي قد تنطوي على مخاطر له، أو من شأنها تعطيل تربيته أو أن تكون على حساب صحته، ونموه البدني والذهني والروحي والأخلاقي والاجتماعي.

ويؤكد أطباء ومتخصصون ارتفاع معدل الوفيات بين الأمهات اللواتي هن دون سن 18 سنة، وتدفع الكثير من الفتيات عمرها ثمنا للحمل في سن مبكرة.

ويبدو أن العرف والمفاهيم الدينية السائدة لهما تأثير يفوق قدرة الحكومة على الالتزام بالمعاهدات الدولية التي وقعتها مصر، وهو ما يلقي بظلال من الشك على مدى قدرة أعضاء البرلمان المناهضين للمقترح المثير للجدل، في مواجهة النواب الذين يمثلون مجتمعات ريفية وقبلية تنظر إلى زواج القاصرات على أنه أمر مستحب دينيا، وهو ما قد يعزز فرص تمرير التعديلات، وإن كان هناك إمكانية لعرقلتها باعتبارها غير دستورية.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم