الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رسالة الى معالي الرئيس عدنان القصار

ابرهيم عاكوم
A+ A-


أتوجه اليكم بهذه الرسالة بصفتكم رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان التي أطلقت صرخة مدوية احتجاجا على الوضع الاقتصادي والسياسي والامني المزري الذي وصلت اليه البلاد والعباد نتيجة الاخفاق الذريع للسياسيين في ايقاف دفع لبنان واندفاعه نحو الهاوية. نتم في الهيئات الاقتصادية أطلقتم صرختكم التي تلاقي أنين المواطن وصرخة الاتحاد العمالي العام وكافة الاتحادات العمالية على مساحة الوطن وطالبتم بتأليف حكومة جديدة تعمل على ايقاف حالة الشلل الاقتصادي وشبه التحلل الاجتماعي وانقاذ لبنان من الوقوع في الهاوية. طلبكم هذا محق وفي مكانه، ولكن...
تذكرون انه في ايار 2011 قمتم بجهد مماثل ورفعتم الصوت مطالبين بالتعجيل في تأليف حكومة آنذاك بعدما تعذر ذلك لخمسة أشهر بعد تكليف دولة الرئيس نجيب ميقاتي وقمتم شخصيا على رأس الهيئات الاقتصادية بدق ناقوس الخطر وبالتهديد بخطوات تصعيدية اذا لم تتألف الحكومة.
اليوم وبعد أكثر من عامين يتكرر المشهد. فهل مجرد تأليف حكومة جديدة يفي بالغرض؟ ولماذا علينا ان نتوقع أن يختلف الامر بمجرد تأليف حكومة جديدة؟
في الاساس، إن تدهور الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي ما هو إلا نتيجة اخفاق الحكومات المتعاقبة في التعامل بفعالية مع الشأن المعيشي للمواطنين نتيجة تداخل الشأن السياسي بشكل سلبي مع السياسات الاقتصادية والمالية. ولذا، من المستبعد ان تغير أية حكومة جديدة تطالبون بها النهج المتبع حاليا في التعامل مع الشأن الاقتصادي. وبالتالي ان مجرد تأليف حكومة جديدة والانتقال من حالة التكليف الى مرحلة التأليف لا يكفي بأي شكل من الاشكال، لأن تأليف الحكومة يعد عاملا ضروريا، ولكن ليس كافيا وحده لارجاع الاقتصاد عن حافة الهاوية، ووضع لبنان في خانة الأمان. فالمطلوب منكم ان تمارسوا الضغوط لتحقيق انجازات تتخطى تأليف الحكومة، خصوصا حكومة ادارة أزمات.
فبالرغم من تعدد الحكومات خلال السنوات القليلة الماضية بقيت الانجازات متواضعة جدا. فأين نتائج الاوراق المطلبية التي رفعتها الهيئات الاقتصادية الى لجنة الحوار الاقتصادي التي عقدت أوائل 2013؟ وأين لجنة الحوار الاجتماعي المستدام التي انعقدت أواخر عام 2012؟ وأين قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟ وأين المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟ ولماذا لم تنشأ الهيئات الناظمة للكهرباء وقطاع النفط؟ ولماذا المجلس الاعلى للخصخصة مشلول منذ سبع سنوات؟ ولماذا لم تقر موازنة منذ عام 2005؟ أين الاصلاحات التي التزمتها الحكومات اللبنانية بموجب مؤتمرات باريس 1 وباريس 2 وباريس 3 بين 2001 – 2007؟
في الحقيقة، في ظل الانقسام السياسي الحاد وعدم قدرة الطبقة السياسية او عدم رغبتها في كسر حالة الجمود لاعتبارات داخلية واقليمية، ان تأليف حكومة غير كاف. يبدو أن عليكم كهيئات اقتصادية فاعلة ان تقوموا بدور تاريخي في لبنان يتخطى مجرد الضغط لتأليف حكومة جديدة، وأن تبادروا الى اتخاذ خطوات فعالة بغض النظر عن تأليف الحكومة أو عدمه، كلنا نعرف تجارب الحكومات السابقة، وأن تأليف حكومة جديدة لن يأتي بالتغيير المستدام المنشود، وفي أحسن الاحوال سيقدم مسكنات لفترة قصيرة، في حين ان الخلل هيكلي ويتطلب تغييرات جذرية وجدية وطويلة الامد.
فما هي ملامح هذا الدور المهم الذي قد تؤدونه ليس فقط في مجال الضغط لتأليف حكومة، بل ايضا في مجال رفض مصادرة الشأن الاقتصادي وارتهانه لمصالح سياسية ضيقة والعمل على تغيير هذه الذهنية؟
المطلوب يتعدى رفع الصوت لدى اشتداد الازمات الى العمل الدؤوب على تغيير جذري لنمط العلاقة بين السياسة والاقتصاد في لبنان. وهذا جهد في غاية الاهمية ويمكن ان تمارسوه بجدارة. إن موقعكم وقدراتكم كهيئات اقتصادية يؤهلكم لتشكيل قوة ضاغطة على السياسيين، وعلى المواطنين على حد سواء ولتبنيكم وتمويلكم حملات توعية وطنية متواصلة تبرز المصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة للمواطنين من كل الطوائف، وذلك في مواجهة سياسات استثارة النعرات والحس المذهبي عند المواطنين بهدف خدمة مآرب ومشاريع سياسية على حساب لقمة عيشه ومنعة الاقتصاد الوطني.
بالاضافة الى حملات التوعية الاقتصادية للمواطنين، ان للهيئات الاقتصادية قدرة على الضغط المتواصل على الحكومات والسياسيين، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، لاجراء الاصلاحات الهيكلية اللازمة للتنمية الاقتصادية المستدامة، والمثابرة وعدم التراخي، لأنه في غياب ضغط الهيئات الاقتصادية والنقابات تشير التجارب في لبنان الى أن الاعتبارات السياسية تأخذ مكان الصدارة على حساب الشأن الاقتصادي وننتهي الى أزمات متكررة كما يحصل حاليا.
السياسة فرقت اللبنانيين فلعل الاقتصاد يجمعهم.

أستاذ جامعي في الاقتصاد وادارة الاعمال

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم