الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

أبلسة الكرد وتصهينهم

عبد المجيد محمد خلف - كاتب كردي من سوريا
أبلسة الكرد وتصهينهم
أبلسة الكرد وتصهينهم
A+ A-

الأبلسة صفة تطغى قبل تشبيهها، في صورة لا تزال عالقة في ذاكرة متعبة، لزمن يكاد ينقرض من حقول اللغة، فتصبح جزءاً من ماض يحاول الحضور بشتى الصور، بين الحين والآخر، ليتلاصق مع مشبهه، ويصبح معه كلاً واحداً، فتغدو الحقيقة واحدة من الطرفين، طرف لإبليس، وطرف للكرد، فيمثل كلاهما وجهاً لعملة واحدة... 

تسميات عدة يحفل بها التاريخ الكردي من كل الصنوف، للتقليل من تلك التسمية، كاستعارة ناقصة من شكل صاحبها، فهم (وحوش الجبال- أبناء الجن- نسل الشيطان)، وكل شيء، ما عدا الطبيعة البشرية التي تنتسب إليها هذه الأمة، في خطاب يجعل منهم موضوع نقاش عقيم، وجدل يظهر بين الفينة والأخرى، حاملاً معه أوراقه القديمة، ليتلاعب بها الفرس أولاً، والترك والعرب ثانياً، فينسبونهم إلى كل الملل والطوائف المشوهة، لتشويه حياتهم، وصورة تلك الحياة في عيون شعوبها، لدرجة بقائها جاهلة حتى الآن عن شيء اسمه الكرد، وليقف المثقفون صفاً واحداً مع بعضهم، وينكروا وجوداً استمر آلاف السنين، ولا يزال يقارع، وينشر أجنحته على السماء كلها...

وحين يطرق الاستفتاء الباب لتشكيل دولة كردية، تتسارع ألقاب جديدة في الرسو على السطح، في محاولة لوأد حلم انتهى بكل أبعاده، في مشهد تاريخي، وكأمر واقع، ينتظر لحظاته الأخيرة، فتتصهين هذه الدولة، وتغدو إسرائيلية حيناً، وكافرة حيناً آخر، متمردة على الدين... وماذا بعد؟!

لماذا يتم التصميم على زرع بذرة الشقاق بين الكردي وغيره؟ لا لشيء، فقط لإرضاء غرور أيام كانت تجري سفينتهم بما تشتهي رياحهم، وحين عكس التيار وجهه، صار الكردي متلبساً زي الشيطان، وإبليساً، وصهيونياً، وكافراً، في حقيقة تغتال نفسها، تغتال صاحبها، وتدفع بالكثير إلى إعادة وجهة النظر في علاقات الأمس، واليوم، فمشانق الفرس مازالت ماثلة أمام العين، وسجون الأتراك المليئة بأرواح عارية، خارجة عن تجاويف الحياة، وخطط العرب التي لا تنتهي، لتصفية ذلك الحلم، وكأن الزمن لما يزل، هو، هو... والأيام ما طرأت عليها جديد...

في الأمس القريب كانت طلائع داعش تطلق تسمياتها في كل اتجاه، وتحت شعارات اللعنة والكفر والأبلسة تمت تصفية الحسابات، ونال الإيزيديون ما نالوه، في سنجار (شنكال)، وفي كل بقعة من أرض اشتكت العري والموت، من أجل كذبة فقيرة اخترعوها، فملأ الكرد الدروب كلها بحثاً عن إله يشتكون له مواجعهم، وغداً، وأخيراً، وليس آخراً، النصرة، الأحرار، وكتائب الدنيا كلها، هي كردستان فتحت رتاجات أبوابها الألف، تغوي الحبر ليستيقظ من رقدة العدم، ولتنتفض الكلمات، ليصل صوت الكرد إلى كل مكان، ويرفع عنهم السوط، وترحل ليالي السجن إلى غير عودة....


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم