الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

حرب مناهج دراسيّة بين باكستان والهند... "استغلال التّاريخ هائل"

حرب مناهج دراسيّة بين باكستان والهند... "استغلال التّاريخ هائل"
حرب مناهج دراسيّة بين باكستان والهند... "استغلال التّاريخ هائل"
A+ A-

يبدو التلميذ الباكستاني في المرحلة الثانوية نعمان أفضل مقتنعا بأن "خيانة" الهندوس كانت السبب وراء تقسيم الهند البريطانية في شكل دام الى الهند وباكستان قبل 7 عقود... فهو يردد ما تعلمه في #الكتب_المدرسية في باكستان.


في الجانب الهندي، يتعلم التلامذة نسخة مختلفة تماما عن الأحداث المأسوية التي رافقت "التقسيم"، أي ولادة القوتين الكبيرتين في شبه القارة الهندية في آب 1947. خلال تلك المرحلة، قسمت شبه القارة الهندية بين #الهند ذي الغالبية السكانية الهندوسية، وما أصبح بعدها جمهورية #باكستان الإسلامية، مما أسفر عن أعمال عنف طائفية وجرائم قتل واغتصاب طاولت مئات الآلاف من الأشخاص. كذلك تسبب ذلك باحدى أكبر حركات الهجرة على الإطلاق مع نحو 15 مليون نازح من الهندوس والمسلمين والسيخ.  


وبعد 7 عقود، ما زال شبح الحرب قائما بين البلدين اللذين لا يتوانيان عن توظيف التاريخ المشترك لمصلحة كل منهما، في إطار مشحون بالكراهية المتبادلة. وسط هذا الشحن بين البلدين، يشير الخبراء إلى أن الروايات الرسمية المتحيزة التي تلقن للتلامذة ضمن المناهج الدراسية في نيودلهي وكراتشي تلحق ضررا بآفاق السلام بين البلدين، بينما يظهر الجيل الشاب عداوة متنامية ازاء جيرانهم.  


في الكتب الباكستانية المرخص بها من السلطات، غالبا ما يوصف الهندوس بأنهم "رعاع" و"خونة" و"عنصريون" ارتكبوا "مجازر في حق المسلمين، وصادروا أملاكهم وأرغموهم على مغادرة الهند". وفي ترداد لهذه المناهج، يؤكد نعمان، وهو تلميذ يبلغ 17 عاما، في مدينة جهنغ في البنجاب الباكستاني، أن أعمال العنف خلال التقسيم كانت "مؤامرة حاكها الهندوس"، قائلا: "كانوا يمقتوننا. لهذا السبب أنشأنا باكستان".  


أما ترياكش ميترا البالغ 15 عاما، وهو تلميذ في مدينة بومباي الهندية، فقد تعلم في المدرسة أن قادة الرابطة المسلمة تقاربوا مع المستعمرين البريطانيين للحصول على دولتهم الخاصة، في مواجهة الماهاتما غاندي الذي كان يناضل من أجل وحدة الهند واستقلالها. ويقول: "ما لم يشرحوه لنا هو وجهة نظر المسلمين" القلقين من التحول أقلية في مواجهة الهندوس.  


تمثل المقاطع المتعلقة بغاندي نموذجا صارخا عن الهوة بين نظرتين للتاريخ. في باكستان، لا تتطرق الكتب إلا لماما إلى مساهمته في الاستقلال، بينما تمجد المناهج الهندية دوره بوصفه "جيشا قائما بذاته".  


ويقول أستاذ الدراسات الباكستانية في جامعة عريقة في اسلام اباد طارق رحمن من خلال التعتيم على الروايات حول مشاركة المسلمين في المجازر، يقدم المنهج الباكستاني "صورة أحادية تجعل التلاميذ غير قادرين على تصور السلام كحل ممكن، وأكثر عرضة للتطرف".   

وقد أظهرت تقارير عدة أن هذا الأمر يؤجج عدم التسامح. غير أن "السلطات تبدو غير راغبة في تغيير هذا الوضع، وإعادة النظر في مشاعر العداء ازاء الهند"، مما "يستلزم تغييرا في السياسة الخارجية".


في ظل عدم تغيير المناهج، يعلم قاسم اسلام ومنظمته "ذي هيستوري بروجكت" تلامذة على إعادة النظر في مضمونها عبر مقارنة النصوص المتعلقة بالتقسيم في الكتب الدراسية الهندية والباكستانية. ويقول هذا المقاول الباكستاني الشاب: "ثمة منظومة كاملة. ما يقرأونه في الكتب يسهل تبنيهم الأفكار القومية المنتشرة في الأفلام ووسائل الإعلام. وعند بلوغهم العشرين، تترسخ هذه العقيدة لديهم طوال حياتهم".  


ويضيف: "نرغب في إفهام الأطفال أن ثمة روايات كثيرة عن الماضي المشترك". ومع فريق أصدقاء باكستانيين وهنود التقوا خلال مخيم شبابي من أجل السلام، أقام حصصا لـ2500 تلميذ منذ ايلول 2016 خصوصا في باكستان، ولكن أيضا في الهند.  


ويقول ترياكش الذي تابع إحدى هذه الدورات في بومباي في نيسان: "هذا الأمر قادني إلى ان آخذ في الاعتبار وجهة نظر مختلفة، وإلى تكوين (...) فكرة أكثر توازنا".   


وثمة تقدم آخر يتمثل في أن النسخة الأخيرة من كتب التاريخ في الهند تضم شهادات مؤثرة توصّف أعمال العنف المرتكبة أيضا على يد الهندوس. وترحب المؤرخة الهندية اورفاشي بوتاليا، مؤلفة كتاب "أصوات التقسيم" المدرج ضمن المنهج التعليمي في الهند، بوجود عدد متزايد من الأشخاص الساعين إلى فهم حقيقة ما حصل خلال التقسيم، بعيدا من الروايات الرسمية، خصوصا من خلال الاستماع إلى شهود.  


وتقول: "كان هذا الأمر مستحيلا قبل 20 عاما. لكني لا أقول إن الصمت انكسر"، مشيرة إلى أن تقارير للشرطة عن الفظائع المرتكبة لا تزال في الأدراج، خشية الترددات السلبية لمثل هذه المعلومات. 

وتختم: "الصمت لا يزال هائلا. استغلال التاريخ لمآرب خاصة لا يزال هائلا".


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم