الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أوباما المقامر: خمس عواقب كبرى

المصدر: ديفيد روثكوف- "فورين بوليسي"
ترجمة نسرين ناضر
A+ A-

عبر إعلان الرئيس أوباما بأنه يريد الحصول على موافقة الكونغرس قبل التدخّل ضد النظام السوري لاستخدامه غاز الأعصاب ضد شعبه، اتّخذ خطوة من المؤكّد أنه ستكون لها تداعيات متعدّدة، وعميقة على الأرجح. نتوقّف في ما يأتي عند خمس عواقب كبرى:


1. الهجوم على سوريا ليس رهاناً أكيداً


العمل العسكري ضد سوريا الذي بدا بحكم "اليقين" يوم الجمعة لم يعد مؤكّداً. وإذا حصلت هجمات جوية، فإن التأخير في تنفيذها - على الرغم من ادّعاء أوباما العكس - يجعلها على الأرجح أقل فاعلية. في حين قدّم الرئيس، ولا سيما وزير الخارجية جون كيري في مداخلته القويّة الوقع يوم الجمعة، حججاً دامغة لتبرير التدخّل الأميركي في سوريا، لا يمكن التقليل من شأن قدرة الكونغرس على إيجاد أسباب تبرّر رفض التدخّل العسكري أو تقود إلى الانقسام الحزبي أو الاعتراضات المسبّبة للتعطيل. أقصى اليمين وأقصى اليسار في الحزبَين الديموقراطي والجمهوري لا يحبّذان التدخّل. أما الأكثر صقورية فلا يحبّذون العمل العسكري المحدود جداً. وعدد كبير من الجمهوريين لا يرغبون في القيام بأي شيء من شأنه مساعدة أوباما. أكثر من ذلك، يمكن أن تؤدّي التطورات التي قد تطرأ بانتظار صدور قرار الكونغرس - مثل تردّد الحلفاء الآخرين - إلى إظهار الولايات المتحدة في موقع أكثر عزلة، أو يمكن أن يبدو التأثير المحتمل للهجمات أقل مرغوبية. كل هذه المعطيات قد تؤدّي إلى تصويت الكونغرس على رفض العمل العسكري في سوريا، فيصبح بالتالي من الصعب جداً على الرئيس تغيير المسار والتحرّك بغض النظر عن قرار الكونغرس.
إذا نجحت الإدارة بإقناع الكونغرس بدعم العمل العسكري، فسوف يُعتبَر بلا شك انتصاراً للرئيس. لكن قد يمنح ذلك نظام الأسد أسبوعَين أو ثلاثة أسابيع إضافية لإعادة نشر عتاده والاحتماء، فتصبح نتائج العمل العسكري المحدود الذي يُنظَر فيه حالياً، أكثر محدودية بعد.


2. الخط الأحمر لم يعد كما عهدناه


لقد أظهر الرئيس من جديد تردّداً في تحديد ما يُعرَف بـ"الخط الأحمر" في استعمال الأسلحة الكيميائية، ما أدّى إلى تقويض صدقيته أكثر فأكثر. عندما تحدّث أوباما للمرة الأولى عن الخط الأحمر، اعتبر أن نقل الأسلحة الكيميائية أو استعمالها أمر غير مقبول. بيد أن نقل الأسلحة الكيميائية واستخدامها حصلا مرّات عدّة منذ ذلك التصريح، بحسب تقارير موثوقة، ولم تتحرّك الولايات المتحدة. كان الهجوم الأخير في 21 آب فاضحاً جداً إلى درجة أنه تعذّر الاستمرار في غضّ النظر. (ويبدو أنه استُتبِع بهجوم آخر في 26 آب). بدا أن التحرّك العسكري هو السبيل الوحيد لإعادة الانطباع بأن الرئيس يعني ما يقول. لكن مجدداً، في أواخر هذا الأسبوع، فيما أحجمت بريطانيا عن دعم واشنطن، وبدا أن الرأي العام الداخلي يعترض على أيّ تدخل أميركي في سوريا، سيطر التردّد على الإدارة الأميركية، وبلغ ذروته في القنبلة التي فجّرها أوباما يوم السبت. حتى لو حصلت الهجمات، سيضاف شرط جديد إلى أي تحذير قد يختار الرئيس إطلاقه في المستقبل: سنتحرّك - إذا اختار الكونغرس الأكثر عجزاً في تاريخ الولايات المتحدة دعم الرئيس.


3. أوباما بات محاصراً لبقيّة ولايته


مهما حصل في ما يتعلق بسوريا، فإن التداعيات الأكبر للخطوات التي يتّخذها الرئيس ستستمرّ أصداؤها لسنوات. فقد قلّص الرئيس إلى حد كبير الحظوظ التي يمكن أن تتيح له، في ما تبقّى من ولايته، شنّ عمل عسكري من دون موافقة الكونغرس. من المفهوم أن كثراً ممّن عارضوا الأعمال العسكرية (كما في ليبيا) التي قام بها الرئيس من دون موافقة الكونغرس، بموجب "قانون صلاحيات الحرب"، يرحّبون بالمقاربة الاستشارية الجديدة التي اعتمدها أوباما. لا شك في أنها تتلاءم أكثر مع مفهوم التعاون بين السلطتَين التنفيذية والتشريعية الذي نصّ عليه الدستور. ففي حين لم تسعَ أميركا للحصول على إعلان حرب من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية منذ مرحلة الحرب العالمية الثانية، فإن القرارات السيئة التي اتّخذها الرؤساء السابقون تجعل خطوة أوباما موضع استحسان من الأشخاص الذين سئموا الحرب وأولئك الذين يُقاربونها بحذر شديد.
لكن سواء كنت موافقاً على الخطوة أم لا، لا بد من الإقرار بأنه بعدما أرسى أوباما هذه السابقة - وفي مسألة تتعلّق بعمل عسكري محدود إلى درجة استثنائية (لمدّة يومَين تقريباً، من دون استخدام القوات البرية، وربما يقتصر الهجوم على إطلاق مئة صاروخ كروز ضد عدد محدود من الأهداف العسكرية) - سوف يجد صعوبة كبيرة في اتّخاذ أي خطوة مشابهة أو أوسع نطاقاً من دون العودة مجدداً إلى الكونغرس للحصول على دعمه. وهذا صحيح بغض النظر عن نتيجة التصويت في الكونغرس، أي مع العمل العكسري أو ضدّه.


4. الرئيس أعاد عقارب الساعة إلى الوراء


أعاد أوباما عقارب الساعة عقوداً إلى الوراء، متخلّياً بذلك عن سابقة كانت قد أرسيت في مجال طبيعة صلاحيات الحرب الممنوحة للرئيس. وسواء كنت تفضّل هذا التغيير في ميزان القوى أم لا، الواقع هو أنه ينقل مسؤولية أكبر في السياسة الخارجية الأميركية إلى الكونغرس الذي يُعَدّ الأكثر انقساماً، والأكثر عجزاً عن إجراء نقاش منطقي أو اتّخاذ خطوات مدروسة، والأشدّ معاناةً من الخلل الوظيفي في التاريخ الأميركي الحديث. يكفي الإشارة في هذا الإطار إلى الكلمات المسهبة التي يلقيها راند بول بهدف التعطيل أو ما شابه من المناورات في الكونغرس.
تدخّل الرئيس عسكرياً في ليبيا من دون الحصول على موافقة الكونغرس. وكذلك الأمر بالنسبة إلى توسيع البرامج السبرانية وبرامج الطائرات غير المأهولة. فهل تقتضي الأعمال الهجومية في المستقبل موافقة الكونغرس؟ كيف سيتصرّف الكونغرس إذا حاول الرئيس أن يختار بنفسه متى يجب تطبيق هذه السابقة؟ في أفضل الأحوال، الباب مفتوح أمام مزيد من الجفاء بين الرئيس والكونغرس. وفي أسوأ الأحوال، فإن شلل الكونغرس الأميركي الذي تسبّب بأزمة الموازنة الحالية، وحال تقريباً دون صدور أي تشريع مهم في الآونة الأخيرة، سوف يطال قريباً القرارات في مجال السياسة الخارجية. لقد كان [رئيس مجلس النواب الأميركي] جون بوينر أكثر وضوحاً من كل الباقين في الإدارة الأميركية عندما حدّد توقيت أي تحرّك محتمل ضد سوريا بتصريحه بأن الكونغرس لن ينعقد قبل انطلاق دورته المقبلة في 9 أيلول الجاري.
ولعل الأهم هو السؤال: ماذا ستتوقّع مجالس الكونغرس في المستقبل من الرؤساء؟ إذا تقيّد أوباما بهذه المقاربة الجديدة في السنوات الثلاث المقبلة، هل سيفتقر خلفاؤه إلى القدرة على التحرّك بسرعة ومن تلقاء أنفسهم؟ وفي حين انتهك الرؤساء السابقون بلا شك السلطة التي يمنحهم إياها "قانون صلاحيات الحرب" في ما يتعلّق بالتحرك وطلب موافقة الكونغرس في غضون 60 يوماً، نعيش في عالم شديد التقلّبات؛ فالأمن يقتضي أحياناً تحرّكاً سريعاً. لا يزال الرئيس يتمتّع قانوناً بهذا الحق، لكن ربما ذهب قرار أوباما أبعد من ذلك - سواء كان هذا نحو الأفضل أم الأسوأ - في إعادة عقارب الرئاسة الإمبريالية إلى الوراء أكثر مما فعل أسلافه أو الكونغرس طوال عقود.


5. تأثيرات سلبية على مكانة أميركا


نتيجةً لكل ما تقدّم، حتى إذا "نجح" الرئيس وأقنع الكونغرس بدعم عمله المحدود للغاية في سوريا، غالب الظن أنه ستكون للأمر تداعيات سلبية على النظرة التي كانت تعتبر أن أميركا قوّة فاعلة وماهرة على الساحة الدولية، وأن رئيسها صاحب كلمة تحمل وزناً كبيراً. مجدداً، سواء أعجبك هذا التحوّل أم لا، يستطيع قادة دول العالم أن يقوموا بالحسابات على طريقتهم. فبعد الحروب التي خاضتها أميركا في العراق وأفغانستان، باتت أقل ميلاً للتدخّل في الخارج، كما أنه عندما يتعلّق الأمر باستخدام القوة العسكرية الأميركية (المصدر الأكيد الأوحد لقوّتنا العظمى)، نصبح أقل ميلاً بكثير إلى التحرك، أو في شكل خاص، التحرّك بسرعة. مجدداً، سواء كان هذا جيداً أم سيئاً، غالب الظن أن هذا الموقف سيؤخَذ في الاعتبار في حسابات من كانوا يخشون في السابق استفزاز الولايات المتحدة..

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم