الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

المواطن الاعلامي: سيادة ومسؤولية

سامر عوض
المواطن الاعلامي: سيادة ومسؤولية
المواطن الاعلامي: سيادة ومسؤولية
A+ A-

تكثر وتتشعب تعاريف ايٍ من فروع العلوم الانسانية، وكثيرها ينتقد بعضها والعكس بالعكس. لكن من شبه الاجماع بمكان ان الاعلام يعتبر سلطة رابعة، وهو من المصطلحات التي تطلق على هذا العلم. 

كنت اظن ان هذه التسمية تندرج ضمن اطار المديح والتفخيم الى ان طالعت كتاباً للكاردينال البينو لوتشياني (البابا يوحنا بولس الاول "لاحقاً" الذي بقي في سدته الحبرية البابوية حوالي الاربعين يوماً)، حيث اعتبر في كتابه (رسائل الى العظماء)، ان السلطة الرابعة تندرج في الاطار نفسه مع باقي السلطات: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. نعم، هذا اللفظ ليس مديحا بل هو توصيف، لا بل هو اكثر من ذلك. هو عبارة عن رفع الاعلام الى مصاف الاركان الثلاثة التي تكوِّن دعائم الدولة الحديثة. كيف لا، والشاعر الفرنسي راسن، يعدُّ كل كلمة بمثابة الطلقة. كم كثيرة هي الطلقات (الكلمات) التي يطلها الاعلام بكافة قطاعاته وفروعه ومبانيه واسسه. هو يحمل وزر جيل بكامله، قد ينقله الى لظى جهنم التخلُّف او يرتقي به الى ارفع درجات المجد. ارني إعلامك، اريك أعلامك، وناسك.

يقول كليمانصو، ان الصحف: ورق، وحبر، وحرية. وكذا الاعلام، هو مكونات اولية، وحرية. ماذا تعني الحرية يا ترى؟ وهل من اعلام دون حرية؟

لم تمنَّ الطبيعة البشرية بالحرية على الانسان دون غيره. كل المخلوقات حرة. لكن حريتنا، ومنه اعلامنا، احرار بقدر تفعيل الشعور المتسامي بالحرية. التي لولا المنطق، والعقل، والعمل، لا وجود ولا حيثية لها. حرية الاعلام، هي اكبر مقيِّد له، كي يكون مسؤول، فهو حر بمسؤولية، ومسؤول بحرِّية. على حد تعبير لوتشياني (الآنف الذكر)، فان السلطة الاعلامية، تمتاز عن السلطات الباقية، من حيث انها تلعب دور الضامن لها. حيث ان الاعلام، يدفع هذه السلطة، ويكبح تلك، دون ان يغالي في هذا المنطق او ذاك. هو السلطة الضامنة، لاستمرار عمل باقي السلطات، ويسعى لتنظيمها، كونه الوسيلة الاكثر فعالية وديمقراطيةً، باعتباره يمارس دور نقل راي الشارع الى السلطة الحاكمة، وبشكل عكسي ينقل تفاصيل السلطة الحاكمة الى المواطنين.

هذا بشكلٍ عام، أمَّا اليوم، وبحكم تطور وابتداع اساليب تواصل واعلام فردية حديثة، ومتعددة، ومتنوعة. ظهر ما يعرف بمصطلح: "المواطن الاعلامي،" حيث بات بمقدور كل مواطن من حيث المبدأ ان يكون اعلامياً بحكم الفطرة وليس الاكتساب.

وفي ظل خلق مفهوم المواطن الاعلامي، لم تعد هذه السلطة محصورة عملياً بيد شريحة معينة من المختصين. بل بات منتشرة بين الناس برمتهم، وهذا ما يفرض عليهم بشكل جازم ان يتقيدوا بأدنى اسس العمل الاعلامي المناسب.

هنا يظهر السؤال الابرز الذي لا بدَّ من الاجابة عنه، ضمن هذا السياق. هل من اعلام من دون حرية؟ وهل من المفترض صون حرية المواطن الاعلامي؟

تتباين وربما تتناقض الآراء حول مدى الزامية الحفاظ على حرية المواطن الاعلامي، وصونه وحماية حقه بممارسة دوره كمواطن اعلامي. حيث يثير الموضوع اشكالية هل يجب ان يعامل كمواطن ام اعلامي! وهل هامش الحرية اوسع، لدى الاول ام الثاني، ام الاثنين معاً؟! من ناحية اخرى هل الاعلامي المواطن مسؤول، ام ان وسيلته هي التي تحدد وزر مهامه. اي هل يجوز ان يكون المواطن الاعلامي، حرَّاً، لا يضبط مبادراته لا اسس علمية او مهنية، ولا ضوابط اخلاقية وايديولوجية. من ناحية اخرى، هل يخاطب المواطن الاعلامي نفسه، ويسمح للناس ان يطلوا ويطَّلعوا على ما قدَّم؟

ان المواطنة مسؤولية، والاعلام سلطة، والاعلامي المواطن، هو مسؤول لديه سلطة على نفسه، وعلى مواقفه، مبنى، ومنبت، ولبنة. لذا اسهل ما يمكن ان يقوم به الفارس البهلواني ان يدمِّر تمثالاً منحوتاً من الحجر، اسرف راهب فرنسيسكاني عقوداً في صنعه ونحته.

يفترض بالمواطن الاعلامي، ان يدرك ان حريته المطلقة تقيِّدها ضوابط، اهمها ان يحذر من عود ثقاب قد يشعل، غابة ذهبية بأكملها. الوسيلة بين يدينا، لذا علينا ان نستخدمها والا نسمح لها بان تسيطر على مقدَّراتنا ومقدرتنا، على ضبط هذه الوسائل. حيث صدق شيكسبير في هاملته حين اعتبر ان الحياة ليست غايات فاضلة او كريبة، بل وسائل نسير بها كيفما تشاء.

لم تمنح الطبيعة الانسان، حرية مطلقة، لئلا يقتل نفسه بالحبل السري الذي يربطه بوالدته. بل هيَّأت له فريقاً من المختصين يعملون على تأطير هذه العطية الجميلة (الحرية)؛ كي تكون اكثر انتاجية وجاذبية.

سقط الحجر، فقال المتمرد انها ثورة، واعتبر الخائب انها صدفة، اما العاقل فيعزو ذلك الى قانون الجاذبية الذي يحكم الاشياء بشكلٍ مطلق وحتمي. كذا ومن بعد هذه المراهقة التي حكمت تطورنا التكنولوجي، وتواصلنا الدقيق والفوري، بات من الواجب خلق ضوابط لاتسعى لإيقاف عجلة التغير بل دفعها لئلا تسرف الطاقات، بل ان تندرج ضمن الهيئة العامة التي تسربل حياتنا. حيث يجب الا نقف عند حريتنا بل ان نستخدمها اخذين بعين الاعتبار ان مسؤولية المواطنة تحتِّم عليه الا يرتشي؛ لأنه عندئذ سيزيد عدد الفاسدين واحد بسببه. كذا الامر بالنسبة للمواطن الاعلامي، حيث ان خطوته غير المسؤولة قد تؤخِّر البلاد والعباد اميالاً واميال دون ان تقدِّم اي جديد.

لا حاجة للرقابة الخارجية، او الخارجة عن الارادة؛ لان الارادة والحاجة الداخلية لبناء الوطن من خلال ممارسة حق الفرد في ان يكون مواطناً اعلامياً تجعله يرتقي بنفسه من ذاته. الا ان كان قصده تخريب وتشويه مفهوم معين من خلال مواطنيته الاعلامية.

انت اعلامي فيجب ان تكون مواطن، انت مواطن، فان كنت تود ان تصبح اعلامياَ مواطناً يجب الا تخرج من ايٍ من الجلبابين؛ لان المواطنة الاعلامية، هي عمل مواطني، واعلامي. وليست مجرَّد بهلوان زبائني تجيشي.

الطريق وعر، ووعورته تمنحه لذيته ومازيته. حيث من السهل ان يكون الانسان. ولكن من الصعب ان يصبح كائناً ملتزماً بما تفرض الطبيعة البشرية من فروض واسس وثوابت.

طالب في قسم الدراسات العليا "الماجستير" تخصص القانون العام في جامعة بيروت العربية




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم