رحلة عذاب جنان المظلومة بحياتها وموتها... من الولادة إلى الزواج والوفاة

"ما عاد فيني كفي، وجعني قلبي، طلعوها مني، رح موت"، عبارة رددتها جنان ابو غيدا حمود بعد مرور ساعات على محاولات ولادتها طبيعيا في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، قبل أن يتخذ القرار باجراء جراحة قيصرية لها، حينها طلبت من زوجها فوزي شربة ماء لتروي عطشها، قبلته، دخلت غرفة العمليات، على أمل أن تنتهي من آلامها، من دون أن يتوقع أحد أن تنتهي حياتها. 

طفولة مشردة

رحلة عذاب على مدى 22 عاماً، عاشتها ابنة #حاصبيا، فبعد عودة أهلها الى لبنان من المملكة العربية #السعودية، ولدت في أحد مستشفيات بيروت، انفصل والداها، وكما شرح زوجها فوزي، وقال: "رفض والدها وليد أبو غيدا أن يسجل زواجه من أمها، كونه درزياً وهي سنّية، متناسياً قصة حب كتباها سوياً على مدى 12 عاماً، تشردّت جنان في طفولتها بين بيت جدها وعمها في #سوريا حيث هُرِّبت، قبل أن تعيدها أمها، وتطلب من أبو غيدا نفقة لتربيتها. عارَضَ كما امتنع عن تسجيلها بعدما رفضت والدتها التنازل عنها".

جدران الرفض

انتقلت جنان إلى العيش مع والدها في الشوف ثم حاصبيا، تعلمت في إحدى مدارس البلدة حتى وصلت الى الصف الرابع أساسي، فعدم حيازتها أوراقاً ثبوتية حال دون مواصلة تعليمها، لكن شخصيتها القوية ورغبتها في تكوين كيانٍ لها، دفعها الى العمل في صالون نسائي، لتبدأ بعدها البحث عن وظيفة، لكن كما قال فوزي: "كانت تصطدم بجدران الرفض، كونها لا تحمل هوية، على الرغم من أنّها فتاة جميلة، ذكية وجريئة. استمر الامر على هذه الحال الى أن تمكّن معارفها من تأمين وظيفة لها في بيروت، كبائعة في أحد محال السوبرماركات الكبرى للهواتف الخليوية".

ارتباط رغم الممانعة

في العمل، تعرّف فوزي إلى جنان، كان ذلك في العام 2013، ربطتهما صداقة في البداية. ولفت: "كانت فكرة الحب والزواج بيننا مستبعدة، كوننا من طائفتين مختلفتين، لكن مع الوقت تطوّرت علاقتنا، عشقنا بعضنا البعض، قرّرنا الارتباط، رفض والدها، افتعل مشكلات، ومنعها من مغادرة المنزل، رغم ذلك عقدنا قراننا واعتنقت الاسلام. استأجرت بيتاً في منطقة الكفاءات، عملت جنان في محل حلويات، وقفت الى جانبي، عشنا الحياة بحلوة ومرّها، وعندما علمت بخبر حملها، لم يسعْها الكون، طلبت من الله أن تنجب فتاة كي تسميها ليا".

غصّة مع كل فرحة

حلمت جنان على مدى تسعة أشهر بابنتها، كيف ستربيها، ماذا ستلبسها؟ لم تترك لعبة وأغراضاً الا واشترتها لها. أرادت أن تعيش معها الامومة التي حرمت هي منها، لكن "يا للاسف، كُتبت لها الغصّة في كل فرحة. فحتى عندما حان موعد ولادتها، لم تتمكن من عيش اللحظة، بسبب تعرقُل دخولها المستشفى. ذلك قبل أن تقع الكارثة وتُحرم من رؤية طفلتها". ولفت فوزي: "خلال فترة حملها كانت تطاردها الكوابيس في منامها. كوابيس موتها واختناقها، إلى أشخاص يرتدون الأسود ويريدون خطفها. كانت تقلق طوال الليل، وأنا احاول تهدئتها". 

حرمان متعدد الجهة

"رحلت الطفلة البريئة، الإنسانة الممتلئة حيوية. تركتنا في غفلة قبل أن اتمكن من تحقيق هدفها بإصدار هوية لها، بعدما وكّلت محامياً لمتابعة القضية"، وفق ما قالت ميراي عمة فوزي، واضافت: "كانت تزورني دائما في القرية قبل أن أقصد فرنسا، وتطلب مني أن احضر لها اللحم بالعجين، وجبتها المفضلة". وتابعت: "ذات يوم، وصل خبر وفاة صديقتها بحادث سير. جنّ جنونها، فسألتني إن كانت ستموت هي في سنّ مبكرة".

أما صديقتها فياما الخماسي، فتحدّثت عن سنوات أمضتها مع جنان، وعذابات عاشتها معها، وقالت: "كانت تخشى التنقّل خوفا من الحواجز كون لا أوراق ثبوتية معها. حرمت من السفر والعلم والعمل في وظيفة تتمنّاها، ومع ذلك لم تفقد أملها وحلمها في أن تصبح يوماً أماً"!

تحرك النيابة العامة

حرمت ابنة جنان من العيش في جنّة والدتها، بعدما رحلت قسراً عنها. وعلى الرغم من أنّ عائلتها تعلم ألا شيء سيعيد فقيدتهم، إلا أنّهم يصرون على معرفة حقيقة ما جرى كاملة، وضرورة ان يدفع مَن كانت له يد في وفاتها ثمن تقصيره. وقال عمها سمير والد زوجها: "سنتابع القضية لقطع كل يد تستهر بأرواح الناس. ووفق ما علمناه، تحرّكت النيابة العامة، عيّنت الطبيب الشرعي نعمة الملاح رئيس لجنة، فاستحصل على ملفها الطبي الموجود في المستشفى، تابع أقوالنا، كما كلفنا المحامي ربيع عبود، فتح محضراً في مخفر بئر حسن وسيتابع القضية".

اقرأ أيضاً: "خطأ طبي" أخرج جنان الحامل جثة من المستشفى الحكومي... ماذا عن الجنين؟