الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"النهار" في البرلمان الايراني ... هكذا دخله الارهابيون

المصدر: "النهار"
طهران - رضوان عقيل
"النهار" في البرلمان الايراني ... هكذا دخله الارهابيون
"النهار" في البرلمان الايراني ... هكذا دخله الارهابيون
A+ A-

إنها الحادية عشرة قبل الظهر قبالة مبنى مجلس الشورى الاسلامي في طهران. عشرات من رجال الشرطة يزنرون المكان وهم على أهبة الاستعداد. وشددوا اجراءاتهم هذه بعد عملية "داعش" قبل اسابيع حيث تمكن ثلاثة مسلحين من الدخول الى البرلمان وقتلوا 18 شخصاً وأسقطوا 80 جريحا في مواجهة استمرت خمس ساعات. وكان هذا الخرق هو الاول لكبريات المؤسسات الرسمية في إيران منذ صعود نجم "داعش" في الاعوام الاخيرة. 

عند دخول المبنى يحظر على الزائر، حتى لو كان صحافيا، إدخال الهاتف الخليوي والاكتفاء فقط بقلم ودفتر. وممنوع أيضا إدخال علبة السجائر مع خضوع محكم لتفتيش الكتروني. بعد تجاوز حاجز الشرطة يعطي الضابط اشارة السماح لعناصره بالدخول من البوابة التي يدخل منها النواب وكبار الموظفين. ويشمل التفتيش هنا الجميع، من دون تهاون ولا استثناء، حتى للبرلمانيين المعممين من المشايخ.

عند المدخل الثاني تبدأ المحطة الثانية للزائر، حيث يستقبله جنود قوات الحرس الثوري"الباسدران"، وهم يمتازون عن سائر القوات العسكرية الايرانية بالرعاية التي يتلقونها من أرفع السلطات واصحاب القرار في البلد. هؤلاء لا يبتسمون، وتسيطر الجدية على وجوههم، وينفذون الاوامر الصارمة والواجبات المطلوبة منهم بكل عناية. دقائق ويأتي المسؤول عن العلاقات العامة في البرلمان. وقبل المصافحة يسبقنا بـ"خوش امديد" (اهلا وسهلا). ويبقى القرار الاول في هذا المكان للقوى الامنية.

وبعد التثبت من التصريح، يتسلم الزائر بطاقة الكترونية تفتح أمامه عند حواجز بوابات المكان الذي يقصده الشخص.

في الطريق الى المدخل الرئيسي بعد النجاح في"امتحان الدخول"، ينشط عمال التنظيفات في تقليم الورود وأغصان الاشجار وري جذوعها بالمياه تحت أشعة شمس حارقة، إلا ان لا تأثير لكل ما يحدث هنا عند حراس على أهبة الاستعداد لإطلاق النار، إذ لا تفارق أصابعهم زناد بنادقهم الحديثة الصنع. ونقترب من طبقات المبنى الذي شهد تلك العملية النوعية التي نفذها "داعش" بإتقان ودراسة لخريطة المبنى وتوزع طبقاته وادراجه. وكان المهاجمون يخططون للوصول الى القاعة العامة حيث كانت تعقد جلسة تشريعية تضم عدداً لا بأس به من النواب الذين يواظبون على اعمال التشريع، في مشهد قلما نراه في مجلس النواب عندنا. وللمناسبة، فإن راتب النائب الايراني لا يتجاوز الالفي دولار، ولا يحصل على مخصصات على غرار تلك التي يحصل عليها أعضاء البرلمان في بلادنا.

 صورتان للامام الخميني والمرشد السيد علي خامنئي تتصدران المدخل، وسط زحمة موظفين في مكاتبهم وأعضاء اللجان النيابية وهم يتابعون بحماسة دراسة المشاريع والقوانين العاجلة، الى صحافيين ينغلون في المكان المخصص لهم، وأكثرهم من الزميلات. وفي البهو أيضا صورة تجمع الضحايا الذين سقطوا جراء التفجير الارهابي الذي ساهم في شد وطنية الايرانيين وساهم في زيادة منسوب قوميتهم المرتفعة في الاصل والوقوف الى جانب مؤسساتهم العسكرية والاستخباراتية، وما أكثرها في دولة تجاور في البحر والبر أكثر من بلد.



يستقبلنا نائب رئيس لجنة شؤون الأمن القومي والشؤون الخارجية النائب كمالي دهقاني فيروز آبادي الذي حوصر في مكتبه في الطبقة السابعة طوال أوقات العملية. وبقي على تواصل مع مساعديه وعناصر الامن بواسطة الرسائل الهاتفية والواتساب، تحسباً من ان يكتشف الارهابيون مكانه و"فوجئنا بما حصل" ، ولا سيما اننا نشهد حالة مستقرة في البلاد". يتحدث بصراحة عن أنه شعر بالخوف في الدقائق الاولى، الا انه خبر هذا النوع من التحدي. فهو عسكري عتيق شارك في الحرب العراقية –الإيرانية.

ماذا حدث؟

يروي آبادي تفاصيل العملية، ويعترف بأن المهاجمين تمكنوا من خرق هذا المكان المحصّن، الا ان عدد الحراس لم يكن في حجم المهمات المطلوبة منهم في تأمين الحماية مجلس الشورى، ولا سيما أن الارهابيين كانوا يعرفون سلفاً انهم ينفذون عملية انتحارية ولا أمل لهم بالخروح أحياء من هذا المكان. وكانوا يضعون الاسلحة من مسدسات وبنادق كلاشنيكوف، إضافة الى قنابل يدوية وكميات من الرصاص في حقائب كبيرة أظهرت الكاميرات في ما بعد أنها كبيرة الحجم. ودخلوا من الباب المخصص الى مكاتب النواب الذين يتابعون يومياً مطالب ناخبيهم الذي يحضرون عادة وهم يحملون الحقائب، ولا سيما اذا كانوا من مناطق بعيدة من العاصمة. ونفذ اثنان عملية مشابهة عند ضريح الامام الخميني.

وأظهرت التحقيقات ان المهاجمين جاؤوا من العراق وقصدوا كردستان الايرانية. وتخلوا عن كل اغراضهم، اضافة الى هواتفهم، لضرورات أمنية. وكانوا تحت دائرة الرصد والمتابعة، لكنهم اختفوا في الساعات الثلاث الاخيرة التي سبقت موعد تنفيذ العملية.

واستقل منفذو هجوم البرلمان سيارة خاصة ووصلوا اليه وكأنهم من المواطنين الذين يراجعون قضايا تخصهم من نواب منطقتهم. وتمكنت القوى الامنية في ما بعد من توقيف جميع من شارك في تسهيل عمليتهم. وأقدم الارهابي الاول على استعمال المسدس وإطلاق الرصاص في وجه كل من يقف في مساره نحو قلب البرلمان ليشق الطريق أمام رفيقية. وعندما أصبحوا في الداخل ارتاحوا أكثر وأخرجوا بنادقهم، الى ان حضرت وحدات خاصة للتصدي لهم، حيث لم يتمكن عناصرها من إطلاق النار عليهم بسهولة، حفاظا على أرواح النواب والعاملين في الشورى، ويقدّر عددهم بالمئات.

وصلوا الى الطبقة الرابعة. وساهمت العناية الالهية في تمكن رجل أمن من اقفال الباب الرئيسي المؤدي الى القاعة العامة، لينقذ عشرات النواب من الموت، وربما الاحتجاز.

يعترف آبادي بأنهم تعرضوا لـ"ضربة قاسية"، الا انه لا يخشى حصول عمليات من هذا النوع في المستقبل، استنادا الى خبرته اولا، إضافة الى الإجراءات التي اتخذتها السلطات المعنية وبناء على التقارير التي تتلقاها لجنة شؤون الامن القومية من وزارة الامن وأجهزة الاستخبارات. وكان قد تم استبدال عدد من الضباط بوجوه جديدة حلت في مواقعهم، حيث تم وضع خطط وجملة من الاحتياطات الجديدة.

وبعد العملية، ارتفع منسوب الهاجس الامني عند الإيرانيين وبرزت نظرية من يقول إنه لا بد من محاربة "داعش" والجماعات الارهابية في عقر ديارها والاماكن التي تنشط وتتغلغل فيها، وانه من الافضل تقديم التضحيات في هذا الحقل خارج حدود ايران للحفاظ على الداخل. وكان العدد الأكبر من النواب قد وافقوا في جلسة عامة قبل أيام بعنوان "محاربة الارهاب الاميركي" وضرورة مواجهته على أساس مسلمة يؤمنون بها، مؤداها أن أميركا هي الصانع الاول لـ"داعش" والتي تتلقى الدعم من بلدان عربية. ومن حق ايران الرد على هذا التنظيم. وبعد ضربة مجلس الشورى وما تعرض له، كان الرد سريعا بحسب ابادي على مواقع لـ"داعش" في دير الزور: "سقط لنا 18 شهيدا وقتلنا من الارهابيين 180 شخصا واطلعنا عبر الافلام على تفاصيل عمليتنا وردّنا الناجح".

 ويركز على تقدم الايرانيين في حقل الصناعات العسكرية. وكانوا قد بدأوا بصناعة المقاتلات الحربية، ثم صناعة الصواريخ الباليستية، "ولا نعمل على صناعة تلك التي تحمل رؤوسا نووية".

 ويتحدث باعتزاز عن أربعة عناصر تتوافر في ايران، على غرار قلة من بلدان العالم، وتتمثل بما يأتي:

- عندنا منابع للنفط والغاز.

- توافر المعادن في أراضينا بكميات كبيرة.

- لدينا قدرات بشرية متخصصة.

- يقع اقتصادنا في محيط بلدان يقدر عدد سكانها بـ 400 مليون نسمة". ولا تخشى ايران وقوع اي حصار عليها في المستقبل، "حتى لو حصل هذا الامر، فيمكننا أن نتدبر شؤون شعبنا. وقد اجتزنا 11 عاما حتى الآن وبقيت تسعة من الخطة العشرينية التي وضعناها وننفذها وفق الجدول الذي رسمناه".

وهل ما زلتم ترفعون شعار"الموت لاميركا" بعد توقيعكم الاتفاق النووي؟ أجاب: "نعم ما زال قائما".

[email protected]






حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم