الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لقاح مضادّ للأشباح

أسعد الجبوري
لقاح مضادّ للأشباح
لقاح مضادّ للأشباح
A+ A-

على متن الريح 

دون كيشوت: ها وقد عدنا ثانية إلى الممحاة يا سانشو؟

سانشو: أجل يا سيدي الدون. فكأن هذه الممحاة لا تعيش إلا على تكاثر الآلام!

دون كيشوت: وأين ترى ذلك التكاثر يا سانشو ، في الصحارى أم في البساتين أم على ظهور البغال مثلاً؟

سانشو: كلا سيدي الدون. لا نموّ للآلام إلا في الأرواح الشفافة. وليس بين شقوق الحيطان.

دون كيشوت: كنْ منطقياً يا سانشو واخبرني، هل رأيت آلام الناس تتمشى أمامك في الشوارع والساحات حرّةً طليقةً؟

سانشو: وكيف تتمشى وهي منزوعة الأقدام يا سيدي الدون؟!

دون كيشوت: لا أعرف كيف. لكنني رأيت حلماً، كانت فيه الآلام تجلس في المقاهي وتثرثر عن الحب والقذائف وقبلة الأرملة السوداء وخيانات النسوان في الدراما.

سانشو: وهل كان الحلم بالأسود والأبيض يا سيدي الدون؟

دون كيشوت: وماذا يفرق الأمر ،إن كان الحلمُ ملوناً أو بالأبيض والأسود أيها التابع الصنديد؟

سانشو: ثمة فرق كبير بين هذا وذاك يا سيدي الدون. فأحلام العامة، عادة ما تكون بالأبيض والأسود، لأن آلام أصحابها مكدّسة بعضها فوق بعض تكديساً، بحيث أفقدها التراكمُ الضوءَ فبلغتها العتمة. فيما الأحلام الملونة، فإن آلام أصحابها، غالباً ما تكون على الكاتالوغ.

دون كيشوت: من أين تعلمت هذا التمنطق الخرافي يا سانشو. هل تتلمذت على يدي العم سقراط،أم تلقفتَ الفكرة من فلاسفة العصر المنغولي الذي مررنا به يوم كنا في ذلك التيه العظيم؟

سانشو: لم نمرّ إلا بساعات اللحم.

دون كيشوت: ماذا تقصد أيها الغلام الوضيع؟

سانشو: ما قصدته يا سيدي الدون، أن الحياة تتسرب وتمر عبر هياكلنا التي أصبحت ساعاتٍ لحميّة، ليست من اختصاص الصناعة السويسرية. وهنا نسأل: هل يعقل أن يكون سبب الحياة متعلقاً بأمر واحد لا غير: أن ننمو في الرحم شهوراً تسعة، فنولدُ من أجل أن يستقبلنا قبر؟!

دون كيشوت: هذا ما أراده الطغاةُ السلفيون كهدفٍ من وراء بناة الظلام.

سانشو: وهل يُبنى الظلامُ بناءً يا سيدي الدون؟

دون كيشوت: العقول التي تحجرت بفعل تراكم الغابر عبر الزمن، هي وحدها صاحبة الاختصاص في بناء العقول وهدم منازل الأرض.

سانشو: ولِمَ يهدمون المنازل يا سيدي الدون. هل لأنهم يحبون الفنادق والمنتجعات فقط؟

دون كيشوت: كلا يا سانشو. هم يحبون أن نكون في التيه الأبدي. ففي باطن هؤلاء وحوشٌ لا تحبّ نوماً إلا في كهف. ولا تأخذ قيلولةً إلا في جحيم.

سانشو: وهل لديهم الكثير من البنزين أو المازوت يا سيدي الدون، ليستمروا في إشعال كل هذه الحرائق حول العالم؟

دون كيشوت: أجل يا سانشو. فمنذ أن استكشفت لهم ثعالبُ الغرب وضواريها المادة السوداء تلك، حتى استبدلوا دمائهم بالنفط والغاز، وازدحمت رؤوسهم بمصارين محشوة بالإسفلت والنار!

سانشو: أنتَ لم ترَ حلماً في منامكَ يا سيدي الدون، بل فاض برأسك طوفانُ نوح من شدّةِ آلامِ أهل الأرض!

دون كيشوت: لذلك سأبحث عن عيادة الدكتور فرويد. فقد أجد عنده لقاحاً مضادّاً للأشباح التي تستوطن رأسي.

***


آبار النصوص

يا الله.

شعوبُكَ أكوامٌ هنا وهناك.

ومع ذلك ينهضون من تحت الرماد كالعنقاوات

ممتشقين السيوف لقتال جينات بعضهم،

أو ما يشبهها من حيوانات.

هذا القرشي يريد سطلاً من صفائح دم ِجارهِ الشامي.

وذاك الملثمُ بالعدالة والتنمية

عصملي يدفع بالجندرمة إلى رمي رأس

العراق ببئر الظلام.

وانظر لآل السعادين في قفرهم الخالي

ألا تراهم يرمون الشيطان بسبع حصيات

حجمُ الواحدة منها حبة حمص،

فيما يقذفون أهل اليمن بالصواريخ أملاً

بإعادة الموتى لمدرسة الطاعة.

يا الله.

لم يبق عند العرب شهر مبارك أو كريم.

تاريخُنا أشهرٌ حرامٌ بحرام بحرام

ومن جلد روزنامتنا المشقوق

تتساقط السيول الحمراء إلى الهاوية.

مدنٌ خرائبٌ بالعرض والطول.

وقد هجرتْ أطلالها الغربانُ والثعابينُ والدجاجُ

والفئران.

يا الله.

الكلُّ يقتلُ باسمك مُكبّراً:

الله أكبر.

الحضرُ والبدو والأوباشُ والبرابرةُ والمرتزقةُ.

والكلّ يستخرجُ السيوفَ والسمومَ والمشانقَ

والديناميت من كتابك

ليقتلَ ويغدرَ ويصلبَ ويفتتَ ويحرق.

الكلّ يريدُ دولةً لإسلامه الشخصيّ ،

هذا أميرٌ للمؤمنين قادمٌ من الشيشان

لخلافة بلاد الشام.

وذاك الهمشري الطاجاكستاني الوهابي يؤسس

لرسولك من الجماجم عروشاً في الشمال الأفريقي.

وإمارةٌ للسبايا.

وإمارةٌ للمفخخات.

وإمارةٌ للنفط.

وإمارةٌ لبيعِ قطعِ غيار الأجساد.

وإمارةٌ لبول البعير.

يا الله

لقد امتلأ بطنُ الأرض بالوعاظ.

كلٌّ منهم

يختم ديباجةَ الصلاة بقنبلةٍ أو بلغم!

***

غرفةٌ للغرائز

لا أعرف كيف يمكن الوصول إلى القصيدة!

في كل مرة ، هناك ألف طريق وألف طريقة. وفي كل مرة، تزداد المتاهة اتساعاً حتى تذوب القدم، ويختفي التراب من شدّة البحث وكثرة الهرولة وسرعة التقلب في مستويات حرارة لغة تصعد، ورأسٌ يزداد توغلاً في تمارين الصور والتصوير.

هل القصيدة غابةٌ تؤرق عابرها بكثرة ما فيها من سَحرة؟

هل القصيدةُ صحراء، ظاهرها اشد فتكاً بالنص من باطنها اللين، والممتلئ بحنين، ربما أكثر فخراً من الحنان بمعناه التقليدي؟ هل هي امرأة مصنوعة من تراكم الجماليات واختلاف التجارب الغريزية المتلاطمة ما بين جسدين يتنازعان على خلق لحظة الكتابة: جسد اللغة وجسد الشاعر؟

لا أعرف سبباً لشخص يريد الوصول إلى القصيدة. بمعنى أنه يريد بلوغ مرحلة غروب الشاعر في ما وراء مباني الذات المنهارة المتأكلة المتجددة على حد سواء.

لكنني أدرك أن الموسيقى من الأبواب المؤدية إلى القصيدة، عندما تكون رماداً مستخلصاً من جسد الشاعر.

فأي تنافس هذا الذي يسود ما بين إرادتين: لغةٌ تحاول افتراس مؤلف كلماتها، باعتباره مُدنِّساً لشرفها البلاغي، وشاعرٌ يريد إخضاع بنات اللغة لسيطرته المجازية، حتى لو كان عاشقاً يحترف الاغتصاب!

***

بنك الخيال

أغلبُ الأغاني تَفيض بالأرواح المتشرِّدة...

إلا أغنيتي مكْسورة الصوت والعندليب.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم