السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الشاعر الفرنسي إيف بونفوا معترفاً في "بريد السماء الافتراضي": إن شاعراً مثلي لا يليق به النوم في قبر ولا على أريكة من السندس والحرير

المصدر: "النهار"
أسعد الجبوري
Bookmark
الشاعر الفرنسي إيف بونفوا معترفاً في "بريد السماء الافتراضي": إن شاعراً مثلي لا يليق به النوم في قبر ولا على أريكة من السندس والحرير
الشاعر الفرنسي إيف بونفوا معترفاً في "بريد السماء الافتراضي": إن شاعراً مثلي لا يليق به النوم في قبر ولا على أريكة من السندس والحرير
A+ A-
آنذاك رأينا أن بونفوا فتح لنا الطريق للدخول المباشر معه في هذا الحوار. فسألناه:  *هل يمكن الاعتقادبأن سعادة النصّ الشعري وثراءه، عادةً ما يتشكلا من خداع الشاعر لنفسه؟ - أعتقد ذلك.فأول أبواب الشاعر في اللغة،هو بابُ المخيّلة.أي باب الخداع الشرعي لمختلف أنظمة الجسد التي تحاول أن تعقد مع اللغة صفقتها من أجل إنتاج قصيدة.*في رأيكَ، ألا يمكن غلق ذلك الباب،أو نزع القناع؟- ممكن.يحدث ذلك لو رغبتَ بقتل الشعر.فالوهم هو المعادل الموضوعي لإنتاج الأوكسيجين في دم الشاعر.* هل يتعلق هذا الوضع بـ"أنا" الشاعر أم بروح الشعر؟- بكلتيهما معاً. فعادةً ما تفيض أنا الشاعر،لتحمل الروحَ بمراكبها نحو الورق أو إلى مراكز الأصوات الناطقة بحمى الكلمات الخارجة من أفران اللغات التي طالما نحاول الاحتفاظ بكميات من بذورها،خوفاً من قحط قادم،عادةً ما ينصب كمائنه للقصيدة على الطريق.* كأن الشعر لعبةٌ في العبث...- ليس الشعر وحده ما ينتمي إلى هذه الجبهة العبثية وجودياً، إنما المستثمرون للشعر كذلك.فما من جوهر يكمن في كائن غير العبث الذي ظاهرهُ حقيقي،وباطنهُ قاطراتٌ من سراب.* وماذا عن الإلهام؟- ذلك مثل ديكٍ،يحاول أن يغلب النورَ بصياحه.ثمة استبداد لكلمة الإلهام الموازية لاسم مستشفى الأمراض العقلية الخاصة بالمؤلفين والكتّاب والفنانين والشعراء.كل داخل إلى مبنى الإلهام،هو شهيدُ فوضى اللغة.وكلّ خارج من ذلك المستشفى،سينشر العدوى في الآخرين بالمجان. شعرُ اليوم،خلاصةٌ مرضيةٌ للفائض العالمي من التنكيل والإرهاب والظلام والرمل. * هل تعتبر الإلهام مطرقةً على الرأس؟- بالضبط.هو مطرقةٌ لا تقلّد أحداً عندما تنهال ضرباً على العضو الأعلى من الجسم،وذلك من أجل استخراج المؤلفات النائمة في الأعماق.* هل واجهتَ مشكلةً ما فيما يمكن أن تُسمّى مرحلة انقطاع الأحلام الشبيهة بانقطاع الطمث؟- لم أكن يوماً شاعر أحلام في تجاربي الكتابية.ربما لأنني استعضت عن الحلم بالوعي الفلسفي الخاص بتحليل الكون كتمرين شعري شبه ملتزم.* لا أعتقد أنك تقصد ذلك الالتزام الإيديولوجي؟- بالضبط.فما زلت غير واثق بجدوى الإيديولوجيا داخل الحقول الشعرية.الحرية التي تفكك الأسوار والقيود عن القصيدة،تمنع حدوث التزام مقيت مثل ذلك الشيء الذي يؤدي إلى تجفيف النصوص أو جعلها شبيهةً بالأسماك المدَخّنة. * هل تضع كلامك هذا تعبيراً تضامنياً مع ما قاله راينر ماريا ريلكه بأن "الأعمال الفنية ذات عزلة لا نهاية لها"؟- عزلة الشعر بالابتعاد عن المجرى السياسي وعدم الالتحام بوقائعه الفاسدة، تدفع نحو جوهر الفن.فطالما لم ينج الشعر من براثن الإيديولوجيات،فيما لو تورط بها هذا الشاعرُ أو ذاك من خلال الالتزام التقليديالحزبي الضيق.هناك أدوات أخرى لبناء الواقع في تراب الشعر.* تعني أن الايدولوجي فارغٌ من السحر الذي يحتاجه الشعري؟- ليس هذا وحسب،بل أن الكتابة الفنية تتعثر على التربة السياسية،أو تلتزمكَ المشي بواسطة العكاز.ذلك المشهد محزنٌ،ولا يدفع بالخيال إلى أن يتغذى بالطرب.* من أي باب من أبواب الفن،دخلتَإلى الشعر؟- من أبواب اللوحة ذات الصمت الحارق. الصمت الذي كان ينطق في داخلي العميق بعد أن يفتت الحجر.* أكنتَ تبحث عن مخلوقات ما،تعتقدها ضائعة أو سقطت منك ذات يوم؟ - كل ما كان موجوداً في اللوحات،هو من ظلالي النائمة في داخلي.كنت أعتقد بأنني أشبهها وهي تشبهني.فالفن التشكيلي ليس متحفاً يغلق أبوابه الحراس الأشداء،بقدر ما هو تكوينات عن مجمل اضطراباتنا التي تنتعش بتلك الثورات المتفجرة بأرواحنا ببطء. * هل تعتقد بأن الفنون وجدت على الأرض من أجل مقاومة الموت بطريقة ما؟- كنتُ أنتظر لو يستطيع الشعر اختراقَ الخطوط الدفاعية للموت بالأسلحة الفلسفية،ولكن ذلك لم يحدث.لأن الفلسفة عند كبار رموزها،لم تندفع نحو تغيير فكرة الموت، بل بقيت عند حدود تعريفه على أساس أنه الثوب الأخير للكائنات الحيّة.* وهل هذا ما آمنت به دوف التي اخترعتَها عندما كتبت كتابك حامل اسم العلم المؤنث هذا: "عن حركة دوف وثباتها"؟- لا يمكن أن ينجو الشعر من الاختراعات. اسم دوف هو شأن خاص للكتابة بعقل كيان ما. * كيان لغوي فقط؟- ليس بالضرورة وضع ذلك الاسم في قفص.دوف ليست دجاجةً لتُحبَس في مكان ضيق أو في زاوية ميتة أو على حبل معلق في قبو مظلم. * هل حاول السورياليون أن يجعلوا منك ومن دوف ألعوبة سيرك سحرية بعقل يفيض بالغيبيات،لذلك رفضت توقيع بيان بروتون السوريالي؟- عندما تضع الماركسية والإيمان بالميتافيزيقيات في دورق واحد،فذلك التناقض الحادّ ما بين النظريتين،قد يفجر الدورق الزجاجي،ويعرض الطرفين إلى مشكلة الجفاف. استند انفصالي عن السوريالية على أساس أنها حركة لا تملك إلا فكرة عبثية...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم