السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أزمة "النقد" في لبنان

الشدياق يوسف "رامي" فاضل
أزمة "النقد" في لبنان
أزمة "النقد" في لبنان
A+ A-

من أهمّ المعايير التي يُقاس عليها تَقَدُّم المجتمع أو تخلّفه هو 

"النقد" وهنا لا نقصد "الإنتقاد" بالمعنى السلبيّ للكلمة، بل النقد ببعده العلميّ الموضوعيّ الصرف، إذ لا بدّ من تسليطه على جميع الهيئات والمؤسسات والأجهزة العاملة في البلد من أجل ضمان استمراريّة تطوّرها، ومن أجل الوقوف عند الأحداث الهامّة والمفصليّة في مسيرتها لإعادة تقييم عملها ولتوجيه المسيرة بالإتجاهات الصحيحة.

أمّا الأسباب التي تُعرقل عمل النقد فهي كثيرة ولن نقف سوى على سببٍ واحد ألا وهو "العصمة"، وذلك لإستفحال هذا السبب في مجتمعنا الذي يعصم العديد من مؤسَّساته ورجالاته وينزّههم عن "الخطأ"، حتى الأخطاء الطبيعيّة التي هي من طبيعة الإنسانيّة، فيصل بهم إلى درجة التقديس ضامنًا بذلك راحتهم الأبديّة من الملاحظات والتعليقات التّي قد تجرح صفاء سيرتهم، أو نقاء الصورة التي رسمها عنهم! فكأن هذا المجتمع بحاجة دائمة إلى "الأسطورة" أو إلى "القدوة الخارقة" لكي يُعوِّض عن نقائصه وعن فشله.

ولهذه "العصمة" عدّة أسباب، منها الدينيّة والإجتماعيّة والنفسيّة، دون أن ننسى الأسباب السياسيّة التي تشكّل "العروة الوثقى" بين كلّ الأسباب التي سبق وذكرناها، ففي السياسة اللبنانيّة يُوَظَّف الدين وتُوَظَّف الطائفة والعائلة وصولًا إلى كرامات الزواريب وخصوصيَّات الأزقّة! كلّ هذا التَوظيف يُمارَس لتغييب العقل واغتيال النقد بهدف استمرار الزعيم أو الحزب أو المؤسسة أو حتّى الكنيسة والجامع على قيد "القيادة" و"العبادة"!

ولا شكّ أنّ هذه العصمة قديمة في تاريخنا لكنّها ترسّخت وتأكّدت في حقبة "ما بعد الحرب اللبنانيّة"، فكأن الشعب سئم النزاع والحروب، فاختار التسليم المطلق لولاة الأمر من أجل ضمان الطمأنينة، ما جعله يستفحلُ استشراسًا كلّما شعر باهتزاز طمأنينته. إلى أن أصبحت هذه "العصمة" نهجًا عامًا يُسيطِرُ على كلّ مفاصل البلد ويُطَوِّقُ "حريّة الرأي" ويحاصر "حريّة التعبير". ولعلّ حجّج "الخطر الوجوديّ" أو "اللحظة المفصليّة" أو "الإنشغال بالأهمّ" هي أبرز المخدّرات التي أُعطيَت لكلّ متحمّسٍ للنقد وللتطوير ما بَرَّدَ حماسَته ودَفَنَ ثورَته في مهدها! 

أمّا الأدهى فهو إلباس هذه "العصمة" لأجهزة الدولة من منطلق سياسيٍّ وطائفيٍّ، هذا ما شهدناه في الإعلام وعلى وسائل التواصل الإجتماعيّ في الأيّام المنصرمة وهذا ما يُنذرنا بتدنّي مستوى الفكر والنقد في هذه البلاد، وهذا ما يبشّرنا بالسنين العجاف في رعاية الجهل والتخلّف! 

فمن يراقب ردّة فعل الجماهير الإلكترونيّة على قضيّة "فداء عيتاني" وملف "الموقوفين"، يلاحظ أنَّ الجيش اللبنانيّ أصبح بمثابة "الحزب المعصوم" عند البعض، لا وبل رأينا البعض الاخر يدّعي الإنتماء السياسيّ لخطّ الجيش في حين أنَّ الجيش يمنع جنوده عن تعاطي السياسة! وقد لا نتفاجأ إذا ما طلع لنا من يريد انتخاب جهاز "الجمارك" في الإنتخابات النيابيّة المقبلة! أو من يريد تأسيس حركة سياسيّة بإسم "أنصار الأمن العام" أو "شبيبة أمن الدولة"!

قد تكون هذه "العصمة" عاطفيّة وابنة لحظتها بعض الشيء، وقد تكون –وهذا ما أرجّحه- نتيجة الثقافة السياسيّة المتفشية في عروق شعبنا لدرجةٍ لم يعد يستطع أن يُميِّزُ بين أحزاب السياسة وبين أجهزة الدولة، لا وبل لم يعد يستطع أن يتحمَّل النقد! في حين أن الطبيعيّ هو أنَّ لا أحد يعلو فوق القانون سوى "النقد"! والنقد هو الذي يُعدِّل القوانين، وهو الذي يحاسب الرؤساء والقضاة والأجهزة!

في النهاية وبغضِّ النظر عن تفاصيل القضايا الأخيرة، لكنّ مستوى ردود الفعل ينذر بالخطر لمن يجيد القراءة، بالتالي لا يمكن أمام هذا الوضع من الوقوف جانبًا، إذ أنَّ "أزمة النقد" ستتحوَّل إلى عواصفٍ تجهزُ على ما تبقى من هذا الوطن، لذا لا بدّ من إسقاط كلّ أنواع "العصمة" بأسرع وقتٍ ممكن!

فلا أحد –حتّى الدين- لا أحد يعلو فوق النقد!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم