الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

باريس عادت باريس وأكثر ... ماكرون يستقبل ترامب ويلقّن لندن درساً

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
باريس عادت باريس وأكثر ... ماكرون يستقبل ترامب ويلقّن لندن درساً
باريس عادت باريس وأكثر ... ماكرون يستقبل ترامب ويلقّن لندن درساً
A+ A-

ورد هذا الكلام على لسان الرئيس الأميركي الحاليّ دونالد #ترامب في شباط الماضي، في معرض حديثه عن الإرهاب الذي استهدف #فرنسا مرّات. طبعاً لا ينقل ترامب كلاماً كهذا بصفة محايدة بل بصفته شبه المتبنّي لما ورد فيه. بعد خمسة أشهر، حطّ الرئيس الأميركي في مطار أورلي الدوليّ لمشاركة فرنسا ب "يوم الباستيل". إذاً ما الذي تغيّر في هذه الفترة المحدودة؟ 

عندما نقل ترامب كلام صديقه، كان #فرانسوا_هولاند رئيساً لفرنسا. آنذاك أعرب الأخير عن حزنه قائلاً: "ليس أمراً جيّداً على الإطلاق إبداء أدنى انعدام ثقة في دولة صديقة". وتابع ملمّحاً إلى تناقض مواقف ترامب قائلاً إنّ الأخير أبلغه هاتفيّاً في وقت سابق "مدى حبّه لباريس وفرنسا". لكنّه لمّح أيضاً إلى أنّ للولايات المتحدة مشاكلها الأمنيّة: "هنا الأسلحة ليست منتشرة وليس هناك من يحمل السلاح لإطلاق النار على الحشود".


ماكرون مختلف

أمّا خلف هولاند، #إيمانويل_ماكرون، فبدا أكثر حنكة منه. لم يدخل في جدالات جانبيّة، ولم ينخرط في التأسّفات أو الردّ بل قرأ الرئيس الأميركي جيّداً ليفهم السبيل إلى التعاطي معه بندّيّة. أساساً، لم يبنِ ترامب "جداراً معنويّاً" على الصعيد الشخصيّ يمنعه من لقاء ماكرون. فعلى الرغم من وصف الرئيس الأميركي سابقاً للوبان بأنّها المرشحّة "الأقوى" للفوز بالرئاسة، وضع ذلك في سياق "توقّع" نتائج الانتخابات لا دعمها، قبل أن يهنّئ ماكرون بانتصاره. إذاً منذ البداية، لم تبرز موانع جدّيّة تمنع حوار الرجلين.



رأى البعض أنّ زيارة ترامب هي نوع من "الهرب" بعدما ازدادت مشاكله الداخليّة بسبب التحقيقات التي تكشف المزيد عن علاقات حملته الانتخابيّة بالروس. لكنّ "الهرب" كلمة مبالغ بها، خصوصاً أنّ الرجل خارج "توّاً" من اجتماعه مع "المصدر المباشر" لمشاكله الداخليّة في #قمّة_العشرين: الرئيس الروسيّ #فلاديمير_بوتين. لذلك، من المستبعد أن تكون رحلته إلى باريس رحلة "نقاهة" في الأساس.


المناخ؟

من بين المشاكل العالقة بين البلدين، مسألة انسحاب الولايات المتّحدة من اتفاقية باريس لمكافحة التغيّر المناخي. ويمكن أن يكون صعباً على الرئيس الأميركي أن يجد نفسه وحيداً خارج هذا الإجماع الدوليّ الذي أعيد تأكيده في قمّة مجموعة العشرين. لذلك يمكن أن تشكّل الزيارة مدخلاً للبحث في احتمال تعديل هذه الاتفاقية قليلاً لصالح #واشنطن، وهو أمرٌ سيحبّذه ترامب داخليّاً لسببين: الأوّل هو التخفيف من غضب الديموقراطيّين بسبب خروج بلادهم من الاتفاقية التي ساهم أوباما بإنجاحها. والثاني هو إبلاغ جمهوره بأنّه استطاع أن يحسّن هذه الاتفاقية لمصلحة الأميركيّين. وكان ترامب نفسه قد ذكر الموضوع خلال مؤتمر صحافيّ مشترك مع نظيره الفرنسيّ: "أمر ما قد يحدث في ما يتعلق باتفاقية باريس (للمناخ)، سنرى ماذا سيحصل. لكن سنتحدّث عن ذلك خلال الفترة الزمنيّة المقبلة وإذا حدث هذا، فسيكون رائعاً وإن لم يحصل فسيكون لا بأس به أيضاً".


حيلة فرنسيّة

للضيف في الديار الفرنسيّة جزء أساسيّ من الأضواء الصحافيّة التي تسلّط على هذه الزيارة. لكن للمضيف أيضاً قدرته على جذب اهتمام وسائل الإعلام، لا من حيث حركته الديبلوماسيّة الناشطة وشعبيّته الكبيرة فحسب، إنّما أيضاً من خلال "تكتيك" ربّما استخدمه بشكل ثاقب.

فيفيان فالت كتبت في مجلّة "تايم" الأميركيّة تستعرض مهارة الرئيس الفرنسي في ربط خيوط متعدّدة لإنجاح الزيارة. دومينيك موازي، مستشار بارز في المعهد الفرنسيّ للعلاقات الدوليّة، يقول للمجلّة: "هذه حيلة تمّ توقيتها بشكل جيّد لماكرون. الروزنامة كانت في صالحه". فالت تكتب أنّ استقبال الرئيس الفرنسي لنظيره في ذكرى الثورة وكذلك في الذكرى المئويّة الأولى لدخول #واشنطن الحرب إلى جانب الحلفاء لا يأتي عن عبث. الاستعراض العسكري الكبير في جادّة #الشانزيليزيه بمشاركة قوات أميركية مختلفة، وزيارة المتحف الحربي الوطني ونصب نابوليون بونابارت يضيفان المزيد من الهيبة التي تجذب ترامب.



نجح حيث فشل آخرون

من الناحية التكريميّة قدّم ماكرون لترامب الكثير. لكن ربّما يكون الرئيس الفرنسيّ قد أخذ منه أكثر بكثير. تشير فالت إلى أنّ ترامب هو الذي زار ماكرون أوّلاً لا العكس. كما أنّ الرئيس الأميركي زار #باريس بداية لا #برلين ولا #لندن، علماً أنّ تيريزا ماي طارت إلى واشنطن بداية هذه السنة لتكون المسؤولة الغربيّة الأولى التي تلتقي ترامب بعد تولّيه الرئاسة، لكنّ الأخير ردّ الزيارة في العاصمة الفرنسيّة.

الكاتب غريغوري كريغ وافق فالت في قسم كبير من رؤيتها حين فسّر في مقاله ضمن موقع قناة "سي أن أن" الأميركيّة أنّ "الرئيس الجديد يهدف إلى كسب النفوذ في بلاده إن أثبت أنّه قادر على التأثير في ترامب حيث فشل آخرون مثل المستشارة الألمانيّة #أنجيلا_ميركل (بالتأثير عليه)". لكنّ "الفشل" الألماني يعدّ أصغر من المشكلة التي أوقعت #بريطانيا نفسها في شباكها.


بداية الانتحار

خلال شهر شباط الماضي، لفتت صحيفة "الغارديان" البريطانيّة إلى إنشاء تحالف "أوقفوا ترامب" في بريطانيا، وهي مجموعة مؤلّفة من اليسار والناشطين والنقابات التجاريّة قررت التوحّد من أجل مناهضة زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي. وابتغى ذلك التحالف تنظيم مظاهرات كبيرة في معظم أنحاء البلاد، قُدّر لها أن تتخطى بأعدادها المظاهرات المناهضة للحرب على العراق. وقام أعضاؤها بجمع التبرّعات لإنجاح التحرّك شعبيّاً وتنظيميّاً. وتمّ تأجيل زيارة ترامب لبريطانيا حتى السنة المقبلة فيما سرت شائعات بحسب الصحيفة نفسها حول "خوف" الرئيس الأميركي من تلك المظاهرات.


لندن "مغفّلة"

الصحافيّة شارلوت جيل صبّت جام غضبها على ذلك التحالف كاتبة أنّ استقبال ماكرون لترامب جعل بريطانيا تبدو "مثيرة للشفقة" ومثل "المغفّلة". وفي مقالها ضمن صحيفة "الإندبندنت" البريطانيّة كتبت أنّ الغضب البريطاني ضدّ ترامب هو "انتحاريّ" لأنّ الرئيس الأميركي كان من بين السياسيّين القلّة الذين دعموا البلاد بعد خروجها من #الاتحاد_الأوروبّي. وهذا واقع لم يغفله ماكرون بحسب رأيها. وحذّرت من مساهمة هذه التصرّفات لا في الإضرار بترامب بل في زيادة عزلة بريطانيا عن العالم.

لمن لم يقتنع بعد بدقّة التفاصيل التي اهتمّ بها الرئيس الفرنسي ومن بينها اختياره للتوقيت المثاليّ للزيارة، قدّمت فالت في "التايم" معلومة مثيرة: الفرنسيّون اليوم في عطلة طويلة وآلاف الباريسيّين غادروا العاصمة للاستمتاع بعطلتهم بعيداً عن المدينة. النتيجة: لن يتمّ إزعاج ترامب بمظاهرات كبيرة.

تُرى، بِمَ كان الرئيس الأميركي سيجيب لو سأله أحد الصحافيّين عن باريس اليوم؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم