الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تركيا أقوى بعد عام على محاولة الإنقلاب الغولينية

تشغاطاي ارجييس- سفير جمهورية تركيا في لبنان
تركيا أقوى بعد عام على محاولة الإنقلاب الغولينية
تركيا أقوى بعد عام على محاولة الإنقلاب الغولينية
A+ A-

يحتفل الشعب التركي بالذكرى الأولى "ليوم الديموقراطية والوحدة الوطنية" ويستذكر شهداء الديموقراطية المئتين وخمسين الذين استشهدوا ليلة 15 تموز 2016 خلال عملية إحباط محاولة الإنقلاب الشنيعة في تاريخ تركيا الحديثة.  

مرتكبو هذا العمل البغيض هم من أتباع فتح الله غولن، الرجل الذي يسمي نفسه "إمام الكون" والمقيم في بنسلفانيا في منفى فرضه على نفسه منذ عام 1999. استناداً الى رضوخ مطلق وأعمى لرغبات وأوامر فتح الله غولن، خططت ونفذت المجموعة التي تؤمن بالعقاب الالهي والمعروفة باسم "فيتو" (منظمة فتح الله الإرهابية) محاولة انقلاب في 15 تموز بمساعدة الجواسيس المنتشرين داخل الجيش والشرطة والقضاء التركي.

بالنسبة إلى المراقبين، من الصعب فهم كيف يمكن لحركة تربوية مدنية ذي مظهر غير مؤذ أن تصبح دولة داخل الدولة وتدير حكومة ظل وتتلاعب بالقوانين لمصلحتها. النظر الى غولن كمجرد عالم إسلامي سلمي وداعية هو تشويه للحقيقة. فلقد شنّ تلاميذه في القوات المسلحة حملة إرهابية في ليلة 15 تموز وهذه الحركة ليست حركة مؤيدة للسلام ولا هي ساذجة و مؤيدة للحوار بل هي حركة عازمة على تجميع قوة اقتصادية ضخمة وتأثير سياسي مهما كان الثمن. يدير غولن مؤسسة عالمية مع طموحات عالمية للسلطة والهيمنة تعمل في أكثر من 150 بلداً من خلال المدارس والمنظمات غير الحكومية وجماعات الضغط (لوبي) ووسائل الإعلام والشركات.

وفي حين يكافح الناس في تركيا من أجل التغلب على صدمة هذا التهديد الوجودي، فقد غابت عن ذهن العالم الخارجي إلى حد كبير خطورة محاولة انقلاب 15 تموز ودلالتها بالنسبة إلى الشعب التركي.

الوحشية والخيانة اللتان أظهرهما الانقلابيون الغولينيون في تلك الليلة كانت أبعد من أي وصف. كان أسوأ عمل إرهابي في تاريخ تركيا حيث استخدم الانقلابيون الغولينيون الدبابات العسكرية والطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية ضد المدنيين الأبرياء الذين نزلوا إلى الشوارع للدفاع عن الجمهورية العلمانية التي تعود الى فترة طويلة ومؤسساتها الديموقراطية. لقد قتلوا مدنيين وحاولوا اغتيال الرئيس ورئيس الوزراء وقصفوا البرلمان التركي والمجمع الرئاسي ومقر الاستخبارات الوطنية ومقر القوات الخاصة وحاولوا السيطرة على المواقع الاستراتيجية واقتحموا وسائل الإعلام الحرة. وفي تلك الليلة سلبوا أرواح 249 من الرجال والنساء الأتراك الأبرياء وجرحوا أكثرمن ألفي شخص من جميع الفئات .

كان 15 تموز امتحان قوة ومثابرة للديموقراطية التركية وللدولة. وقفت جميع الأحزاب السياسية سواء في الحكومة أو المعارضة وعناصر القوات المسلحة وقوات الشرطة ووسائل الإعلام غير الموبوءة ضد الانقلابيين. فوق كل شيء، قاوم شعب تركيا من جميع الفئات والآراء السياسية وقدم مثالاً تاريخياً على التضامن ووقف بجرأة في مواجهة الدبابات وطالب باستعادة حقوقه الديموقراطية.

وحّدت محاولة الانقلاب الدموية في 15 تموز مرة أخرى شعب تركيا. وخلافاً لتوقعات البعض، فإنها لم تؤدّ إلى أزمة سياسية و/ أو اقتصادية بل بالعكس فقد خلقت إحساساً جديداً بالوحدة الوطنية والتوافق السياسي في الكفاح ضد فيتو. هذه الروح الجديدة حاسمة بالنسبة إلى ديموقراطية تركيا لأنها تتعامل مع عملية التخلص من التسلل الغوليني من جميع مؤسسات الدولة. 

"جيزيتشي ريزارتش" مؤسسة استطلاع محترمة، نشرت الأسبوع الماضي نتائج استطلاعها النهائية التي تشير إلى أن 97.7 في المئة من الشعب التركي ينظر إلى منظمة فيتو كمنظمة إرهابية و 94.2% يعتبرها مسؤولة عن محاولة انقلاب 15 تموز. وقد اتهم بالفعل فتح الله غولن وتلاميذه في عقول الناس وضميرهم.

يحاول الآن غولن الذي رأى دماره وتدميره الكامل في تركيا استخدام كل موارده وقوته لتنظيم جماعته خارج تركيا ويسعى إلى الضرب مرة أخرى بتكتيكاته المعتادة في إنفاق المال وتنظيم حملات تشويه والتحالف مع أي شخص ضد تركيا وقيادتها. وينبغي النظر إلى الدعاية التي حصل عليها في وسائل الإعلام الغربية في هذا السياق. إن اعتبار نفسه كبديل معتدل من التطرف الديني ليس له صدقية في تركيا أو في باقي العالم الإسلامي.

يمكن أي شخص أن يقول إن أي محاولة انقلاب من شأنها أن تزعزع استقرار أي بلد وتدمر اقتصاده وتقسم مجتمعه، إلا أن تركيا اليوم أقوى وأكثر صموداً. فقط بعد ستة اسابيع من محاولة الانقلاب في 15 تموز، شنّت تركيا هجوماً كبيرا على إرهابيي داعش في سوريا وواصلت مشاريع البنية التحتية الضخمة ومشاريع التنمية والإصلاحات الاقتصادية وعدّلت دستورها في سابقة أولى بتصويت شعبي. إن حالة الطوارئ المعلنة للقضاء على منظمة غولن والمنظمات الارهابية الاخرى من مؤسسات الدولة لم تضرّ بالاقتصاد ولم تعرقل مسار الحياة اليومي. من السياسة إلى الاقتصاد، تركيا أقوى وأكثر اتحاداً من أي وقت مضى.

أخيراً وليس آخراً، أود أن أعبر مجدداً عن تقديرنا وامتناننا للحكومة اللبنانية، للقادة السياسيين والشعب اللبناني لما قدموه من دعم وتضامن لتركيا مباشرة بعد محاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز.

وفي ظل هذه الخلفية يحتفل الشعب التركي غداً بالذكرى الاولى "ليوم الديموقراطية والوحدة الوطنية" دليلاً على تفانيه والتزامه بالديموقراطية وسيبقي دائماً ذكرى شهداء 15 تموز حية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم