السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الغابة تكشف عن صدرها للضوء والقمر شحّاذ واسع!

المصدر: "النهار"
جورج شكرالله
الغابة تكشف عن صدرها للضوء والقمر شحّاذ واسع!
الغابة تكشف عن صدرها للضوء والقمر شحّاذ واسع!
A+ A-

من هفواتي انّي أخبّئ اللحظة عن اللحظة، فينقطع الزمان بي فأسقط. لأن بيتي ضيّق جداً، أصعد أنا وظلّي إلى السطح. القمر شحّاذ واسع. 

                                           ****

أنا جماعةٌ من حروف تكتب في التاريخ حادثة عن وجودٍ في داخلكم، وعن صراع مع فضلات جبال!

هويتي المادية هي لكم، أما هويتي الداخلية فهي لي،

وغداً قد أشرح شيئاً عنها للبحر عندما أصل...؟!

                                              *****

الفضاء يرتدي ثيابه، والشمس تنزع عنه تلك الثياب كأني بها تود أن تراه عارياً. وإلا لمَ السطوع؟

                                   *****

الغابة

تتفرّج على القرية من بعيد.

تنمو وحيدة، من دون أصوات.

لا تخاف من الليل.

الليل ينام بين أشجارها.

تفرح بابن آدم عندما يقترب منها إنساناً.

تحزن وتنادي الريح، عندما يخرج منها حطابًا.

تكشف عن صدرها للضوء بخجل.

الضوء يعشق اشجارها بقبلة ناعمة.. وأحيانًا ينام فيها.

هي حبيبة التلال والجبال عنوةً، وليست بريئة من الغيرة.

يجتاز القمر فوقها، يناديها ولكنها لا تسمع.

كثيرًا ما تمنت أن تطال النجوم.

لها طيور خاصة بها، والأجنحة بعض من ثيابها.

شتاءً تغطي رأسها، بضباب او غيوم، ولا تندم

صيفًا ترافق النسيم، وهي واقفة.

تحب الفلاح، ولكن لا يزورها إلا لمامًا.

هي والناطور يتقاربان، ولكن من دون تحية.

الخوف منها، ناطور، والليل حارس مجانًا.

وعن الراعي، فهو الأوفر حظّا، غذاؤه مفلوش فوق سطح بيتها.

عندما تنام لا يرفّ فيها جناح، ولا تجرؤ تغريدة.

لو استطاع الوادي أن يطالها، لسرقها وأهداها للساقية.

الخريف يكشف سرّها، فهي توزّع أوراقها بزهوة الألوان، حتى

على الصخور.

تسأل الحياة، فيأتيها الصوت من أعماقها، فتنتشي ونشوتها، تلامس طيف الله.

هي غابة في مكان ما!!

                                 *********

السهل

أنطلقُ من باب الطبيعة، أتسعُ وأمتدّ. هناك شجرة بأزهى ثيابها تنتظرُ. قلبي رقيق وعاشق.

مخدتي تلّة، ولكنها عاليةٌ على رأسي، وقد لا أغفو!

لم أهنأ بذاتي الواحدة، منذ ولادتي. فذاك النهر قد شقّها إلى ذاتين، والأنكى، أنّه مرآة متعرجة، وتمشي... وماذا أفعل بشعري، وبموعدي مع حبيبتي الشمس...!؟

يقشعر بدني من النسمة، فهي ابنة الريح، والريح غالباً ما

تراقب خطواتها، وهي تعرف قلبها...!

ما حضنت شجرةً مرة، إلّا وحضر القمر بقدرة قادر!!

أنا دهر الطبيعة، وسَكينَةُ الليل في مطاويّ خير دليل...!

                            ***********

المسافر الأول

طوّع أن يكون المسافر ألأول. حمل في حقيبته، البيوت والاشجار والدروب، والذكريات التي رآها بقايا آثار أقدام الزمان في حياته. أحسّ الحياة تضجّ في حقيبته، وخطواته كانت ثقيلة جداً. لم يلتفت الى الوراء، وهو الذي نبّه البحر الى جاذبية الرمل، في حالة من حالات السفر!

قال في نفسه: أحياناً تكون الا شياء ثقيلة، حتى ولو حملت ظلّها...

داس شاطئ الغربة. فتح حقيبته. لم ير فيها، إلا ثيابه، وبعض الأدوات الضرورية، ليومياته. رمى كلّ ما في حقيبته جانبًا. فجأة أحسّ أنه هو الحقيبة، والغربة تحمله وتدور به. أحسّ أنّ الفرق بينه وبين الخيال اللعبة، أنه يتكلم، يرى، يتعمشق، ليتأكد أنه ما زال حقيقة بشرية ملموسة. يتعب ويشقى، ولكن كتمثال من هواء.

ثم سمع أن في بلاده حرباً. مزّق داخله، ورماه بوجه العابرين حوله. المقاهي باتت تهرب منه وهي واقفة. الشوارع تمتد أمامه، كأنها مستقبلٌ يسبقه دائما...

ثم سمع أن في بلاده حرباً. نزع عنه ثياباً، كان يرتديها فوق، ثيابه.. تأوه أن الزمن ينزلق، يعبر بسرعة المتهم في طريق الهرب... أكد ان الغربة، تتهمه بوقاحة أنه غريب... روحه مشروع بناء آخذ في الانهيار...!

تعمّد بماء العودة. قرّر ان يبتلع المسافة، إلى خطوة واحدة.

هو الآن فوق بلاده.

ترك المطار، ومشى صوب بيته. لم يجد بيته. فقط وجد أرضا، ولمح أشباحا، تنقل التراب إلى مكان آخر. حاول أن يسمع، ولو صوتاً خافتاً... عبثًا. انكفأ الى الوراء. مشت معه الحرب، حدثته قليلاً، ودلّته ألى مكان، ما لبث أن اختفى فيه إلى الابد!


(شاعر وأديب لبناني). 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم