الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الى نقابيي "الثنائية المسيحية" في نقابة معلمي المدارس الخاصة

المصدر: "النهار"
غسان صليبي (خبير اجتماعي)
الى نقابيي "الثنائية المسيحية" في نقابة معلمي المدارس الخاصة
الى نقابيي "الثنائية المسيحية" في نقابة معلمي المدارس الخاصة
A+ A-

المعلمون الأعزاء 

أحاول جاهدًا أن افهم حماستكم لإسقاط #نعمة_محفوض ورفاقه وما يمثلونه من خط نقابي مستقل.

أحاول من دون جدوى، أن ألتقط فكرة، مشروعًا، وراء استشراسكم لإحداث هذا التغيير الذي تعقدون من أجله التحالفات مع الأصدقاء والخصوم.

نادرًا ما أراكم مندفعين لقضية اجتماعية، خارج حروبكم الصغيرة والكبيرة، مع بعضكم او مع الآخرين. يفرحني هذا وأحاول أن أعطيه معنى، وأن ألصق به قيمًا سامية لربما كنتم تناضلون من أجلها.

ألجأ الى بياناتكم، الى نصوص أحزابكم، ولا أجد ما يشفي غليلي. لا أجد نقدًا مقنعًا لما قامت به القيادة النقابية الحالية، ولا مطالب اجتماعية إضافية تحسّن من معيشة المعلمين، ولا سياسة تربوية تحمل قيمًا انسانية أو وطنية تساعد على إخراجنا من المستنقع الذي نحن فيه!

في غياب نص واضح يفسّر ما تريدونه، هل يعتبر تحالفكم اليوم ضد نعمة محفوض نزولاً عند رغبة المدارس الكاثوليكية التي ترغب بإقصائه، والتي تجني في المقابل، الارباح الطائلة، هي ومدارس خاصة أخرى، بحسب دراسة حديثة.

أخرج من النصوص وأفتش في تجاربكم في الحكم، عن سياسة اجتماعية-اقتصادية انتهجتموها، أو عن موقف مميز اتخذتموه ولا أجد إلا قرار حزبكم الأكبر بعزل وزيره شربل نحاس لأنه انحاز الى العمال والفئات الشعبية!

لماذا هذا القحط في الرؤى والمشاريع وعلى كل المستويات الاجتماعية – الاقتصادية – التربوية؟

هل انحصر الهمّ في كسب المواقع، كيفما اتفق، في السياسة والاقتصاد والمجتمع والنقابات؟

أخاطبكم والحّ عليكم لأنكم كـ"ثنائية مسيحية"، تتحكّمون بنتائج نصف مقاعد انتخابات نقابة المعلمين.

كنت أود أن أخاطبكم كمواطنين، لكني أخاطبكم كمسيحيين لأنكم تعرّفون عن نفسكم كأحزاب "مسيحية"، ولا تتوقّفون عن المطالبة بـ"العدالة" في تمثيل المسيحيين.

كمسيحيين أسألكم:

ما رأيكم بلاهوت التحرير وانخراط مسيحيي أميركا الجنوبية مثلاً في النضالات الاجتماعية الاقتصادية الى جانب العمال والفقراء؟ قد يجيب معظمكم أن هذا لاهوت لم تتبنّه الكنيسة رسميًا.

حسنًا، ما رأيكم بتصريحات البابا فرنسيس عن الرأسمالية واللامساواة، وقوله "إنها مصدر لعدم المساواة على أفضل تقدير وقاتلة في أسوأ الاحوال"؟ قال ايضاً: "أنا اصرّ أن أقولها بأعلى صوت: نريد تغييرًا حقيقيًا في هيكلية النظام الحالي. إن النظام الحالي أصبح لا يطاق". لدى البابا كتاب بعنوان "الرأسمالية والمساواة" ينتقد فيه النظام الرأسمالي ويدافع فيه عن فكرة العدالة الاجتماعية.

أعرف أن معظمكم لم يعد يكترث كثيرًا لأقوال البابا، بل أنتم ربما ترون في ما يقول "تطرفا" بعض الشيء.

دعونا إذاً من لاهوت التحرير ومن البابا فرنسيس، ولنعد الى الاصل، الى تعاليم يسوع، وهو معلّم مثلكم، ولو أنه كان يفضّل التعليم الى جانب البحيرة وفي بيوت المعوزين والمنبوذين، بعيدًا من جدران المؤسسات الدينية.

أتتذكرون ردّه "كنت عطشانًا فأطعمتموني، وعريانًا فكسيتموني..."، عندما سئل عن شرط الدخول الى ملكوت السموات؟

لم أسمع من أحد منكم أن نعمة محفوض ورفاقه لم يلبّوا النداء عندما كنتم تحتاجون الى تحسين مداخيلكم لسدّ حاجاتكم في المأكل والمسكن والصحة والتعليم!

رجاءً اقرأوا معي هذا النص البديع والمذهل من إنجيل متى وأشركوا معكم مسؤولي المدارس الكاثوليكية في القراءة: "فمثل ملكوت السموات كمثل رب بيت خرج والفجر ليسأجر عملة لكرمه. فاتفق مع العملة على دينارٍ في اليوم وأرسلهم الى كرمه. ثمّ خرج نحو الساعة الثالثة، فرأى عملة آخرين قيامًا في الساحة بطّالين. فقال لهم: "اذهبوا أنتم أيضًا الى كرمي، وسأعطيكم ما يحقّ لكم". فذهبوا. وخرج أيضًا نحو الساعة السادسة ثمّ نحو التاسعة، ففعل مثل ذلك. وخرج نحو الحادية عشرة، فلقي أناسًا آخرين قائمين هناك، فقال لهم: "ما لكم قائمين ههنا طوال النهار بطّالين؟" قالوا له: "لم يستأجرنا أحد". قال لهم: "إذهبوا أنتم أيضًا الى كرمي". ولمَّا جاء المساء قال صاحب الكرم لوكيله: "أدع العملة وادفع لهم الأجرة مبتدئاً بالآخرين سائرًا الى الاولين". فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذ كل منهم دينارًا. ثمّ جاء الأولون فظنوا أنهم سيأخذون زيادة، فأخذوا هم أيضًا دينارًا لكل منهم".

لا يحتاج النص الى الكثير من التفسير. انه يقارب بمثالية رائعة مشكلة الأجر والعمل الموقت والبطالة. انه يختصر ما توصلت اليه الأفكار الاجتماعية الأكثر تقدمًا: "من كل بحسب امكاناته، ولكل بحسب حاجاته"، وهذا يحتضن كل قضية سلسلة الرتب والرواتب والعمل اللائق والمتعاقدين، ويتجاوزها، ويضعها في اطار المفهوم الواسع للعدالة الاجتماعية.

في الأمس، ساهمتم في اسقاط حنا غريب في رابطة التعليم الثانوي الرسمي، وترأس أحدكم الرابطة لمدة سنتين، وقد لاحظتم بالطبع كيف دبّ الوهن في جسم الرابطة بعدما كانت قدوة للنضال النقابي في البلد.

اليوم تريدون اسقاط نعمة محفوض ووضع واحد منكم مكانه. اليوم مثل الامس لا مشروع لديكم سوى "التوافق"، هذه الكلمة التي تغطون فيها واقع سيطرة أحزاب السلطة على النقابة وتوزيع المواقع في ما بينها.

لقد سبق وسيطرت الأحزاب المذهبية في السلطة على نقابات العمال وكانت نقابات المعلمين في الرسمي والخاص قد بقيت مستقلة نسبيًا وقدمت مثلاً يحتذى به في النضال النقابي. لقد قررتم أنتم أن تعمّموا التبعية وتقضوا على ما تبقى من نفس نقابي حر.

أنتم لا تقضون على النقابات فقط، بل على ما هو في صلب المجتمع المدني، على حرية التنظيم والتجمع والاعتراض، على حريتكم أنتم اليوم وحرية تلاميذكم غدا، في الدفاع عن مصالحهم ورفع مستوى معيشتهم وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم