الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

على عينك يا دولة

سناء الجاك
على عينك يا دولة
على عينك يا دولة
A+ A-

في الأمس كنا في قضية توقيف الفنانة أصالة بتهمة حيازة مخدرات للاستعمال الشخصي، واليوم صرنا في "عملية استباقية" للجيش اللبناني على مخيم لاجئين سوريين في عرسال.  

بكبسة زر انقلب المشهد بين الأمس واليوم. وبعدما كنا حيال أجهزة أمنية متسامحة حتى حدود الاستهتار، أصبحنا حيال أجهزة أمنية متشددة حتى ابعد حدود القمع الديكتاتوري.

نحن، بين الأمس واليوم، أسرى تجاذبات تضرب العمود الفقري لمفهوم العدالة التي يراد لها ان تتخندق وفق الانقسام الحاد الذي يشطر الرأي العام الللبناني ويحوِّل الاعتراض على أي تصرف غير قانوني الى مؤامرة على المعارضين السوريين، مقابل تحويل الاعتراض على أي تصرف غير انساني الى خيانة للجيش اللبناني.

كلنا نعرف ان القضية لو لم تكن قضية توقيف الفنانة أصالة، لكنا سمعنا بالكثير الكثير من القضايا والظواهر التي تكرس شللاً شاملاً لقدرة الدولة على تطبيق أي قانون. فعلى أرض لبنان السائبة، عرض متواصل للانتهاكات كافة، ما دام نظام مغارة علي بابا هو السائد.

كذلك نعرف ان "العمليات الاستباقية" لحماية البلد من الارهاببين ستبقى سلم الخلاص في محاولات مستمرة وعلى أكثر من موجة لاستعادة هيبة مهدورة.

المؤسف هو عدم الثقة لدى عدد كبير من اللبنانيين بمدى صحة هذه العمليات التي تذكّرنا بحكاية الراعي الذي استعذب تجربة استجابة أهل قريته اذا تعرض لهجوم من الذئب، فكررها حتى ملّوا ولم يلبّوه عند وقوع الواقعة، فخسر خرافه.

ربما تكمن القطبة المخفية في هذا السعي المغرض لـ"دعوشة" المخيمات السورية والفلسطينية. ففي المسألة هيمنة الفقاعات الإعلامية لضبط هذه الشبكات وسيطرة حيز التهويل والتضخيم للقول إن الأجهزة الأمنية والقضائية تغلِّب هذا الخطر المحدق بالبلد على ما عداه، سواء من عرسال او عين الحلوة، تارةً لإنقاذ الضاحية، وطوراً لتجنيب مطار بيروت كارثة دموية، وصولاً الى فردان وملحقاتها بغية تجنيبها مجزرة بشعة.

لكن من يقدم لنا دليلاً يتجاوز ما يحكى عن اعترافات الموقوفين، لتبيان صدقية هذه "الإنجازات" التي يتبناها "الاعلام الممانع" ويروج لتفاصيلها، مستفيضاً في منحنا تفاصيل تفتقر الى متابعات تمنحها حيثياتها، في ظل عدم استكمال التحقيقات او إطالة المحاكمات حتى تفقد ماهيتها، وفي ظل استخدام ملف الإرهاب على حساب لبنان لحسابات المشروع الأكبر، سواء لجهة تدخل "حزب الله" في سوريا او لضرب الأمن في المخيمات الفلسطينية او لمئة غرض وغرض؟

كلنا نعرف ان "الغرض مرض".

المرض هو في صرف انظارنا عن حقائق لا ينفع معها تلميع صورة ما يروق لـ"محور الممانعة" من مؤسسات ومن إنجازات، مقابل تسخيف او تهريب ما لا يروق لهذا المحور من حوادث.

هكذا نبقى على الخط وننسى كل اشكال الفوضى المميتة التي تجعل بقاء غالبية اللبنانيين على قيد الحياة أشبه بمعجزة تتحكم فيها المصادفة، في حين يتحكم الشلل بأجهزة الدولة ومؤسساتها لصون الحد الأدنى من الامن الحياتي والاقتصادي والاجتماعي حتى إشعار آخر.

يعني، لا لزوم للاعتراض على تطويع الجيش اللبناني وتدجينه واختراقه من جانب "حزب الله". ولا ضير في رحلة لتلاميذ الضباط الى "دويلة حزب الله" والتعرف الى أسلحته التي لا علاقة للشرعية اللبنانية بها، ومن ثم نشر الخبر كأن الضباط العتيدين في زيارة لدولة شقيقة لتبادل الخبرات والتدرب على عقيدة خارج عقيدة الجيش اللبناني.

في المقابل، يستمر تجاهل الجرائم التي تحدث كل حين تحت انظار مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والرقابية، ويستمر التباهي بعمليات "نوعية" بالقبض على مجرم من هنا ومهرِّب من هناك، في حين لا تزال نعمة الحياة لغالبية المواطنين رهينة الاحتفال بالنجاح في البروفيه.

مثلاً، قتلة هاشم السلمان معروفون، ولم يجرؤ جهاز أمني على إلقاء القبض عليهم وسوقهم الى القضاء لمحاكمتهم. مثل هاشم السلمان كثرٌ على هذه الأرض السائبة.

فالواقع الملموس تعكسه اعداد ضحايا العنف المتنقل وفلتان السلاح والدعارة والرقيق الأبيض والنهب والسلب والاختطاف مقابل فدية و...الخ. الاهم يعكسه تحول لبنان جنّةً لتصنيع المخدرات واستيرادها وتصديرها لاعتبارها سلاحاً لوجستياً كما "شبكة الاتصالات" إن كنتم تذكرون، وذلك على عينك يا دولة، كأننا في كولومبيا او الارجنتين او البرازيل.

في غياب الدولة وضعفها، لا تستطيع الجهات الامنية انجاز اي تقدم فعلي، لذا تكفيها "عمليات استباقية" وزيارات استكشافية للدويلة التي تفوق الدولة نفوذاً، في حين ان المطلوب تجنب استجلاب "الدعوَشة" الى لبنان والعمل للحؤول دون تحويل نصف اللبنانيين الى مجرمين ونصفهم الآخر الى ضحايا في مواسم الموت الرخيصة، ليبدو "المحور الممانع" فرقة كشاف ومؤسسة رعوية غير انتفاعية.

لكن يبدو ان المطلوب مفقود حتى إشعار آخر. بذلك يستقيم الميزان، ولا يعود نافراً او مثيراً للقلق وضع أصحاب النفوذ المتحكمين بوتيرة الانتهاكات الفعالة والمتغنين بفائض القوة وفائض الجيوش العابرة للحدود... على عينك يا دولة.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم