السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

موسى وهبة كان "يتفلسف" بالعربية (1941-2017)

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
موسى وهبة كان "يتفلسف" بالعربية (1941-2017)
موسى وهبة كان "يتفلسف" بالعربية (1941-2017)
A+ A-

غاب صديقي الشخصي، الفيلسوف بالعربية #موسى_وهبة، نائياً إلى حيث يتمكن من تجسيد مفهومه الأنقى للفلسفة.  

هذا الفيلسوف الموجوع بالوجود، المحنّك، المتواضع، العالِم، الزاهد، العارف، المتمكن، الحصيف، العاقل، المرشد، الحكيم، المترجم، الرائي، المستشرف، المنهجي، الأكاديمي، الأستاذ، والموجِّه، كان شخصاً فلسفياً حقيقياً، ليس بالعقل والذهن فحسب، بل بالكيان كلّه.

كان موسى وهبة "يتفلسف"، بالمعنى الإنسانوي والحضاري والتقني الدقيق للكلمة.

في هذا المعنى، كان يتفرّد عن سواه من المشتغلين العرب بـ"التفلسف"، والمنشغلين به، بأنه كان صاحب طريقة خاصة في "التفلسف" العربي. جوهرها أننا نحن العرب، نستطيع أن "نتفلسف" إذا أردنا أن نكون فلاسفة حقاً، ومشتغلين بالفلسفة.

"التفلسف"، في رأي موسى وهبة، يقتضي "بناء سيستام"، لا على طريقة الناقلين، ولا على طريقة المتماهين مع الآخر، بل على طريقة ابتداع "سيستام" عربي خاص في مفهوم التفلسف.

يأتي هذا المفهوم للتفلسف بالعربية، من شخص "عارف" بالفلسفات كلّها، قديمها وحديثها، لا من شخص "متقوقع" على زعمٍ فلسفيّ عربيّ مبسّط، أو مدّع، أو متنطح. لذا سمّيته "العارف". لأنه أدرك خطورة أن "يتفلسف" المرء بالعربية، وأن يتمايز في تفلسفه هذا.

أمضى موسى وهبه جلّ زمنه الفلسفي في تشكيل قوام هذا "التفلسف" وفي بلورة "أفهومه"، وفي بنائه لبنةً ولبنة، من خلال عمله الأكاديمي الرصين، ومن خلال مقالاته وأبحاثه، ولا سيما ترجماته الجليلة في الشأن الفلسفي، وهذه الأخيرة ستظلّ تمكّنه من أن تفرد له الخزانة الفلسفية العربية مكانة مرموقة، هي ملكه بالذات.

نقلُ جسدِ الفلسفة الحيّ إلى العربية، كان من هواجسه القصوى. أقصد النسغ، الجوهر، السرّ، اللبّ. لهذا السبب لم يكن موسى وهبة فيلسوفاً معروفاً ومتداوَلاً، بالمعنى الإعلامي، لأنه اختار لنفسه الطريق الأصعب للفلسفة. أقول الأصعب، وأعني الأخطر. لقد اختار الجوهر الداخلي الفلسفي العميق، الشاقّ، معتبراً أن هذا النوع من الحفر في العقل العربي هو وحده الذي يمكّن العرب من حيازة الفلسفة، ومن أن يكونوا من صنّاعها في العالم.

عندما اشتغل على كانط، وعلى جعله "يتفلسف" بالعربية، كان يدرك أنه يسعى لا إلى الترجمة، بل إلى "توليد" معجمية فلسفية عربية خالصة، وعلى اصطناع ألفاظ ورموز وكلمات فلسفية غير مسبوقة في العربية. هكذا فعل في كل مجالات عمله الفلسفي، من أجل أن يضع بين أيدي المنهمّين بالتفلسف العربي، "مفاتيح عربية" لا يرقى إليها الصدأ.

اشتغاله على نيتشه وهيوم وهوسرل وهايدغر، اندرج في هذا الهمّ الفلسفي "التوليدي"، قائلاً على الدوام بالذهن المجاوِز، والذات المجاوِزة، والفلسفة المجاوِزة.

غاب صديقي الفيلسوف هذا، تاركاً لنا جواهر فلسفية.

صحيح أن جواهره قليلة، لكنها طليعية، استشرافية، غير مسبوقة، نقية، وباقية.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم