الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الصين تفتح "جيوبها لا حدودها" أمام اللاجئين

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الصين تفتح "جيوبها لا حدودها" أمام اللاجئين
الصين تفتح "جيوبها لا حدودها" أمام اللاجئين
A+ A-

آليّات الصراع على السلطة في الدول الأوروبّيّة تشهد تغيّرات سريعة، فسّر نجاح اليمين المتطرّف في جانب منها الصعوبات التي واجهها الساسة الغربيّون في طريقة تعاملهم مع الأزمة. لكنّ السياسات العامّة في #الصين الرافضة لاستضافة اللاجئين على الرغم من إمكاناتها الكبيرة، شغلت هي الأخرى عدداً من المراقبين. فمنذ أقلّ من أسبوعين، نشرت صحيفة "ساوث شاينا مورنينغ بوست" تقريراً نقلت فيه واقع رفض حوالي 97% من المستطلعين لاستقبال لاجئين من الشرق الأوسط مع سريان شائعات، تمّ نفيها لاحقاً، عن نيّة #بيجينغ فتح أبوابها أمامهم.  

استطلاع الرأي غير الرسمي كان عبارة عن استفتاء إلكتروني (موقع وايبو) شمل 150 ألف مواطن، وافق 4000 مستطلع فقط من بينهم على الفكرة المطروحة. وتراوحت أسباب الرفض بين من يتذرّع بخضوع الصينيين لثلاثين سنة من سياسة الطفل الواحد (تمّ إعفاء الأويغور منها) ومن يطالب أوروبا والولايات المتحدة بتحمّل نتيجة مسؤوليّتهما عن المشكلة في الشرق الأوسط بحسب اعتقادهم. شي يينهونغ، محاضر في الشؤون الدوليّة ضمن جامعة ريمنين في بيجينغ، أكّد للصحيفة نفسها أنّ الشعب الصيني "غير مستعدّ ذهنيّاً" لتقبّل هذا الموضوع.

على كلّ حال، تساهم الصين في تمويل مخيّمات اللاجئين في أفريقيا والشرق الأوسط. لكنّ مساعدتها على حلّ الأزمة تتوقّف حاليّاً عند حدود التمويل. وهذا ما كتبه الصحافيّ شي جيانتاو يوم الاثنين الماضي في مقال آخر ضمن الصحيفة نفسها تحت عنوان: "الصين تريد فتح جيوبها، لا حدودها أمام لاجئي الشرق الأوسط". وبدأ المجتمع الدولي يلحّ عليها مؤخّراً للانخراط أكثر في استقبال اللاجئين بدون أن يلقى آذاناً صاغية على ما يبدو.

في تشرين الأوّل من العام الماضي، وضع "مشروع بورغن"، منظّمة أميركيّة غير ربحيّة تُعنى بمكافحة الفقر حول العالم، تقريراً يُظهر من خلاله أوضاع اللاجئين في الصين. وأشار إلى وجود 300 ألف لاجئ على أراضيها من بينهم "أقلّ من 30" لاجئاً سوريّاً.


46% سيستقبلونهم داخل بيوتهم

عدّة نقاط كانت لافتة في ذلك التقرير. الأولى أنّ الصين هي منطقة يمكن أن يتطوّر فيها اللاجئون إذ إنّها تملك "واحداً من أنجح برامج الدمج حول العالم" بحسب عبارة أنطونيو غوتيريس حين كان يشغل منصب المفوّض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة قبل أن يصبح أمينها العام. النقطة الثانية، هي تذرّع المسؤولين الرسميّين أيضاً بمسؤوليّة الغرب في تدهور الأوضاع داخل سوريا ومطالبتهم إيّاه بمعالجة المشكلة التي تسبّب بها. ومن ناحية ثالثة، لفت التقرير إلى أنّ الشعب الصيني، وعلى عكس الاستفتاء الإلكتروني الأخير، كان على استعداد ليستقبل اللاجئين. ففي استطلاع رأي مشترك بين "منظمة العفو الدوليّة" و شركة "غلوبال سكان" الأميركيّة "قال 94% من السكان أنّهم سيرحّبون بهم (اللاجئين السوريّين) في الدولة بينما قال 46% أنّهم سيرحّبون بهم في بيوتهم".


للمطّلعين آراء مناقضة

إذاً لماذا هذا التضارب بين نتائج استطلاع الرأي الإلكتروني ونتائج استطلاع المنظّمة؟ هل غياب الدقّة المنهجيّة للاستطلاع الإلكتروني هو الذي أعطى نتائج مغلوطة؟ وهل للحكومة الصينيّة "جيش إلكترونيّ" قلب النتيجة، خصوصاً أنّ حجّة الرفض على مواقع التواصل الاجتماعي هي نفسها التي تتذرّع بها الحكومة؟ سيكتنف الغموض أيّ أجوبة على هذه الأسئلة، وتحديداً بمجرّد الإشارة إلى أنّ استطلاع الرأي الذي أجرته "منظّمة العفو الدوليّة" وضع الصينيّين في قائمة الشعوب الأكثر قبولاً للّاجئين ويقع على طرف نقيضه الشعب الروسي. وعلى الرغم من هذه الاستطلاعات، يميل المحلّلون المطّلعون على السياسات الصينيّة إلى الاعتقاد بأنّ الرأي الشعبيّ هو رافض للّاجئين.


إسلاموفوبيا

الصحافي وانغ جين في مجلّة "ذا ديبلومات" الأميركيّة كتب أنّ الإعلام الصينيّ، وبمناسبة اليوم العالمي للّاجئين، نشر تقارير حول الموضوع فظنّ المواطنون أنّه يتمّ تحضير الأجواء لتغيير في السياسة العامّة. هذا الخوف يجد جذوره في ازدياد الإسلاموفوبيا داخل الصين لدرجة ظنّ الشعب أنّ استقبال اللاجئين "سيؤسلم" الصين وسيكون المواطنون قد تعرّضوا "للخيانة" من قبل حكومتهم بحسب ما ينقله الصحافيّ عن أحد الأساتذة الجامعيّين. قصص متفرّقة عن تصرّفات لاجئين مسلمين في الصين أو حتى في الغرب تزيد من هذا الشعور بحسب جين. فبعضهم لا يريد البحث عن عمل ولا تعلّم اللغة الصينيّة لدرجة أنّ أحدهم، وردّاً على سؤال مرتبط بالموضوع، قال أمام الإعلام إنّه يجب على صديقته الصينيّة (التي عاش لسنوات على نفقتها) أن تشكره لأنّه يعلّمها الإنكليزيّة.

لكنّ الإسلاموفوبيا هي فقط أحد العوامل التي تدفع الصينيّين إلى رفض اللاجئين. والمفاجأة أنّ أقلّيات مسلمة مثل هوي، كانت في طليعة الرافضين لاستقبالهم، ممّا يعني وجود عامل سياسيّ بارز يقف وراء وجهات نظر متشدّدة كتلك التي برزت مؤخّراً. ويرتبط هذا العامل بالدور الحكوميّ في السياسة الخارجيّة والنظرة الشعبيّة إلى "المبالغات" بالانخراط في المسؤوليّات الدوليّة.


نصف مليار محروم

فالصحافيّ نفسه يشير إلى أنّ حوالي 500 مليون صيني "محرومين" سيزداد العبء عليهم مع صرف بيجينغ المساعدات على اللاجئين، في الداخل أو الخارج، خصوصاً مع قناعة سائدة بأنّ مسؤوليهم بذلوا "الجهد الكافي وأزيد" في الدعوة للحوار والحلول السلميّة داخل الدول التي تشهد نزاعات مثل #سوريا و #أفغانستان. كذلك ينظر المواطنون بعين الريبة إلى الاستثمارات الكبيرة التي تعمل دولتهم عليها خارج الحدود أكان في آسيا أو في أفريقيا، والتي يمكن أن تحمل مخاطر إقتصاديّة.


دمج أم إقصاء؟

ولا تبرز المفارقات فقط على مستوى التناقض في الرؤى بين الإحصاءات من جهة والمراقبين من جهة أخرى، حول حقيقة موقف الشعب الصيني من أزمة اللجوء. فحديث غوتيريس عن امتلاك الصين لواحد من أفضل برامج الدمج لا يوافقه عليه باحثون آخرون. فمجلّة "فورين بوليسي" الأميركيّة ذكرت أنّ الخطاب الصينيّ حول الانتماء الوطنيّ هو إقصائيّ لا اندماجيّ. كما أنّه ثابت لجهة تركيزه على "التاريخ والإرث المشتركين" لدى أيّ شعب. ومن جهة أخرى، يشكّل عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى "حجر الزاوية" في السياسة الخارجيّة للصين.

وربّما يساهم هذا المبدأ، من حيث تفسير بيجينغ الخاص له، في جعلها متلكّئة عن استقبال لاجئين من دول أخرى كي لا تجد نفسها منجرّة للتعامل مع الأبعاد المتشعّبة لهذه الأزمة. فالتنسيق مع الدول التي يفرّ منها اللاجئون قد يعرّضها لمهبّ التورّط في رسم استراتيجيّات جديدة هي بغنى عنها، حتى ولو كانت مجهّزة أكثر من الاتحاد الأوروبي نفسه لتفادي التداعيات السياسيّة والأمنيّة لفتح حدودها أمام اللّاجئين، بغضّ النظر عن جنسيّتهم أو هويّتهم.











الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم