السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أزمة النفايات: مساع مشهودة لبلديات الشوف و"جهنم الحمرا" في عاليه والمتن الأعلى

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
أزمة النفايات: مساع مشهودة لبلديات الشوف و"جهنم الحمرا" في عاليه والمتن الأعلى
أزمة النفايات: مساع مشهودة لبلديات الشوف و"جهنم الحمرا" في عاليه والمتن الأعلى
A+ A-

خلاصة الموضوع: مساعي حقيقية سطّرتها بلديات قضاء الشوف لتخطي محنة أزمة النفايات، فيما فشلت بلديات قضاءي عاليه والمتن الأعلى في ايجاد مفاتيح الحل. فاذا بها في أغلبيتها ضائعة، لا تعي ماذا تفعل. منها ما يلزّم شاحنات ترحّل قمامتها الى جهاتٍ مجهولة، يقال إنها مناطق بقاعية. والبعض الآخر من البلديات يعمد الى "قتل القتيل والسير في الجنازة". فاذا بها، وفق اتهاماتٍ واضحة وصريحة من رؤساء بلدياتٍ مجاورة تضررت من أفعال الحرق، تعمد الى احراق قاذوراتها المجمعة في مشاع قريتها، كلّما أحرجهم ارتفاع جبل النفايات. وكي لا تظلم البلديات وحدها، لا بد من القول إن الدعم المادي الذي تحصل عليه من الدولة اللبنانية، قد لا يكلفها السير بحلولٍ مقدامة. لكن ما لا يسعفها، لسوء الحظ، هو محاولات بلديات قضاء الشوف الجدية لايجاد حلولٍ عملية وعلمية، وعلى رأسها معامل الفرز. بل انها تفكّر جدياً في استحداث مصنعٍ واحد قادر على معالجة نفايات القضاء بأكمله. وبين المثابرة والرسوب، شهادة تقديرٍ للساعين، وانذاراتٌ خطية للراسبين.

الشوف

عملياً، المساعي معوّلٌ عليها في الشوف في حلّ أزمة نفاياته، في ظل مصنعين لاعادة التدوير يحتضن كلّ منهما نفايات بلديات قرى الشوف الأعلى وقرى الشوف السويجاني، فضلاً عن القرى المجاورة. والتحضيرات تسير على قدمٍ وساق لتشييد مصنع فرز قادر على استيعاب كامل نفايات القضاء بقدرة انتاجية تصل الى 200 طن يومياً. المشروع قيد الدراسة، ويحتاج الى سنتين ونصف سنة للتنفيذ. المصنع الأول يعمل بقدرة 20 طنا يومياً، محتضناً نفايات قرى اتحاد بلديات الشوف السويجاني، وهي توالياً: مزرعة الشوف، الكحلونية، الجديدة، السمقانية، بعقلين، عين وزين، عينبال، عترين وغريفة، اضافةً الى بيت الدين ودير القمر. ويؤكد رئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني يحيى بو كروم لـ"النهار" أن "المعمل يستقبل 50 طنا نفايات يومياً، فيما ترمى العوادم التي تشكل 35% من عملية الفرز في عقار تابع للاتحاد". تبقى مشكلة العوادم ثغرة لا بد أن تتولى الدولة حلّها، اذ إن تكديسها بعد ضغطها لا يمكن ان يشكّل سوى جزء موقت من الحل، وهذه نظرية تبناها بو كروم.

الى قرى الشوف الأعلى، حيث تفرز نفايات 12 قرية في مصنع لاعادة التدوير، وهي توالياً مرستي، معاصر الشوف، نيحا، المختارة، باتر، بطمة، بعذران، جباع، حارة جندل، الخريبة، عمّاطور وعين قني. تجمع القمامة من القرى بواسطة شاحنة صغيرة، تنقلها الى المصنع حيث تفرز يدوياً (بلاستيك، زجاج، حديد) فيما تتولى الآلات المهمات الاضافية، وفق ما يقول لـ"النهار" رئيس بلدية عماطور وليد ابو شقرا. تدفع البلدية 3 ملايين و300 ألف ليرة لبنانية مقابل التخلص من نفاياتها، فيما تترجح الكلفة في القرى الاضافية وفق مساحتها وعدد سكانها. ويعمل المصنع بقدرة استيعابية تصل الى 10 أطنان يومياً، فيما تستفيد القرى من الأسمدة المترتبة على عملية الفرز، وترمى العوادم في وجهة "غير معرفة". وفي اختصار، يقولها ابو شقرا: "لا أزمة نفايات في قرى الشوف الأعلى".

عاليه

وعلى عكس الشوف، تبدو بلدات قضاء عاليه في وضع مزرٍ، ومنها ما يحتضر في ظلّ تفرّع المشكلة في أكثر من مفترق. ويقول نائب رئيس اتحاد بلديات الجرد الأعلى بحمدون كمال شيا لـ"النهار" إن "بلديات عديدة متواطئة في حرق نفايات قريتها بعد رميها في المشاعات، وتعود لتتقدّم بشكوى ضدّ مجهول". ويقولها صراحةً: "(بيعطوها ولعة)، اذ ان 5 من اصل 8 بلدات في جرد بحمدون تعمد الى الحرق، مما يؤدي الى مجازر صحية يصل أثرها الى القرى المجاورة، ناهيك بالحرق في بلدات المتن". ويشير الى أن بعض البلدات تلجأ الى تصدير القمامة الى خارج حدودها الجغرافية، بواسطة شركات خاصة تأخذ على عاتقها مسألة التوضيب والنقل الى مطامر مستحدثة في البقاع. صوفر من البلدات التي لجأت الى هذا الخيار، مقابل سعر مخفض يدفع للشركة الملتزمة (أجرة نقل الشاحنة الكبيرة 450 الى 500 دولار). هذه المقاربة السوداوية تجعلنا نسأل عن خبايا المعضلة، فيجيبنا شيا بأنها كامنة في 3 مفترقات: عدم ضلوع رؤساء البلديات في الأمور البيئية، رغبتهم في توفير المال وغياب التمويل الصحيح للبلديات من الدولة. بدورها، تعمد أكثر من بلدة في عاليه الى اعتماد خيار التلزيم لشركات خاصة، لكن من هي هذه الشركات؟ اللافت أن أكثر من بلدية لا تعلم أين تؤخذ نفاياتها، وكيف ترمى، بل تكتفي بالقول ان الملف تحوّل الى معضلة ولا بد من الحلول الآنية.

المتن الأعلى

الوضع مختلف في قرى المتن الأعلى، إذ إنه متاحٌ لها توقيع العقود مع "سوكلين"، على عكس الشوف وعاليه. لكن ذلك لا يعني ان البلدات المتنية في كليتها وقعت عقوداً مع الشركة التي حوّلت لون شاحناتها الى بيضاء. ووفق رئيس اتحاد بلديات المتن الأعلى مروان صالحة، الأسعار باهظة والشفافية مفقودة، وهو ما أدى بعدد من البلدات الى فسخ عقدها. ويشرح لـ"النهار" أن "البلدات الصغيرة لا تستطيع التعاقد، لأن المبلغ الذي يقتطع من ميزانيتها كبير". هذا الواقع أدى الى أزمة بيئية خطيرة في المنطقة، حيث ترمى النفايات في نهر حمّانا (وادي لامارتين) ونهر الجمعاني، (يلتقيان في نهر بيروت). بعض البلديات تستخدم المشاعات لترمي نفاياتتها عشوائياً، او تطمرها فيها، ولكن الى متى؟ واذا كانت الأزمة اليوم يمكن استيعابها، وفق صالحة، الا انه لا بد من وضع خطة مركزية شفافة، خصوصاً أن التسعير مع "سوكلين" يجري على اساس عدد المتحدرين من البلدة (المقيدة اسماؤهم في سجل النفوس) رغم ان أكثر من نصفهم لا يقطنون فيها. وهذا يعني أن الشركة، دائماً وفق صالحة، "تقبض عن 5 أطنان، على سبيل المثال، وتجمع 2.5 طنين لا أكثر).

مسؤولية البلديات

رغم كونها أزمةً وطنية، تكمن خصوصية قضاءي الشوف وعاليه في ان شاحنات "سوكلين" البيضاء لا تجمع نفاياتها. من وجهة نظر بيئية، تعتبر رئيسة حزب الخضر الناشطة البيئية ندى زعرور ان "المعضلة الاولى تكمن في عدم اتفاق البلديات على مشاع واحد او مساحة أرض تطمر فيها نفاياتها جميعاً، مما أدى الى الانتشار العشوائي للمكبات في مشاعات القرى جميعها". وتقول لـ"النهار" إنه "كان حريٌّا استحداث مطمر صحي من دون آثار بييئة، في انتظار الحل الشامل، لكن لا قرار سياسي يلوح في الأفق". بصريح العبارة، استنتاجٌ واضح يمكن اقتباسه من مقاربة زعرور، أن "السياسيين ينأون بأنفسهم ولا يريدون الفصل في القضية او دعم انشاء مطمر في خراج بلدة معينة، خوفاً من ثورة أهلها أو خسارة أصوات ناخبيها، بما يعني أن الثغرة سياسية أكثر منها بيئية". تطرح هذه المعادلة ضرورة توافر قرار مركزي قوي، في ظلّ فشل نسبة كبيرة من التجارب اللامركزية في المعالجة. لكن ذلك لا يحجب وفق زعرور أن عمر المشكلة 18 سنة، اذ ان "مشكلتنا مع سوكلين في طريقة معالجتها للنفايات من خلال كبسها بدلاً من اعادة تدويرها".

وزارة البيئة

كيف للمعنيين الأساسيين الذين كان لا بد أن يتحمّلوا مسؤولية ألقابهم أن يغيبوا عن السمع؟ ليست المرّة الأولى تحاول "النهار" التواصل مع وزير البيئة طارق الخطيب لتسأله عن وجهة نظره في مسائل عاجلة، من دون نتيجة. الهاتف يرن، ويرن، كما أزمة النفايات، حتى اشعارٍ آخر. والموعد ضائع.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم