السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

محمد بن سلمان وجيل الشباب يقودون الدولة السعودية الرابعة

المصدر: "النهار"
سليمان العقيلي- كاتب سعودي
محمد بن سلمان وجيل الشباب يقودون الدولة السعودية الرابعة
محمد بن سلمان وجيل الشباب يقودون الدولة السعودية الرابعة
A+ A-

ينظر المراقبون الى التطورات التي تشهدها المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن باعتبارها تحولات تاريخية، لأن الجيل الجديد الواصل الى الحكم الآن هو الجيل الثالث من ذرية الملك عبدالعزيز بعد هرم او رحيل أبناء الملك المؤسس، وبالتالي فان هذا الجيل الذي تأسس تعليمياً وفكرياً على برامج الحاسوب وأجهزة الاتصال الذكية سيعمد الى تغييرات هيكلية في جسم الدولة، وهو ما لاحظناه خلال عامين ونصف عام من تجربة ولي العهد الامير محمد بن سلمان في الحكم . 

لقد بدأ الادماج الحقيقي لشباب الأسرة المالكة في السلطة في عهد الملك فهد بداية الثمانينيات عندما تم تعيينهم على نطاق واسع امراء ونواب امراء للمناطق الادارية التي توفر لهم صلاحيات الحكم المحلي. جاء ذلك بعد التجربة الاولى الفريدة في عهد الملك فيصل عندما تبوأ الامير خالد الفيصل امارة عسير بداية السبعينيات. بينما اتسم عهد الملك خالد بصيغة الحكم التوافقي عندما أسند الى اخوانه امارات المناطق ومناصب وزارية. وعزز عهد الملك عبدالله فكرة انخراط الشباب فكان ان ادخلهم في صلب المؤسسات الوزارية، ودلفوا الى مجلس الوزراء بشكل اوسع من ذي قبل .

كان من الواضح ان الملك سلمان هو الأكثر جدارة وقدرة على التغيير التاريخي لمؤسسة الحكم السعودي الذي سمح بدخول جيل الأحفاد للخلافة السعودية بفتح ابواب الحكم للامير محمد بن سلمان والعشرات من أبناء جيله من شباب الاسرة الحاكمة. فقبل ان يكون ملكاً عرف الأمير سلمان بأنه عميد الاسرة المالكة ومرجعها العائلي والتاريخي. والقادر على تدوير دواليب الحكم .

وكان قرب الامير محمد من والده الملك سلمان منذ ان كان اميراً للرياض قد اتاح له فرصة النهل من مدرسة الملك سلمان التي عرفت بحكمتها وقدرتها الفائقة على إرساء التوازنات سواء داخل العائلة المالكة او داخل الحكم السعودي، وكان يطلق على الملك سلمان عندما كان اميراً، لقب مستشار الملوك ويدهم اليمنى، خصوصا في عهد الملك فهد الذي حكم البلاد لعقود. هذه التجربة الفريدة للملك استفاد منها ابنه الامير محمد الذي تعلم كيفية خوض هذه التحولات المذهلة في قواعد الحكم دون متاعب وبسرعة ما كان لها ان تتحقق لولا المهارة السياسية لولي العهد الجديد الذي استطاع بها تجاوز عقبتين مهمتين هما ولي العهد السابق الامير محمد بن نايف الذي كان يمسك بالمؤسسة الامنية ونال اعجاب الولايات المتحدة في حربه على الارهاب ، وكذلك ولي العهد الاسبق الامير مقرن بن عبدالعزيز الذي اصبح رئيس هيئة البيعة (بعد وفاة رئيسها الامير مشعل بن عبدالعزيز) ، وسهل على ما يبدو وصول الامير محمد الى بوابة الحكم مرتين . مرة بتنازله عن ولاية العهد ليكون الامير محمد وليا لولي العهد ومرة بتمهيد الطريق لموافقة هيئة البيعة على ترشيح الملك لابنه وليا للعهد . ولم يكن حدس الامير مقرن في الامير الشاب سرابا فقد نجح محمد بن سلمان في نسج اثنين من اقوى التحالفات السياسية هما التحالف العربي والتحالف الاسلامي و رمم العلاقة مع واشنطن التي لازالت تعاني من انعكاسات 11 سبتمبر و خلال شهرين من الاتفاق مع الرئيس ترامب هندس قمة عربية اسلامية مع واشنطن قصد منها ان تدفن الشكوك الامريكية تجاه الاسلام .

صحيح ان حرب اليمن التي يقودها الامير محمد ومعه نخبة الامراء الشباب في الجيش السعودي لم تنجز جميع أهدافها حتى الآن لكن من ذا الذي يمكنه ان يرى نهايات لجميع أزمات المنطقة التي انفجرت منذ 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن بل الصحيح انها تتفاقم و تتعقد وتتتشظى لتكون بيئة مؤدية لتقسيم الدول العربية الثورية . بينما المملكة العربية السعودية تغيّر شرايين جسدها لتنبض بالحيوية بعد عقود من حكم الأمراء كبار السن الذين كانوا يتريثون بكيفية نقل الدولة الى الجيل الثاني، حتى جاء الملك سلمان ونقل الحكم الى الجيل الثالث .

الحقيقة ان مسألة العمر كمعيار لتسلم الحكم بين الامراء المؤهلين كانت العائق الرئيس في تأخر تسلم الجيل الثاني للحكم في المملكة . ولم تكن هناك جرأة كافية لتغيير معايير قديمة كانت ستؤدي بالحكم السعودي الى الهرم . لكن رحيل القوى المؤثرة التقليدية في الحكم السعودي بوفاة عدد كبير من ابناء الملك المؤسس، الى جانب كاريزما الملك سلمان اسهما كلاهما في تغيير موازين القوى مما رجح تعديلاً في معايير الترشيح للخلافة السعودية يسر الانتقال التاريخي لجيل الاحفاد بالسهولة والسلاسة التي شهدها العالم اجمع صباح الاربعاء 21 حزيران 2017 صحيح ان العمر سيبقى قيمة رفيعة في علاقات الاسرة الحاكمة ولن تنهار تقاليد سعودية عريقة رسختها مفاهيم اجتماعية وثقافية ضاربة ، لكن الصحيح ايضا ان العمر نفسه الآن هو الذي سييدفع بالشباب الى مؤسسات الحكم و دوائر الدولة، وهو الذي ربما يبعث الساسة القدامى للتفكير بالتقاعد والخلود للراحة.

وبهذا يتأكد للمراقب ان السعودية دخلت الآن عهد السياسة الفتية التي يقوم عليها الشباب المتعلمون في ارقى الجامعات السعودية والغربية والمجيدون لأكثر من لغة الذين يديرون أعمالهم عبر الاجهزة الذاكية .

هذا يعني تحوّلات هائلة ستشهدها السعودية في المستقبل المنظور ليس في السياسة والاقتصاد فحسب بل بما تنتظره البلاد من تحوّلات مجتمعية و ثقافية ستسهل عمل ورش تنفيذ "رؤية 2030" للوصول الى الدولة السعودية الرابعة التي سيديرها الشباب والمرأة و القيم الاقتصادية النيوليبرالية التي ستجعل السياحة رديفا للنفط قبل ان يتحوّل الاخير الى المتحف الوطني .


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم