الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

وكان الإنسان... الخير لخيره والشر لشره

ريموندا حداد
وكان الإنسان... الخير لخيره والشر لشره
وكان الإنسان... الخير لخيره والشر لشره
A+ A-

الذات في العمق الإنساني الكينوني، وحدوية بنسبة ليست في المطلق، ولكنّها عاليةُ إلى حدّ ما. وهذا العلوّ، في النسبة، هبةُ مباركةُ قد لا تكون، لكثيرين، وهذه القلة من الكثرة، هي التي أُعطي لها، أن تكون من الداخلين، من الباب الضيّق، باب الملكوت. 

وينطبق ذلك على قول الرب:" لأسهل على الجمل أن يدخل من خرم الإبرة، على أن يدخل غنيّ ملكوت السماوات". وما الغنى، إلا نزوة طمع جامحة، سوّلت للذات أن التملك بمادية طاغية، باب واسع لحياة الروح والجسد معاً. والله عندما قصّر عمر الإنسان، فلأن الفطرة الإنسانوية تنزع إلى الشرّ منذ حداثتها...

وليس غريباً، من جراء ذلك، أن تنقسم الذات الوحدوية، إلى قسمين: قسم للشرّ من شرّه، وقسم للخير من خيره. وكما كل بيت ينقسم على نفسه يخرب، هكذا الذات، في انقساميتها، تولّد صراعاً عاتياً، ومدمراً. للذات فلكليّة الكائن، وللفرد فلكليّة المجتمع.

أيّ صراع ذاتي، ليس لعبة بشريّة، لتسجيل نقاط، وإنمّا نقاط، لتحطيم اللعبة بمعانيها الحياتية، والاجتماعية، والروحية. هو تفسّخ، وكأن الريح الجافة، هاجمت، بمعية خطيئة ملتهبة حارقة، جذعاً ما فتئ أن غدا، في تكوّمية الرماد، في مشروعية الاندثار والتلاشي والانحلال.

أما ما يخصّ الجهل تارةً، والتجاهل طوراً، فهما من مجبولية روح طغت عليها المادة، فأعمتها، ولا شفاء لعينيها إلا بمياه بركة "بيت حسدا" .

فعلى الإنسان السوّي، أن يتصالح مع ذاته، ليتصالح مع روحانية الكون.

وعن الحرب الدائرة بين قطبين اثنين، قطب روحي، وآخر مادّي، فهي تطاحنية في معظم جولاتها. فهنا قطبُّ روحيُّ، يرى في الروحانية خلاصاً أكيداً، من تحجر كامن في النفس، وبعيد كل البعد، عن التفكك، للتخلص من قيدٍ مكبّلِ ومعرقلِ، وجامد، بفعل ارتباطات مادية، أو إغراءات جسدية، أو مجدوية أرضية إذا جاز التعبير، وهناك قطب، لا يشبه إلا غصناً يابساً، لا تهاجمه الريح، لأن لا قدرة لها عليه، وإنما تهاجم الأخضر، فتلويه، وتنتّف أوراقه تنتيفاً. إن المفعولية، في قطبٍ، تولاه الغرور، والكبرياء، والتشاوف الذاتي والنفسيّ في آن، إلى التيقّن الأجوف، أن المركز الروحي المحاط به في أحايين كثيرة، بالجاهية الدنيوية، والممرّات الشخصية، والتي يسمح له غطاؤه الروحي بعبورها، هي التي ترتدّ على القطب الموجه والمرشد والمحب للآخر، تجرداً، وغيرةً، ومحبة، وخيبة أملٍ، وشعوراً بالأسى والألم صعباً وموجعاً لمصير قطبٍ وجهه الأوضح والجليّ، نهاية محتومة، وتدمير أكيد، وسقطة اجتماعية لا ترحم، لأنه انزج في هذه الاجتماعية السيئة والملعونة، التي تتشوق لغارقين فيها، لترى في الظلمة نوراً وفي الموت حياةً. إن ما يوجع، تراكمية طاغية، في آخر، لا يفتح عينيه للنور، كأن النور، قد يذكره بعيبه، وبجنوحه، وبغرقه في بحر الشهوة، هذا البحر، الذي لا يتموّج إلا بالأسماك الميتة، التي تلوثه وتحيله الى مستنقع آسن.

القطبان في هذا الصراع، في مأسوية خانقة. الروحي الموجّه، سام بتطلعاته إلى فوق، وحازم بانتشال الساقطين في هوّةٍ، واللاروحي صادم، ومخدوع، ومحارب بشراسة، والفوقية تعتّم عليه أيّ طريق، قد تكون له حافزاً لنقد ذاتيّ، يكشف له أولوية ما يجب أن يكون عليه، وانتساب طوعي، لدعوات شريرة وشيطانية قاتلة.

أما الخصومة المركومة بين إنسان في ملء الإيمان والخير، إلى شرٍّ يحيق به من كل جهةٍ، فهو صعبٌ وهيّن في آن. صعبٌ في حالة الاستجابة للشرّ، والتلهي معه، والغنيمة، التي لا رفضيّة فيها على الاطلاق. وهيّن على من يدرك أن تكديس ما للسوس، زائل وفانٍ. وتكديس ما هو للخلاص وللحياة الروحيّة، باقٍ وخالد، فيسمو عمّا هو مؤذٍ للكرامة الروحية، والاجتماعية، وينزع من أعماقه أي ميول قد تكون نعمةً كاذبةً للجسد، وموقتة، ونعمةً للروح ودائمة. يتجلى بحبٍّ روحي، فيترفع عن مفهومية الجسد ونزواته، ومن ذلك له الخدمة حُبّاً بالله، ووصايا الله، كيفما كان المخدوم ومهما كان.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم