الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رياض سلامة وكرة النار

بهيج الخطيب- خبير ومستشار مصرفي
رياض سلامة وكرة النار
رياض سلامة وكرة النار
A+ A-

"مرتا مرتا تتلهين بأمور كثيرة والمطلوب واحد"! 

أما وقد جُدّد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وارتاحت النفوس القلقة على وضع العملة الوطنية والجهاز المصرفي اللبناني، وكأن المشكلة الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان تختصر بشخص الحاكم وترتبط بسياساته وما يضعه من هندسات مالية تهدف الى لملمة الجراح التي تثخن جسم الاقتصاد والمالية العامة اللبنانية، آن لنا أن نستذكر المثل القائل: "راحت السكرة وإجت الفكرة".

إن ما يدعونا الى تذكر هذا المثل الشعبي بعد هدوء العاصفة التي سبقت التجديد للحاكم هو ما آل إليه الوضع المالي في لبنان نتيجة لسوء أداء الطبقة السياسية الحاكمة، مما يدفعنا الى طرح التساؤلات التالية:

- هل يفترض بمصرف لبنان أن يتحمل وزر سوء أداء هذه الطبقة؟ والى أي مدى؟

- وماذا كان سيحصل لو لم يلجأ حاكم مصرف لبنان الى ما اتخذه من إجراءات "مكرهاً أخاك لا بطل"؟ وما هي الخيارات البديلة؟

- ولماذا لا تتحمل هذه الطبقة مسؤولياتها انطلاقاً من الحس الوطني بوجوب خدمة الشعب والوطن عملاً بخطاب مشهور للرئيس الأميركي الراحل جون ف. كينيدي الذي اغتيل في العام 1963 حيث خاطب الأميركيين بهذه الجملة الشهيرة: "لا تسألوا عما يستطيع بلدكم أن يحققه لكم، بل اسألوا انفسكم عما يمكنكم فعله لبلدكم".

لنعد الى صلب المشكلة بعد أن راحت السكرة: إن ما تعانيه مالية الدولة هو هذا الكم الهائل من العجز الذي سوف يتجاوز الخمسة مليارات دولار في السنة الحالية (نحو 9% من إجمالي الناتج المحلي)، وهو يفوق ثلاثة أضعاف الحد الاقصى المسموح به وفقاً للمعايير الدولية (أي 3% من الناتج المحلي).

 إن هذا العجز الذي تتم تغطيته بالمزيد من المديونية ينتج تنامياً مفرطاً في حجم الدين العام، الذي تجاوز 75 مليار دولار مع نهاية العام الماضي (أي ما يقارب 145% من إجمالي الناتج المحلي الذي يقدر بمبلغ 54 مليار دولار).

تتركز أسباب هذا العجز في أبواب الإنفاق التي تحمل في طياتها كثير من الفساد والتشوه والإهدار، فضلاً عن خدمة الدين العام، وعجز مؤسسة كهرباء لبنان.

ومن الطبيعي ان يمول عجز الموازنة من خلال: ضبط النفقات وزيادة الإيرادات، أو الإستدانة من القطاع المصرفي ومن الجمهور، أو اللجوء الى مصرف لبنان .

في الواقع لم يعمل المسؤلون بعد انتهاء الحرب الأهلية على زيادة الإيرادات ولا على ضبط النفقات لتحقيق التوازن في الموازنة، بل أخذت الدولة تعتمد على الجهاز المصرفي لتمويل العجز، وساعد تباطؤ الاقتصاد وعدم الاستقرار الأمني على توافر الفوائض في السيولة لدى المصارف نتيجة للزيادة الملحوظة في الودائع وضعف فرص الإستثمار، فاستخدمتها بشراء سندات خزينة، ووجدت بذلك فرصة لتوظيف فوائضها.

وبذلك وصلت مساهمة القطاع المصرفي في الدين العام الى 45 مليار دولار مع نهاية العام الماضي (أي 60% من اجمالي الدين العام) ، أما مصرف لبنان فقد ساهم بدوره بأكثر من 22 مليار دولار، وشارك الجمهور بما يقارب 8 مليارات دولار من مجموع الدين العام.

إزاء هذا الواقع لا بد لنا من وضع أسوأ السيناريوات المحتملة في محاولة لتسليط الضوء على جوهر المشكلة والبحث عن سبل مواجهتها:

- ماذا لو تراجع معدل زيادة الودائع في المصارف أو تعرضت لحملة سحوبات لأسباب داخلية او خارجية، وتراجعت تالياً قدرتها على تمويل عجز الموازنة.

- كيف ستواجه الدوله مسألة تمويل هذا العجز عندئذ؟ وهل ستلجأ الى مصرف لبنان لسد هذه الفجوة في ظل غياب التمويل الخارجي؟ وما هي الآثار التضخمية المترتبة على هذه الخطوة؟

- ماذا سيكون موقف مصرف لبنان في هذه الحال؟ هل يستطيع حاكم مصرف لبنان المغامرة برصيده وسمعته التي بناها على مدى 24 سنة والتي ارتكزت على المحافظة على استقرار سعر صرف العملة الوطنية، وضبط التضخم، وتأمين معدل نمو اقتصادي مقبول ضمن الظروف السائدة؟ وتالياً الإقدام على سد ثغرة التمويل هذه وتحمل نتائجها؟

هنا يكمن الخطر الحقيقي الذي يجب التنبه له.

في الواقع أن رياض سلامة، يتصرف كمن يحمل كرة النار بين يديه ويقذف بها الى الأمام لتفادي مشكلة متوقعة إذا لم يتنبه المسؤولون الى سوء أدائهم والى خطورة تعاميهم عن الخطر القادم المحتمل، واستهتارهم بأصول الإدارة المالية السليمة للدولة، وقد يضطر الى رمي هذه الكرة في وجه هؤلاء الساسة قبل أن تحرق يديه، وعندها سوف تحرق الجميع.

أما الهندسات المالية التي أجراها ويجريها مصرف لبنان، فبالرغم من أهميتها وما تنطوي عليه من مهنية وذكاء وبعد نظر وحنكة، إلا أنها تبقى مسكنات موقتة لمشكلة مزمنة أدت الى خلل هيكلي في بنية المالية العامة باتت اسبابه معروفة للجميع.

وبات على المسؤولين التنبه لخطرها، فالتهرب من تحمل المسؤولية وعدم وضع الإصبع على الجرح النازف يفاقم المشكلة.

إننا نوجه هذا النداء الى سعادة الحاكم، متمنين عليه أن يدق ناقوس الخطر لوضع المسؤولين امام مسؤولياتهم الوطنية، حتى لا يضطر الى تكرار تجربة الحاكم السابق الدكتور أدمون نعيم الذي أعلن توقفه عن الدفاع عن الليرة في العام 1986 بعدما وصل احتياط مصرف لبنان الى حده الأدنى تاريخياً.

وكذلك تجربة الحاكم السابق الشيخ ميشال الخوري الذي انسحب من السوق في العام 1991 لنفس السبب، مما أدى الى انهيار مخيف في سعر صرف عملتنا الوطنية.

فكلنا في مركب واحد، وقد نغرق جميعاً عند أول انتكاسة، وقد ينهار الهيكل على الجميع.

 وإلا قد يصح القول: على من تقرأ مزاميرك يا داوود!


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم