الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

البعث العراقي مجموعة مشاريع وأفعال للمقابر الجماعية ولتفتيت العظام الآدمية: هذا ما قاله محمد مهدي الجواهري لأسعد الجبوري في "بريد السماء الافتراضي"

أسعد الجبوري
Bookmark
البعث العراقي مجموعة مشاريع وأفعال للمقابر الجماعية ولتفتيت العظام الآدمية: هذا ما قاله محمد مهدي الجواهري لأسعد الجبوري في "بريد السماء الافتراضي"
البعث العراقي مجموعة مشاريع وأفعال للمقابر الجماعية ولتفتيت العظام الآدمية: هذا ما قاله محمد مهدي الجواهري لأسعد الجبوري في "بريد السماء الافتراضي"
A+ A-
عندما رأينا الشاعر محمد مهدي الجواهري في تلك البقعة من السماء، أدركنا حجم التبدل الذي طرأ على شخصيته، يوم كان موجوداً على الأرض. فقد ظهر التبدل على جسمه بسبب زيادة في الوزن. أما شكل الوجه البشوش وتقاسيمه، فكانت تميل إلى ان الشاعر عاد إلى الوراء سنوات وسنوات. وجه فارقته النظارات الطبية فقط، وباتت مساحته محررة مما كان محجوباً في الماضي. كان الشاعر محمد مهدي الجواهري بشورت متعدد الألوان. وبقميص أحمر مكتوب عليه: "هنا مركز الزلزال". كأن ذلك الشاعر المشاكس لا يزال في مراهقة دائمة. رأيناه يمسك بالمضرب، ويمارس اللعب بكرة الريشة مع مجموعة من الفتيات اللائي كنّ منشغلات بصدّ كرات الشاعر الملتهبة الثقيلة قرب شطّ يقع على مقربة من طاوية عظيمة من المرمر الأبيض كانت تنعكس عليه موجاتٌ لازوردية تنبعث منها موسيقى لم نستمع إلى مثيل لها من قبل. شعرنا في البدء، بأن الاقتراب أكثر فأكثر من اللاعب المتمرس الهائم بزلازل تلك الصدور المنسوجة من الينابيع، ربما يربك المشهد. لكن الجواهري بدهائه ومكره، ألقى بالمضرب أرضاً وتقدم نحونا، فيما كنا نقوم بتصويره لقطات زوم. صافحنا وجلست إلى الطاولة مبتسماً، وهو يقول: كما ترونني الآن، أريد أن اطلع الفرق وألعب رياضة، طالما حُرمت منها على وجه تلك الأرض هناك. * لكنك مارست الرياضة الأخطر هناك، يا أبا فرات؟- لا تُسمِّ الشعر رياضةً. فهو ليس غير تمارين في الجحيم.* أي الأرضين صاغت الجواهري شاعراً عملاقاً بهذا القدر من القصيد، أهي أرض النجف أم تربة الشعر؟- أرض النجف. ليس من شكّ في ذلك. فهي التربة الأولى التي تشبعتُ من نسوغها النحو والصرف والبلاغة والفقه، إلى جانب التداخل الروحي مع أبي الطيب المتنبي و"البيان والتبيين" و"مقدمة ابن خلدون" ودواوين الشعراء العرب، ممن بلغوا الجبال بقاماتها، وصار بعضهم من القمم.* فقط؟ !- ليس هذا كله كما يمكن القول. فقد كنت منذ بدايات ما بعد الطفولة، أتلمس الحياة تلمس المتيّم بحديقة غناء من الكلمات. لذلك قدرتُ إلى حد ما أن أجعل بنيان جسدي موازياً للبنيان الشعري الذي كنت أنصتُ إلى جداوله وإلى أهواله مبكراً. فالنجف لم تمنحني الفرصة الوافرة لرضاعة الشعر وحسب، بل دفعتني إلى الكثير من التجارب غير المتعلقة بالجانب الأدبي. هناك كانت الطواحين والصراعات المولّدة لمختلف الإرهاصات التي عادةً ما تقود إلى الجانب الشعري في نهاية المطاف.* وربما بسبب الضجر المبدئي من طقوس الثقافة الدينية التي ألبسوكَ إياها في تلك المدينة المقدسة الشريفة؟- ليس في هذا الاستنتاج من جهد قيّم يدل على الواقع. فأنا والنجف، كلانا كنا نتطلع للخروج من عنق الزجاجة إلى الفضاءات الأوسع. فالعمامة التي وجدتها موضوعةً يوماً على رأسي، كانت تُشعرني كما الكابوس بالضيق والانحسار. كذلك تلك المدينة، كانت دائمة المحاولات للخروج عن سراديب الحبس والقراءات المُكبّلة والتوسع في الاجتهاد طولا وعرضاً.* لكنك سرعان ما استبدلتها بعمامة أخفّ. فما الفرق؟- العمامة الأولى كانت رمزاً دينياً، فيما الحطة أو الكوفية المشغولة بالكلمات والرسوم الزخرفية التي استقرت على الرأس ردحاً من الزمن لا تغتني إلا بالبعد الجمالي .* كأن لا بد من مظلة أو من خوذة لحماية رأس الشاعر، خشية تساقط أحجار الدهر عليه. أليس كذلك؟- هذا كلام دقيق. فرأس الشاعر حتى وهو في أعلى درجات الهدوء والصمت والتأمل، يثير في الآخرين فزعاً ما. ليس عندي من شعر دون نار أو مشاكسة أو قلق. لقد بُنيت حياتي كلها على تلك الأسس. فعلى أرض الشعر خضتُ حروباً لا تزال تدمي القلب. مع ذلك خرجت منتصراً، بعدما صنعت من القصائد مدافن عظيمة لكل من لا يليقون بالتاريخ.* أيهما تقصد: حروب الهجاء أم المديح؟- كلتاهما. فما من مديح إلا ويقود إلى شارع فرعي من الهجاء، ولو بطريقة ما.* هل توفر تلك اللعبة - الحالة براءة من ذنب قد تحسّ بأنك ارتكبته من جراء مديحك لهذا الشخص، أو تبرئة من موقف قد لا يليق بشاعر مثلكَ؟ بمعنى آخر، ألا تشعر بأن عوالم الهجاء والمدائح أدوات تُضعف الشعر أو تقوّض جمالياته؟- لا يظن أحدٌ أن الجواهري كتب يوماً تحت طائلة الخوف أو التزلف، لأنني كنت مصدراً من مصادر الخوف بعينه، مذ شاركت في ثورة العشرين ضد السلطات البريطانية المحتلة للعراق، أي يوم كنت في عنفوان الشباب.* وهل كان ذلك بسبب التكسب بالشعر، علماً بأن أحداً لا يملك معلومات عن هذه الفكرة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم