الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ما صحة أن قانون الانتخاب الجديد هو وليد إرادة "حزب الله" حصراً؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
ما صحة أن قانون الانتخاب الجديد هو وليد إرادة "حزب الله" حصراً؟
ما صحة أن قانون الانتخاب الجديد هو وليد إرادة "حزب الله" حصراً؟
A+ A-

هل صحيح ما سرى في الساعات الماضية بعد اعلان توافق القوى الممثلة في الحكومة على قانون الانتخاب الجديد من ان هذا المولود السياسي هو وليد ارادة "حزب الله" وحده، وان الحزب هو الرابح الوحيد منه؟ 

وقد ترافق ذلك مع استنتاج قطعي خليجي المنشأ فحواه ان الحزب هو في نهاية المطاف "من فرض عبر اقرار القانون ارادته على الجميع".

من البديهي الاشارة الى ان عملية التنقيب والحفر عن الطرف المنتصر والطرف الخاسر في اقرار هذا القانون قد بدأت منذ فترة، وبالتحديد مذ لاحت في الافق طلائع التوافق الوطني على قانون انتخاب يعتمد النسبية على اساس 15 دائرة مع الصوت التفضيلي في القضاء. فالامر صار في نظر المراقبين ولكثرة ما رافق مخاض استيلاد القانون من عمليات شد حبال وسجال مدوٍ، مجرد فرْضِ ارادات من دون الالتفات الى ان استيلاد القانون قد طوى صفحة ازمة سياسية أسرت الوضع السياسي برمته لأعوام خلت وأدخل تطويراً وتحديثاً على دورة الحياة الديموقراطية في البلاد وفتح الابواب على أفق تطوير واصلاح مستقبلي.

واستكمل الامر اخيرا بنَسْبِ المولود السياسي، اي قانون الانتخاب، الى أب سياسي واحد أحد هو "حزب الله". لا ريب في ان هذا الاعتقاد استقى شرعية إثارته ومناقشته من خلال مبادرة قوى اساسية في البلاد الى نوع من التبرؤ والتحلل من "دم هذا الصدّيق" عبر اعتباره فعلا لم ينل رضاهم التام ولا مباركتهم الكاملة تحت عناوين شتى. فعلى سبيل المثال، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري الامر بانه "افضل المستطاع"، فيما استخدم "تيار المستقبل" عبر زعيمه الرئيس سعد الحريري مصطلح "افضل الممكن" في وصف القانون الجديد. وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الاكثر سلبية ووضوحا في اعتراضه عندما اعتبر ما حصل مجرد "تسوية الامر الواقع"، وانه اقبل عليها حرصاً منه على "التوافق". وفي الوقت عينه لم يبدِ "التيار الوطني الحر" كبير حفاوة بهذا التطور، اذ كانت مقاربة رئيسه الوزير جبران باسيل باردة نوعا ما مراهناً على مزيد من النضال لتصحيح التقصير والخلل.

ويشبّه سياسيون مخضرمون هذا المناخ التشكيكي المشوب بالحذر وعدم الرضى التام بالمناخ الذي ساد غداة اقرار اتفاق الطائف عام 1989، اذ اصر الجميع يومذاك على وصف ذلك الاتفاق بأنه "اتفاق الضرورة"، فكان ذلك بمثابة ربط نزاع وتسجيل تحفظ للتاريخ يتيح لهم امكان الطعن بهذا الاتفاق غب الطلب او اذا ما اقتضت الحاجة.

تلك المروحة الواسعة المتحفظة والتي برزت خلال الساعات الماضية عن قانون الانتخاب الذي ابصر النور اخيرا، أوحت وكأن الراضي الوحيد او غير المتحفظ عن هذا القانون هو "حزب الله". وذهب البعض الى حد الايحاء والتصريح بانه ولد تحت وطأة الضغوط التي مارسها والنهج الذي اتّبعه، وتجلت ذروته في اللقاء الذي جمع ذات ليلة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ورئيس "التيار البرتقالي" الوزير باسيل، والذي على اساسه خرج المراقبون باستنتاج ان الامر قد قضي، وان اللقاء انهى "مشاغبات واعتراضات" باسيل ووضع حداً لشطحاته.

تلك هي اجزاء من وقائع عززت اعتقاد البعض بأن القانون الجديد هو فَرْضُ عين من الحزب وبرهان آخر على ان الشعارات التي يرفعها بداية ويصر على تمسكه بها تصير في خاتمة المطاف الكلمة الفصل او القضاء الذي لا رادَّ له.

الاكيد ان ثمة من يرى في هذه القراءة لونا من الوان الغلو والمبالغة وتضييعا للوقائع. واصحاب هذا الرأي يقولون في معرض دفاعهم إنه في الاستحقاقين الاخيرين، اي ملء الشغور الرئاسي واقرار قانون الانتخاب، فازت خيارات الحزب، لكن الامر لم يكن فرضاً بقدر ما ان الحزب كان في المرتين وفياً لالتزاماته من جهة وقارئا محترفا للوقائع والمعطيات وموازين القوى من جهة اخرى. فالحزب تمسّك بعون مرشحا حصريا للرئاسة الاولى لانه كان يذهب الى خيار الاقوى في طائفته، وانه بذا يبدد نهائيا فكرة تهميش المسيحيين في القرار الوطني.

وفي موضوع الصراع لاستيلاد قانون الانتخاب، يوشك الحزب ان يكون القوة الوحيدة من بين القوى الخمس الكبرى التي تمسكت حتى النفَس الاخير بمبدأ النسبية اساساً لأي قانون جديد، فيما الآخرون بمن فيهم حلفاء، تذبذبوا في خياراتهم في مراحل معينة ولم يكن لديهم مانع في العودة الى قانون الستين.

وفي دوائر القرار في الحزب من يقول انه تمسك بهذا الرهان ليس من قبيل فرض ارادته او فرض امر واقع على الجميع بقدر ما ينطلق من اعتبارات وحسابات بعضها استشرافي وعنوانه العريض ان هذا الاستعصاء والتأزم اللذين ينتابان المشهد السياسي بين فترة واخرى لن يتم التخلص منهما إلا عبر وضع قانون انتخاب جديد يعيد صوغ الحياة السياسية والديموقراطية على اسس جديدة تفتح اوسع ابواب التمثيل السياسي وتفتح امام الاجيال الطالعة اوسع ابواب الوعود.

وبذا، يضيف هؤلاء، ان الحزب جارى من البداية نبض الشريحة الاوسع الراغبة في تجريب النسبية، او بمعنى آخر الراغبة في تلافي الازمات التي عادة ما تضع البلاد امام شفير الاحتراب الاهلي. في حين ان الآخرين اخطأوا في رهانهم على المراوغة والمماطلة لإعادة الروح الى القانون النافذ.

وفي رأي المتخصص في القضايا الانتخابية عبده سعد "ان الامور تقاس عادة بخواتيمها ونتائجها، فكل الاحصاءات والاستبيانات توحي بان القانون الجديد لن يعطي نتائج حاسمة ترجح كفة اي مكون سياسي على الآخرين، وان كانت ستعيد الاكثريات الحالية الى حجمها الطبيعي بعدما افضت ظروف ومعطيات سابقة محتدمة الى انتفاخها وتورّمها خصوصا في انتخابات 2009. وفي الحصيلة فان النتائج المتوخاة في الانتخابات التي ستجرى على اساس القانون الجديد ستكون متقاربة بين اصطفافي 8 و14 آذار مع رجحان متواضع للفريق الاول".

ويختم سعد: "الايجابية الكبرى للقانون الجديد هي انه سيحررنا من النظام الانتخابي الاكثري الظالم، لكنه لن يعتقنا من طغيان الاكثريات". وبذا يمكن الاستنتاج ان القانون الجديد سيعطي الاحجام الحقيقية للمكونات السياسية في البلاد بما فيها "حزب الله" وحلفاؤه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم