الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

نابوليون الثالث طلب من الموارنة شراء أسهم في قناة السويس

المصدر: "النهار"
Bookmark
نابوليون الثالث طلب من الموارنة شراء أسهم في قناة السويس
نابوليون الثالث طلب من الموارنة شراء أسهم في قناة السويس
A+ A-
عقب توقيع معاهدة عام 1840 مباشرة كانت الخطوة البريطانية الاولى هي تمهيد الارض في سوريا أخذاً في الاعتبار ان فلسطين في ذلك الوقت كانت بأكملها ولاية من ولايات الشام. وكانت اول حركة قام بها رئيس وزراء بريطانيا بالمرستون ارسال منشور سري الى كل قناصل انكلترا في دمشق وحلب والقدس وبيروت وحيفا - يقول فيه بالنص ما يأتي: "اننا خرجنا بعد هزيمة محمد علي واخراجه من الشام (Levant) ونحن والاتراك حلفاء وبيننا تعاون لا بد ان نحرص عليه، ونحن لن نخذلهم في أمره. ولكن ذلك يجب الا يمنعنا من تنفيذ ما تقتضيه سياستنا في المنطقة. ان الاتراك يعرفون ما ينبغي عليهم عمله حيال اليهود في هذه المنطقة، ولكنه من المتعين علينا ان نتابع ذلك بجهد منظم هدفه ان نتأكد من ان اليهود لا يتعرضون هناك لأي تمييز ضدهم او اضطهاد. ونحن مطالبون الآن بأن نجعل اليهود يثقون بنا، وان يتأكدوا من ان حكومة انكلترا تعتبر نفسها مسؤولة عن سلامتهم وراغبة في حمايتهم ومصممة على ذلك. انني ارى انه من الضروري ان يكون هذا التعهد معروفاً لكل اليهود في الشام، بما في ذلك اليهود من رعايا دول اخرى غير انكلترا. ولا بد ان يعرف اليهود النمسويون او الفرنسيون او الاوروبيون بصفة عامة انه يحق لهم ان يلجأوا الى القنصل البريطاني لحمايتهم في حالة تقصير قناصل دولهم الاصلية عن توفير هذه الحماية. فكلهم يجب ان يستقر في وعيه ان انكلترا هي حامية اليهود". وبالفعل فان توجيهات بالمرستون كما وردت في منشوره بدأ تنفيذها في الشام بهمة استدعت ان يقوم حاخام القدس باسم سكانها اليهود بارسال حجاب واق من الشر الى الملكة فيكتوريا، وقد سلم لها الحجاب فعلاً عام 1849، وجرى ذلك عقب مؤتمر يهودي صغير عقد في لندن برعاية عائلة روتشيلد، وانتهى الى اعلان مطلبين: 1- اعلان قبول "يهود العالم" - !! - الحماية الانكليزية لهم حيثما كانوا. 2- التوجه بالرجاء للحكومة الانكليزية ان تسهل لليهود استعمار فلسطين على نمط ما يحدث في مناطق اخرى. وكان المقصود بهذه الاشارة الى "مناطق اخرى" حركة الاستيطان الاوروبي الدائرة وقتها على قدم وساق في جنوب افريقيا واوستراليا وكندا. فقد كان ذلك عصر الهجرات الاستيطانية المسلحة، وكان اليهود يطلبون المعاملة بالمثل في ما يتعلق بفلسطين. ويكتب اللورد شافتسبري في مذكراته: "ذهبت ومعي البارون روتشيلد لمقابلة بالمرستون. وكان روتشيلد مؤثراً الى ابعد درجة وهو يقول لبالمرستون مشيراً الى خريطة كانت امام رئيس الوزراء: "انكم طردتم محمد علي من هنا" (مشيراً الى الشام Levant) ولكنكم تركتم بعده فراغاً. ان الاتراك عادوا الى الشام بعد رحيل محمد علي، وكل الناس يعرفون ان السلطان مهزوم وانه ما كان يستطيع العودة الى دمشق الا بفضل قوتكم. ولذلك فحكمه في الشام ضعيف، والاحوال فوضى، والطوائف تتناحر، وهناك فراغ لا شك فيه". ثم وصل روتشيلد الى الذروة الدرامية في حديثه حين قال لرئيس الوزراء: "انكم خلعتم من هنا قوة شريرة، لكنها كانت مسيطرة وقادرة على ضبط الامور. والآن يتحتم عليكم ان تضعوا بدلاً من ذلك قوة اخرى تسيطر وتضبط الأمور ولا تكون شريرة... وطن قومي لليهود". كان رئيس وزراء بريطانيا يتلقى تقارير عن الاحوال في سوريا من مصادر مختلفة كان بينها السير موسى مونتيفيوري، وهو شخصية بريطانية معروفة في ذلك الوقت بنشاطها في مجال الجمعيات الخيرية. وقد تكررت رحلاته الى الشرق، بما فيها سبع زيارات لفلسطين. وكان الهدف الواضح لاهتمام مونتيفيوري بالشرق العمل على فتح ابواب هجرة اليهود الى فلسطين، متأثراً في ذلك الوقت بمناخ عام اتسع تأثيره في لندن. وفي اول زيارة لمونتيفيوري الى المنطقة سنحت له الفرصة لأن يقابل محمد علي (باشا) في مصر وان يتحدث اليه في موضوع هجرة اليهود الى فلسطين، وكانت في ذلك الوقت تحت حكمه... ولاية من ولايات سوريا. وكان رد محمد علي - طبقاً لكتابات مونتيفيوري ولليوميات المنظمة التي كانت تكتبها زوجته: "انه شخصياً يتفهم ما يسمعه من السير موسى (مونتيفيوري) ويتعاطي مع ما يعانيه اليهود في اوروبا - لكن القرار في شأن فتح ابواب فلسطين لهجرة اليهود اليها هو امر يتصل بسلطة الخليفة العثماني". ويمكن استنتاج ان والي مصر الذكي راودته الشكوك حول حقيقة ما يعرض عليه ودوافعه الخفية. وبالتالي فانه احال الامر - خلاف تصرفه في مسائل كثيرة - الى الباب العالي في اسطنبول - لكنه ليس هناك دليل قاطع في كل وثائق تلك الايام على ان محمد علي رأى القصد مبكراً، وحاول ان يتوقاه محيلاً قراره إلى اسطنبول. وبعد هزيمة محمد علي فان مونتيفيوري وغيره لم يعد امامهم غير التركيز على لندن، خصوصاً ان ابواب اسطنبول اصبحت مواربة، لا هي مقفولة ولا هي مفتوحة، لأن الضغوط اليهودية حاولت ان تستغل هزيمة محمد علي وتدفع بموجات هجرة مؤثرة من اوروبا الى فلسطين. وذلك ادى الى احراج السلطان الذي عاد الى دمشق ضعيفاً كما وصفه روتشيلد في حديثه الى بالمرستون - وبسبب هذا الضعف فان السلطان وقع تحت ضغوط عناصر في بلاطه تتخوف من هجرة اليهود الى فلسطين على نطاق واسع، وكانت وراء هذه الضغوط ايحاءات اسلامية. كما كان وراءها تأثير علاقات بين رجال بلاطه وكثيرون من الحكام والعلماء العرب والمسلمين في الشام نفسها. وعاد مونيفيوري من احدى رحلاته الى المنطقة ليقابل بالمرستون ويقول له (طبقاً لمذكرات ليدي مونتيفيوري) "انه لاحظ اثناء زيارته لاسطنبول ان حماسة الباب العالي لليهود بردت تحت تأثير عناصر متعصبة تحيط به. وقد حاولت افهامهم انه لا داعي الى قلقهم، فليس كل يهودي على الارض مستعداً للذهاب الى فلسطين او راغباً في ذلك. وبالتالي فليس للسلطان ان يخشى من ظهور ملايين من اليهود على شواطئ فلسطين. ان ما نريده ابسط من ذلك واهون. فنحن لا نريد الا ان يكون اليهود مثلهم مثل الانكليز والمجريين والالمان واليابانيين - اصحاب بلد يمكن ان يصبح ملكاً لهم، وعاصمته هي القدس". ومع مطالع الخمسينات من القرن التاسع عشر كانت الحمى اليهودية في انكلترا قد بلغت مداها في تناسق وتناغم ملحوظ مع موسيقى المارشات العسكرية التي ترافق التوسع الامبراطوري البريطاني عبر البحار. وفي هذه الفترة نشر الدكتور توماس كلارك، وهو احد ابرز اساتذة التاريخ في جامعة اكسفورد، كتابه الشهير بعنوان "فلسطين لليهود". وترافق ذلك مع نشر المجموعة الكاملة للاغاني العبرية التي كتبها الشاعر الانكليزي الكبير اللورد بايرون، وذاعت بينها قصيدة جديدة تقول: "اطلع ايها الاله العظيم ودع قدرتك تتجلى وارسل اشعتها مضيئة ودافئة على ابناء يعقوب واعد فلولهم التائهة الى ارضهم الموعودة هناك واهدهم لكي يذهبوا الى فلسطين - فهي وطنهم". لم يكن الساسة المنهمكون في بناء الامبراطورية من امثال بالمرستون او الرأسماليون اليهود الراغبون في تصدير يهود الشرق الى فلسطين للتخفيف عنهم من امثال روتشيلد ولا العسكريون المطالبون بفصل مصر عن الشام وحجز القوة المصرية في افريقيا من امثال ولنغتون، ولا المحسنون من أمثال مونتيفيوري، ولا الشعراء من امثال بايرون - هم وحدهم الذين يدفعون الامور في اتجاه فتح ابواب فلسطين امام هجرة اليهود، ولكن الحوادث نفسها راحت تزيد من ضغطها بما يساعد هذا الاتجاه. ففي تلك الفترة (1854) قامت الحرب في شبه جزيرة القرم وادت معاركها الى تدفق عشرات الوف من يهود البلقان مهاجرين ينشدون مساعدة ابناء دينهم في اوروبا الغربية. وهكذا بدأت ضغوط الحوادث تضيف قوتها الى ضغوط الاستراتيجيات الكبرى الامبراطورية والعسكرية والمالية، فضلاً عن احلام المحسنين واوهام الشعراء. كانت الحوادث ايضاً قد دفعت الى القمة في بريطانيا بجيل جديد من الساسة الانكليز لم يكونوا اقل حماسة للمخططات القديمة من اسلافهم. ففي ذلك الوقت راح يتناوب على رئاسة الوزارة في انكلترا اثنان من الساسة هما غلادستون - البروتستانتي - ودزرائيلي الذي كان اول وآخر يهودي يتولى رئاسة الوزارة في بريطانيا. وكان كلاهما صهيونياً: اولهما (غلادستون) صهيوني بالمعنى المسيحي للكلمة - اي هؤلاء الذين يؤمنون دينياً بحرفية ما جاء في العهد القديم عن "عودة اليهود" الى فلسطين. والثاني (دزرائيلي) صهيوني بالمعنى اليهودي الذي اصبحت يهوديته على رغم انكليزيته جمرة تحت الرماد في اعماقه. وكان دزرائيلي الذي مارس في بداية حياته هواية الكتابة والادب، قد افشى مكنونات سره على ألسنة ابطال رواياته. فقد ورد على لسان احد هؤلاء الابطال مثلاً قوله: "ان انكلترا اكبر بكثير من ان يحولها بعض ساستها الى مكتب محاسبات تجاري كبير. انكلترا لها قلب ولها ضمير، لذلك فهي تقف مع اليهود مدركة ان الله ذاته يحارب من اجل بعث اسرائيل". ولم يترك دزرائيلي جمرته تحت الرماد تتوهج على مواقف ابطال رواياته فقط، وانما ذهب يوما - طبقاً لكتاباته - يقول لغلادستون - منافسه في رئاسة الوزارة وقتها - وكانت قوافل اليهود اللاجئين من حرب القرم في البلقان تصل الى عواصم اوروبا الغربية - ما نصه: "اريدك ان تعرف ان الدول التي احسنت الى اليهود هي وحدها التي تقدمت وازدهرت". ولم يكن الامر بالنسبة الى الاثنين - غلادستون او دزرائيلي - قاصراً على الايحاءات الدينية فقط، وانما كان كلاهما استعمارياً من الدرجة الاولى. ثم ان كليهما في ذلك الوقت بدأ يحس بالمنافسة مع فرنسا التي خرجت من دوامات الثورة وعواقب قيام امبراطورية نابوليون وسقوطها، ومشاكل عودة البوربون ثم فشلهم - الى حكم نابوليون الثالث الذي بدأ يستجمع خيوط دور فرنسي بدأت اصداؤه تسمع في مصر بالتحديد. كان نابوليون الثالث هو الذي اعطى رعايته لمشروع حفر قناة السويس. وكانت زوجته الامبراطورة أوجيني هي التي ركبت مع الخديوي...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم