الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الأسطورة والأمبراطورية والدولة اليهودية... منذ محمد علي الخطط نفسها رغم مرور السنين

Bookmark
الأسطورة والأمبراطورية والدولة اليهودية... منذ محمد علي الخطط نفسها رغم مرور السنين
الأسطورة والأمبراطورية والدولة اليهودية... منذ محمد علي الخطط نفسها رغم مرور السنين
A+ A-
وكان الموقع المصري في تقديره فريدا: معبر مطل على البحر الابيض النافذ من جبل طارق الى الاطلسي متناهيا الى العالم الجديد في اميركا، ثم هو مطل على البحر الاحمر الذي يمكن وصله بالبحر الابيض - في احلامه - والذي يتدفق بمياهه جنوبا حتى يدخل الى بحر العرب عند عدن، ويمتد الى المحيط الهندي ثم الى المحيط الهادئ.  ثم هو بلد مستقر قرب رأس افريقيا مستند في الوقت نفسه الى كتف آسيا.  ثم هو ارض تصلح بطبيعتها السهلة ومواردها الزراعية لان تكون قاعدة مأمونة لجيش كبير يأكل ويسكن ويستعد في امان.  واخيرا فإنه موقع حاكم على طرق التوسع الامبراطوري خصوصا الى الهند وما حولها وما وراءها، وبالتالي فالحصول عليه مقدمة ضرورية لأي قوة تريد ان تتصدى لبريطانيا وتريد ان تتحدى سيطرتها على التجارة وعلى البحار. لكن نابليون لم يكن ينظر الى مصر وحدها، وانما كان يراها في اتصال غير قابل للانفصال مع السهل السوري الذي يشكل معها زاوية قائمة تحوط بالشاطئ الشرقي - الجنوبي للبحر الابيض، وهذه الزاوية القائمة بضلعها الجنوبي في مصر تمد تأثيرها بالعرض الى كل الساحل الشمالي لافريقيا، وبالطول الى الجنوب حتى منابع النيل، ثم انها بضلعها الشمالي في سوريا تلامس حدود بلاد ما بين النهرين (العراق) وشبه الجزيرة العربية والخليج، وحتى طرق الاقتراب البري والبحري الى فارس والهند. وهكذا فان نابليون شأنه شأن من سبقوه من الفاتحين - لم يكد يستقر في مصر حتى راح يمد بصره الى سوريا وحتى تكون الزاوية الجنوبية لشرق البحر الابيض تحت سيطرته بالكامل. وكان ذلك بالضبط ما فعله فراعنة مصر واباطرة الاغريق وقياصرة الرومان وأكاسرة الفرس، وهو نفسه ما قام به الخلفاء المسلمون في اعقاب عصر النبوة، ثم تواصل بعدهم بامراء المؤمنين من الامويين والعباسيين، ثم حفظ دروسه في ما بعد كل حاكم تولى امر مصر ابتداء من احمد بن طولون وصلاح الدين وحتى مماليك مصر العظام من امثال الظاهر بيبرس وقلاوون. اي انه، وعلى طول العصور، كان لا بد ان تكتمل الزاوية الجنوبية الشرقية للبحر الابيض لتدخل في اطار سياسي واحد يجعل كل ضلع منها تأمينا للضلع الثاني... ضرورة جغرافيا وعبرة تاريخ! لكن المعضلة في ظن نابوليون ان سوريا قريبة اكثر مما ينبغي من مقر الخلافة في تركيا، وقد يكون ممكنا في يوم من الايام - طبقا لتقديراته - ان تتصدى دولة الخلافة لمشروعه وتقاتله في ولايتها السورية، وتجد في ذلك عونا من امبراطوريات اخرى منافسة له، كالامبراطورية البريطانية. اضافة الى ذلك ان نابوليون مع اعتقاده ويقينه بأهمية الزاوية التي لا بديل منها - كان يخشى الى جانب الخطر الخارجي ان الاسلام والعروبة في كل من مصر وسوريا، ضلعي الزاوية، يقدران في يوم من الايام، كما حدث من قبل خلال الحروب الصليبية، على صنع قوة ذاتية تتشجع على الانفلات من قبضته، وقد تواجهه بما لا يتحسب له او يريده! وكان لافتا انه على امتداد التاريخ كان كل من ضلعي الزاوية الاستراتيجية الحيوية في حالة بحث مستمر عن الاخر بصرف النظر عن متغيرات الظروف، واوصاف العصور وصراعاتها فرعونية او رومانية، بيزنطية او اسلامية، صليبية او استعمارية! ومن هذه الحقائق الجغرافية والتاريخية تبلورت الرؤية الاستراتيجية ل"نابوليون بونابرت"، وتجلت من خلالها "الورقة اليهودية". وبذلك فان احلام نابليون" في غزو العالم - تجلت في اول خطوة لها على النحو الاتي: 1 - عليه ان يسيطر على الضلع الجنوبي لزاوية البحر الابيض الشرقية - وهو مصر - وقد نزلت جيوشه اليها. 2 - وعليه ان يؤمن سوريا لتكون زاوية جنوب شرق البحر الابيض تحت سلطته - وهوالان يزحف اليها. 3 - ولكي يضمن عدم التقاء الضلعين عربيا واسلاميا فانه يزرع عند نقطة التقائهما، اي عند مركز الزاوية، شيئا اخر لا هو عربي ولا هو اسلامي، لكن هذا الزرع لا يمكن خلقه من العدم، بل يحتاج خلقه الى بذور حتى وان كانت من جينات حفريات الانثروبولوجيا بحيث يمكن غرسها في التربة، فاذا جرى ريها واورق بعضها فحينئذ قد يصعب التمييز بين الاصيل والدخيل، وبين الطبيعي والهجين. وهكذا تجيء ورقة نابليون اليهودية تصورا للمستقبل ورؤية - ربما لا تتحقق في سرعة - لكنها قابلة للتحقيق في مستقبل الايام... وقد ينشأ بها وطن يهودي يكون ضمانا اضافيا اذا امكن، ويكون عازلا اذا اقتضت الضرورات! وفي صياغتها استخدم صاحبها مطالب الامبراطورية ودروس التاريخ واساطير الاديان القديمة وحولها الى استراتيجيا، والثابت ان نابليون لم يتخل عن تقديراته الاستراتيجية حتى بعد ان اضطر الى التسلل ليلا من مصر والعودة الى فرنسا، وراح يواصل من باريس صراعه للسيطرة على اوروبا والى حيث تحمله جياده وتصل مرامي مدافعه! وعندما اصبح نابوليون امبراطورا لفرنسا فان مصر كانت لا تزال في حساباته اهم بلد في العالم، وكانت فكرة الوطن اليهودي العازل بعدها مستولية عليه، وهكذا فانه دعا عام 1807، الى عقد مجمع يهودي (سانهردان) يحضره جميع يهود اوروبا ممثلين في رؤساء طوائفهم الى جانب مشاهير حاخاماتهم ليلم "شمل الامة اليهودية" على حد قوله، ثم كان لافتا ان يكون القرار الذي يحمل الرقم 3 من قرارات المجمع - قرار يتحدث بالنص عن: - "ضرورة ايقاظ وعي اليهود الى حاجتهم للتدريب العسكري لكي يتمكنوا من اداء واجبهم المقدس الذي يحتاج اليه دينهم". ولعل ذلك هو الذي اوحى الى مفكر سياسي شهير مثل دولاجار ان يكتب كتابه اللافت: نابوليون والعسكرية اليهودية".  ان عجلة التاريخ لم يتوقف دورانها. واستطاعت بريطانيا دحر خطط نابليون، واكمل الدوق ولنغتون ما بدأه الاميرال نلسون، اولهما ختم بتدمير جيوش الامبراطور نابوليون على سهول بلجيكا (معركة واترلو)، وثانيهما استفتح بتدمير اسطول الجنرال نابوليون عند مصب النيل (معركة ابو قير). لكن الرؤى الاستراتيجية الواسعة للفاتحين الكبار لا تموت بموتهم، بل تبقى في حافظة التاريخ بعدهم تنتظر غيرهم ممن يجدون الجرأة والجسارة على استعادتها مجددا جزئيا او كليا. وهكذا فإنه بعد سنوات قليلة من الفوضى والارتباك استقر حلم جمع الزاوية الشرقية الجنوبية للبحر الابيض بضلعيها المصري والسوري في يد محمد علي والي مصر الكبير. والظاهر ان محمد علي بعد استقرار الامر له في مصر، توصل بحسه الى الضرورات التي تجمع بينها وبين سوريا، ومن المحتمل ان الفكرة وصلت اليه بوحي مباشر او غير مباشر من سليمان باشا الفرنساوي الذي كان احد ضباط نابوليون، ثم اصبح في ما بعد رئيسا لاركان حرب ابرهيم (باشا) ابن محمد علي وقائد جيوشه! وربما ان الذي اضافته تجربة محمد علي الى الرؤية الاستراتيجية العامة للزاوية الحيوية - مصر وسوريا - هي ان محمد علي نجح في تأسيس دولة عصرية مصرية وعربية قادرة على اسباب القوة، وقادرة على اسباب الوحدة في العالم العربي. والواقع ان محمد علي لم يدخل سوريا غازيا، بل دخلها وسط علامات نهضة وطنية سورية تلاقت طموحاتها مع نموذج محمد علي، ودفعتها قوة الاشياء - وبينها التاريخ - الى وضع العلاقة بين مصر وسوريا في وضع متميز. وربما ان عصر الوطنية الذي حاول نابوليون ان يستغله لحل المسألة الشرقية بالمسألة اليهودية، كان فاعلا على الناحية الاسلامية العربية من دون حاجة الى تلفيقات امبراطور فرنسي يقود جيوشا غريبة توجهها خطط امبراطورية مسلحة.  لقد اخذ رئيس وزراء بريطانيا اللورد بالمرستون عن امبراطور فرنسا نابوليون وتعلم منه، وكانت تلك دائما ميزة بريطانيا في فترة صعودها، تحفظ الدرس من اعدائها وتطبق ثقافته بأفضل منهم. كانت البرتغال هي السابقة على الطرق البحرية بين القارات، وجرت بريطانيا وراءها ولحقتها وسبقتها. وكانت اسبانيا هي السابقة الى استعمار العالم الجديد في اميركا، وجرت بريطانيا وراءها ولحقتها وسبقتها! وكانت فرنسا - نابوليون هي السابقة نحو مصر والواعية في العصر الاستعماري،...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم