الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هديّتي

رانيا البنا
هديّتي
هديّتي
A+ A-

لم أكن اعلمُ ان الالم هو هديةٌ. وان الحزن هديةٌ هو الآخر. لم اكن اعلمُ ان تكون مختلفا هو هدية ايضاً. تلك الهدايا اهداني اياها القدر. فقدري كان أن اُولد ولكنني لم أخترْ عائلتي ولا مجتمعي ولا وطني. فأصبح عنوان حياتي هو الألم والحزن هو أن أكون أنا غير كل الآخرين.  

كنت اسأل نفسي الكثير من الاسئلة التي بحثتُ جاهدة لأعرف اجوبتها. لكن لم اكن أعلمُ ان الجواب حزين اكثر من السؤال. لم اكن اعلمُ ان خلف الابواب الموصدة حكايات كثيرةٌ تشبه حكايتي. ولم اكن اعلم ان الهدية التي اهداني اياها ربي سرعان ما ستتحول الى قوة. لم اكن اعلم ان هكذا هدايا لم ولن ابدلها حتى لو عادت بي الايام وسألني القدر ماذا أختار.

الطريق كان طويلاً و شاقاً لكي اكتشف حقيقة الهدية. هدية لا يمكن لأي انسان ان يتمناها ولا يمكن لأي انسان ان يتقبلها ولكنها كانت خيار الطفلة الوحيد. خيار لا بل قدر وطريق ومسيرة حياة الى حين.

خيار جعل من الطفلة تعيش ما ليس لها ذنب فيه. جعل الطفلة تعيش الالم والمعاناة وحيدة في العالم. جعل من النور ظلاماً في أعينها ومن الحياة موتاً. جعل من سنوات صباها سنوات من الكآبة اللا متناهية. جعل من الهدية سجناً ومن الاحلام كابوساً ومن الوجود كآبة.

الى ان... كسرتُ جدران العزل و دمرتُ الهدية. الى ان زرعَ القدرُعلى دروبي ملائكة على هيئة اُناس حيناً و كُتباً احياناً أُخرى. الى ان علمتُ ان الحياة مليئة بالأشياء الجميلة لا بل بالأصدقاء الرائعين قلباً وقالباً. الى ان قررتُ ان اُهدي نفسي الأمل والقوة. الى ان اهديتُ نفسي والحياة ابتسامة حقيقية كسرتُ فيها الضعف والألم والخوف... كسرتُ فيها الهدية وصنعتُ قدري بنفسي وبمعان و مبادئ أعمق وأوسع من جدران الألم و الحقد والخوف والكآبة والمعاناة النفسية. كسرتُ الهدية بمساعدة ملائكة على هيئة معالجين نفسيين، معالجين يحملون في جعبتهم الأمل بتغيير من نوع آخر، أمل بتغيير نظرتنا لأنفسنا ونور ليضيئ دوربنا و يرشدنا الى الطريق الى ذاتنا، الى ما يقوله لنا قلبنا. كسرت الهدية وابْتعتُ لنفسي هدية أخرى. ولكن هذه المرة اخترت هديتي بقرار مني أنا. فكل الهدايا التي قررت أن أُهديها لنفسي أصبح لها طعم آخر و لون آخر ورائحة أخرى، هدايا مملوءة بالحب والأمل والأحلام الجميلة والإيمان بذاتي وقدراتي ووجودي. هدايا مفصلة على المعايير التي أخترتها أنا والتي ترضيني أنا وحدي، أنا ولا أحد آخر. وفي كل مرة تعود بي الذكريات، أعود أنا الى هديتي الجديدة لأرى نفسي من خلالها، كم جميلة هذه الهدية وكم نحن بحاجة الى يد ملاك ويد صديق ويد معالج نفسي وصفحات كتاب...



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم