السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لغتُنا وجودُنا

سيلينا بريدي
لغتُنا وجودُنا
لغتُنا وجودُنا
A+ A-

قد يتساءل كثيرون منّا: ما هي أهمّية اللّغة في الحياة، وما هو سبب تعدّديتها بين مختلف المناطق والبلدان؟ 

"الوجود لا يوجد إلّا باللّغة"، بحسب الفيلسوف الألماني هايدغر. فكلّما كبرنا وتعلّمنا ونضجنا، توسَّعَت كلمات لغتنا في المعاني والعدد، الأمر الذي يؤدّي إلى توسّع عالمنا. فاللّغة توسّع المدارك أي القدرة على رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين والشعوب الأخرى، وتزيد من فهمنا للاختبارات الإنسانيّة لأنّنا، بواسطتها، نفهم حضارة الآخر وطريقة عيشه.

فالانفتاح على العديد من اللغات هو الانفتاح على ثقافات أخرى تُغني ثقافتنا الأمّ وتخلِّصنا من التفكير الأحاديّ، وتنقلنا إلى التفكير المزدوج والمتنوِّع الذي يجعلنا ننظر إلى الأشياء ضمن السياق العام، ونعترف بسلبيّات وجهة نظرنا وقناعاتنا.

لكلِّ لغة أفكارها وثقافتها الخاصّة، ولا تستطيع لغة أخرى أن تعبِّر عنها. كما أنّ العلاقة بين اللغة والفكر علاقة جدليّة، فإذا طرأ التغيير على الأولى فذلك يؤثِّر على الثاني. على سبيل المثال، إذا قارنّا بين كلمة "اشتقتُ لك" في اللّغة العربيّة وكلمة "tu me manques" في اللّغة الفرنسيّة، نرى أنّه عندما نعبِّر عن اشتياقنا لشخصٍ ما في اللغة العربيّة يكون فكرنا موجَّهاً إلى الداخل أي إلى ذواتنا، أمّا في اللغة الفرنسيّة فيكون فكرنا موجَّهاً إلى الآخر أي إلى الخارج.

اللّغة هي أيضاً وسيلة للثورة. فعندما نُجيد لغةً ما، نقرأ الكتب ونتعرّف إلى أهمّ الفلاسفة والمفكّرين والمقاومين ونتناول أفكارهم. نتعلّم الاستنتاج والتحليل والانتقاد وربط الأشياء، وننمّي قدرة العقل لنتحرَّر من قيود المجتمع والدين والسلطة السياسيّة. كما أنّنا بواسطة اللغة نستطيع كتابة أفكارنا وأحاسيسنا وآرائنا ونشرها للمجتمع، وقد تؤثِّر في الرأي العام.

ما الذي يهدّد اليوم تعدّدية اللّغة في العالم؟

إنّها اللّغة الإنكليزيّة التي بدأت تسيطر على العالم، مع الثورة التكنولوجية المعلوماتيّة، لتصبح اليوم بمثابة لغة عالميّة. فهي ضروريّة للتواصل بين مختلف المجتمعات، ومُعتمدة في جميع الشركات العالميّة والإدارات والمجالات السياسيّة والإعلاميّة والاقتصاديّة. لكنّ المسألة أبعد من ذلك. فمع انتشار اللّغة الإنكليزيّة، تنتشر الثقافة الأميركيّة وتطغى على الثقافات الأخرى الخاصّة بكلّ مجتمع التي أصبحت مهدَّدة بالانقراض. على هذا الصعيد، فإنّ المجتمعات التي لا تعتمد الثقافة الأميركية، مثل ارتداء "الجينز" والاعتراف بالمساكنة كظاهرة إيجابيّة والتكلّم باللّغة الإنكليزيّة، قد تشعر بالعزلة والابتعاد عن التطوّر العالميّ، بحسب كتاب أمين معلوف "الهويّات القاتلة".

إذاً، نحن لا نتكلّم اللّغة، اللّغة تتكلّمُنا. فكما أنّ هويّة الإنسان مكوَّنة من جنسه وجنسيّته واسم عائلته، فهي مكوَّنة أيضاً من اللغات التي يتحدّث بها.

أخيراً، نستطيع أن نقول إن اللّغة تحدِّدُنا وتعرِّف عنّا. ومن الضروري على كلّ مجتمع أن يحافظ على لغته الأمّ ويعزِّزها وينمّيها.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم