الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لعبة الـ pétanque في حانات باريس

كاتيا الطويل- باريس
لعبة الـ pétanque في حانات باريس
لعبة الـ pétanque في حانات باريس
A+ A-


مَن اعتاد السهر في بيروت، اعتاد الكؤوس المتنقّلة بين الأيدي والجَزَر الموزّع على الطاولات والبزورات الجالسة بهدوء في عتمة الحانات المتلاصقة.

مَن اعتاد السهر في ظلّ ضحكات الحمراء ومار مخايل وبدارو وغيرها من مناطق السهر المعروفة اعتاد لعب الـ baby foot والـ billiard التي تتوزّع طاولاتها في الزوايا والتي تُجمّع حولها عددًا من الشابّات والشبّان المحتدّين لاشتداد المنافسة.

مَن اعتاد السهر في بيروت لا يتوقّع أن يبتدع الفرنسيّون لعبة مختلفة تلائم الحانات وتثير حسّ المنافسة بين الأصدقاء.

السهرات في باريس مختلفة في طبيعة الحال. ففي الشوارع الشعبيّة المخصّصة للسهر مثل شارع موفتار والحيّ اللاتينيّ ومون مارتر وبيغال والباستيل، لا جَزَر ولا بزورات ولا من يحزنون.

للسهر في باريس طعمه ومذاقه. فالحانات في معظمها تنقل روّادها بعد منتصف الليل إلى طبقاتها السفلى حيث علب الليل والعتمة والموسيقى الأميركيّة الصاخبة التي تُنسي رماديّة باريس وضبابيّة سمائها.

 للسهر في باريس قصصه وطُرفه. عالم آخر حافل بالمفاجآت والأحداث.

فعدا الـ baby foot والـ billiard في بعض الحانات، تدخل لعبة جديدة إلى الخطّ وتثير فيك الفضول والحماسة. La pétanque. وما أدراك ما الـ pétanque!

البيتانك هي لعبة البولينغ الفرنسيّة التي تختلف بقوانينها عن البولينغ المتعارف عليها. ففي البيتانك تُرمى الطابات في ممرّات رمليّة انطلاقًا من دائرة حديديّة محدّدة وواضحة، من دون أن يكون الهدف هو إيقاع شيء بل الاقتراب ممّا يُسمّى الـ cochonnet. الكوشونيه هذا إنّما هو طابة بيضاء صغيرة تحدّد الفائز في اللعبة. فاللاعب صاحب الطابة الأكثر قربًا إلى الكوشونيه يكون هو الفائز مع فريقه.

لم تكن البيتانك لعبة شعبيّة في القديم. ففي عصر النهضة الأوروبّيّة وتحديدًا ابتداءً من العام 1629 صدر قرار بحصر هذه اللعبة بالأريستوقراطيّة الفرنسيّة وحدها. وحدهم الملوك والنبلاء وأهل البلاط الملكيّ كانوا قادرين على ممارسة هذه اللعبة والتنافس للاقتراب من الكوشونيه. وقد سُنّ هذا القانون من دون أن تقبله العامّة أو تتّبعه فعليًّا. فعلى عكس لعبة الـ jeu de paume المخصّصة للأريستوقراطيّة والتي أصبحت في ما بعد لعبة التنس tennis رفضت العامّة الرضوخ للقانون وظلّت تُمارس البيتانك في الساحات والشوارع إلى أن جاءت الثورة الفرنسيّة وأعادت البيتانك إلى الشوارع بطريقة قانونيّة، فبات الصغار يلعبونها والمسنّون أيضًا. يتنافسون في الحدائق والمساحات الخضراء وتعلو ضحكاتهم وهتافاتهم لتصل إلى شوارع باريس النزقة المستعجلة. لعبة جميلة هادئة لا تحتاج إلى الكثير من المساحة والقوّة لكنّها تحتاج إلى التفكير والتركيز والقدرة على التحكّم بالجسد.

تناول الأدباء لعبة البيتانك ووردت في رواياتهم في مواضع متعدّدة. ديدرو مثلاً ذكرها وكذلك بالزاك، وهي اليوم لعبة الشعب الفرنسيّ المفضّلة، ومن الألعاب الرياضيّة النادرة التي يمكن أن يتنافس فيها الرجال والنساء ضمن مسابقة واحدة وعلى درجة واحدة من حظوظ الفوز.

للسهر في باريس طعمه الخاصّ بوجود البيتانك. يسجّل كلّ فريق اسم أعضائه وينتظر الساهرون دورهم. تروح الطابات تتصارع على الرمال لتقترب من الكوشونيه المسكين الجالس بهدوء على عرشه، يراقب الساهرين ويتوق إلى رشفة نبيذ تروي غليله.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم