ممرّضة كورية شمالية تضمّد ذاكرة التسعيني كلود لانزمان

في #مهرجان_كانّ الأخير (١٧- ٢٨ أيار)، لم يتحدّث كثيرون عن “نابالم”، الفيلم الأحدث للمخرج الفرنسي كلود لانزمان، على الرغم من أنّ الصالة التي عرضته في بداية التظاهرة غصّت بالمشاهدين. هذا الوثائقي الغريب كان يستحق انتباهاً أوسع. يجب القول، وبأقصى سرعة، إنّه يختلف شكلاً ومضموناً عن كلّ ما سبق وقدّمه لانزمان في حياته التي أمضاها يعاين الأضرار الجسيمة للمحرقة اليهودية في نفوس الناجين. للمرة الأولى، على حدّ علمنا، يخرج من قضيته المحورية التي لم يعالج غيرها. ولكن على ما يبدو أنّ الطبع يغلب التطبّع، إذ أنّ مخرج “شوا” يُستدرج لقطة بعد لقطة إلى موضوع يتعلّق بالذاكرة، ما يؤكد النظرية القائلة إنّ السينمائيين الكبار ينجزون دائماً، وأحياناً بلا وعي، الفيلم نفسه.“نابالم”، سرد تسلسلي للقاء جمع، في بيونغيانغ العام ١٩٥٨، لانزمان (البالغ آنذاك من العمر ٣٣ عاماً) وممرضة تعمل في مستشفى الصليب الأحمر الكوري. وقع تحت سحر اكزوتيكيتها، لحظة اضطراره إلى الاستعانة بخدماتها لإطعامه إبرة فيتامين. لم يستغرق انجذابهما الخاطف، التراجيدي- الكوميدي في آن، إلا يوماً واحداً. كان لانزمان في إطار مَهمة ديبلوماسية، عضواً في أول وفد رسمي أوروبي يزور البلد الجريح غداة الحرب التي اندلعت فيه. لا لانزمان كان يتكلّم الكورية ولا الممرضة التي تُدعى كيم كون - سون تجيد الفرنسية. إلا أنّ الإثنين أدركا جيداً معنى “نابالم”، المادة القاتلة التي استخدمتها الطيارات الأميركية في حرب كوريا، والتي حملت كيم آثارها الحارقة على جسدها. بعد انقضاء نحو ٦٠ سنة على هذا اللقاء، يعود التسعيني لانزمان إلى بيونغ يانغ ليصوّر فيها ما يستطيع تصويره، رغم الانغلاق الشامل والكامل على العالم الذي تعيشه البلاد. كالعادة، لا يدوّر الزوايا، إنما يذهب إلى الهدف مباشرة. ببلاغة يُحسد عليها، يستمد خطوط الحكاية من ذاكرته التي بقيت طازجة.في النصف الأول من الفيلم، وبعد تقديم ما يشبه الدرس في تاريخ كوريا الحديث والتنديد بالتدخل العسكري الأميركي، يحاول لانزمان الإتيان بصورة مغايرة، مليئة بالعاطفة، للشعب الكوري بعيداً من الإطار النمطي الذي يحصره فيه...