الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مصير واحد من خليج جونية الى الممرات المائية في مانهاتن

نيويورك - علي بردى
مصير واحد من خليج جونية الى الممرات المائية في مانهاتن
مصير واحد من خليج جونية الى الممرات المائية في مانهاتن
A+ A-

لم يكن مجرد ترف انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الرفيع المستوى حول المحيطات والبحار وما تختزنه في أعمق أعماقها وعلى طول الشواطىء والسواحل التي ينعم بها الناس عبر العالم. غير أن الكثيرين لا يدركون أن "هذه النعمة قد لا تدوم" إذا تواصلت عمليات الإستغلال وعدم الإكتراث، التي تعرض مياه الأرض لـ"خطر لا سابق له" تحدث عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والعديد من ممثلي الدول الأكثر عرضة لهذا الخطر، من شواطىء المتوسط الى سواحل المحيط الأطلسي، ومن البلطيق الى الهادىء، ومن الكاريبي الى أفريقيا. 

توافد المشاركون من كل أنحاء العالم الى مؤتمر المحيطات الذي تنظمه كل من أسوج وفيجي في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، في "محاولة دولية هي الأكبر على الإطلاق لاحتواء التدهور الخطير في أوضاع المحيطات والبحار، وللشروع في معالجة آثار تغير المناخ وتحمض المياه البحرية وتلوث البيئة، فضلاً عن التخلص من القمامة البحرية والحد من الصيد الجائر الذي يخرب النظم الأيكولوجية ووقف انقراض العديد من أنواع الكائنات البحرية، وإتاحة أكبر قدر ممكن الإدارة المستديمة بيئياً للمحيطات وتعميم التنمية الإقتصادية المستدامة في إطار مذهب "الإقتصاد الأزرق" وفقاً لما سمته وزيرة المناخ الأسوجية إيزابيلا لوفين لـ"النهار"، مضيفة أنه "حتى أسوج، البلد الذي يتمتع بسمعة كبيرة لكونه بلداً صديقاً للبيئة، تعد بحاره المجاورة واحدة من أكثر بحار العالم تلوثاً".

محيطاتنا مستقبلنا

انضمت لوفين في مستهل المؤتمر الذي انعقد تحت شعار "محيطاتنا هي مستقبلنا"، الى رئيس الدورة السنوية الحادية والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة بيتر طومسون، وهو من فيجي، ومسؤولين دوليين في "المسيرة المحيطية" على متن مركب أبحر في الممرات المائية حول جزيرة مانهاتن، قلب مدينة نيويورك، بهدف رفع مستوى الوعي حول خطورة انعكاس تدهور أحوال المحيطات على حياة الناس. بالنسبة الى الذين يعرفون لبنان، كانت الرحلة تشبه إبحاراً من خليج جونية الى المرفأ في بيروت، على متن القارب الذي يمكن أن يدل على "المصير الواحد" للمياه من بيئتين مختلفتين، ومن منظورين مختلفين. لا يتعلق الأمر فقط بالمساعي الدولية لإحراز أكبر قدر من التقدم نحو الهدف الرقم 14 في سلسلة أهداف التنمية المستدامة ولتطبيق واحدة من غايات "اتفاق باريس" للحد من تغير المناخ، بل أيضاً من أجل تعزيز الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها المجتمعات المحلية كنتيجة مباشرة للمحافظة على بيئاتها الساحلية والبحرية.

ولاحظ طومسون أنه في زيارة قام بها أخيراً الى الساحلين الغربي والشرقي في أفريقيا، موضحاً أن الصيادين في السنغال "يجدون أن مخزوناتهم السمكية تستنفد من قبل مصائد الأسماك الصناعية التي تزيل جميع الأسماك من مناطق صيدهم التقليدية". وأضاف أن القصة ذاتها تتكرر في كينيا، حيث "هناك فهم قوي جداً أن الاقتصاد الأزرق المستدام مهم للغاية للدول الساحلية في أفريقيا على وجه الخصوص، ولكن أيضا لبقية القارة أيضاً". وشرح ما سماه "وباء التلوث البلاستيكي" في المحيط، حيث "تفيد الإحصاءات بأن ما يعادل حمولة شاحنة قمامة من البلاستيك تنصب في المحيط كل دقيقة من كل يوم، وأنه بحلول عام 2050 سيكون هناك بلاستيك في المحيط أكثر من الأسماك". وأوضح أيضاً أن "هذا البلاستيك يتحول إلى جزئيات دقيقة تتناولها الحيوانات البحرية الصغيرة وتتسلق سلم سلسلة الغذاء وينتهي بها المطاف على موائدنا".

قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد التي شاركت في الرحلة إن "كل حكومة يمكنها اتخاذ قرار يقودها بمسؤولية تجاه ما ينبغي عليها القيام به لتحسين الحياة على هذا الكوكب"، مضيفة أن هناك "التزام أخلاقي تجاه العالم الذي نعيش فيه". وأكدت أن "تغير المناخ له تأثير على البحار والاحتباس الحراري وفقدان الشعاب المرجانية وفقدان سبل العيش. وربما مع ارتفاع منسوب مياه البحر، سوف نرى العديد من السواحل والبنية التحتية وحياة الناس وهويتهم تمحى".

لم يكن وزير الزراعة والتنمية الريفية والبيئة القبرصي نيكوس كوياليس بعيداً عن هذا الفهم إذ شرح ما يواجه البحر الأبيض المتوسط من "تحديات متعددة بسبب فناء التنوع البيولوجي بصورة لا سابق لها بسبب الإفراط في الصيد، وتدمير الأحياء البحرية (...) والاستغلال المفرط للموارد والنقل البحري والتلوث وتغير المناخ"، موضحاً أن البحر المتوسط "معرض بشكل خاص لدخول أنواع غريبة، يتميز الكثير منها بأنه غاز". وأكد أنه "لا يمكن حماية البحار والمحيطات إلا من خلال تعاون عالمي وإقليمي".

ثلثا الأرض

تغطي المحيطات ثلي سطح الأرض وهي أساس الحياة عليها. فالمحيطات تولد معظم الأكسجين الذي نتنفسه، كما أنها تمتص نسبة كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتتيح الغذاء والمغذيات، وتنظم دورة المناخ، فضلا عن أنها مهمة اقتصادياً من حيث اعتماد بعض البلدان عليها في مجالات السياحة وصيد الأسماك والموارد البحرية الأخرى، ومن هنا فالمحيطات هي بمثابة العمود الفقري للتجارة الدولية.

يدرك الأمين العام للأمم المتحدة أن البشر خلقوا المشاكل البحرية والمحيطية، وتقع على عاتقهم مسؤولية حلها، معتبراً أن "الخطوة الأساسية الأولى هي إنهاء الانقسام المصطنع بين المطالب الاقتصادية وصحة بحارنا"، لأن "حفظ الموارد البحرية واستخدامها المستدام هما وجهان لعملة واحدة". وتتمثل الخطوة الثانية بـ"تعزيز القيادة السياسية القوية والشراكات الجديدة، استنادا الى الإطار القانوني القائم". ودعا ثالثاً الى "ترجمة الإرادة السياسية لخطة عام 2030 واتفاق باريس حيال تغير المناخ وخطة عمل أديس أبابا الى التزامات تمويلية"، فضلاً عن خطوات أخرى ملحة، ومنها توسيع المناطق البحرية المحمية وإدارة مصايد الأسماك والحد من التلوث وتنظيف النفايات البلاستيكية والانتقال من المبادرات المحلية والوطنية الى جهد دولي عاجل ومنسق.

لبنان أيضاً

حسناً فعل الناشطون في لبنان حين انضموا الى الآلاف من الناشطين عبر القارات الست في عمليات تنظيف واسعة ومتزانة للشواطىء والحدائق بهدف "ربط الناس بالطبيعة"، على غرار ما حصل هذا الأسبوع في تيخوانا، حيث تعاون متطوعون من جانبي الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك لتنظيف شاطىء المدينة، في حملة مشابهة لتلك التي نظمت في مدينة مومباي الهندية، حيث أزال متطوعون أكثر من 5،5 ملايين كيلوغرام من القمامة، وحولوا الشاطىء من مقالب مهجورة الى واجهة نظيفة يمكن استخدامها كبطاقة بريدية، بالإضافة الى حملات أخرى على شواطىء تانزانيا والموزامبيق وكندا وإسبانيا ومصر وأوستراليا والولايات المتحدة والنروج، فضلاً عن دول البلطيق وحتى القطب الشمالي.

في الوقت التي ارتدى فيه مبنى الأمباير ستايت الأخضر في اليوم العالمي للبيئة، على غرار شلالات نياغارا عند الحدود الأميركية - الكندية وتمثال المسيح الفادي في ريو دي جانيرو وبرج خليفة في دبي، الذي الأطول في العالم، والأهرامات المصرية، وهي الأقدم من أشهر المعالم في العالم، كان الجميع يدركون الحاجة الى المياه الزرقاء والى الضوء الأصفر لتغليب الطبيعة على الأطباع القاسية للإنسان.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم