الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

في التعبير عن حقوق الطوائف

المصدر: "النهار"
انطوان الخوري طوق-ناشط مدني
في التعبير عن حقوق الطوائف
في التعبير عن حقوق الطوائف
A+ A-


"على هامش الضجيج حول قانون الانتخابات النيابية: العيش المشترك أغلى من مقاعد تافهة في نادٍ للنواب، والعلمانية وفصل الدين عن الدولة أغلى من الواقع الاجتماعي المهترىء. والمواطن أغلى من الماروني والسنّي والشيعي والدرزي. والانسان أغلى من الجميع" (أنسي الحاج)


موارنة، شيعة، سنّة، دروز، علويون، أرثوذكس، كاثوليك، أقليات، مسيحيون، مسلمون، حزب الله، أمل، تيار وطني، قوات لبنانية، تقدمي إشتراكي، مستقبل، ثنائي شيعي، ثنائي مسيحي، قانون جديد، قانون نافذ، ستين، أكثري، نسبي، تأهيلي، تفضيلي، مختلط، أرثوذكسي، دوائر صغرى ومتوسطة وكبرى، فراغ، تمديد، صحة تمثيل، مناصفة، شراكة، عضّ أصابع، حافة الهاوية، الهاوية، تقدّم، تراجع، لمسات أخيرة، لقاءات، لجان، مشاريع متقابلة، فيتوات متقابلة، كمائن، نكايات... كلها كلمات متقاطعة، قاموس باهت، بازل مفكك.

إنّها حرب أهلية مذهبية مقنّعة غير معلنة مع وقف التنفيذ وتنتظر "لعبة كلّة" أو "بوسطة". وما المانع في ظلّ لغة طائفية ومذهبية وقحة وفجّة ومباشرة من دون أي رادع أخلاقي أو وطني جامع؟ لغة مخيفة لم نشهدها في سنوات الحرب، وتكرار خشبي مملّ ولعب على الوقت والعقول والمشاعر والأعراف وعلى ذقون الناس.

هل هذا بحث عن قانون إنتخابي لتجديد معنى لبنان وتجديد النخب السياسية عبر تداول السلطة والقدرة على المساءلة والمحاسبة والمشاركة في صنع القرارت، أم حفلة زجل وسط الحرائق المشتعلة حولنا؟

هل هو لبنان أم أندلس ملوك الطوائف؟ هل هو إقتراع على تقاسم الثوب اللبناني أم رؤية لدور لبنان في زمن إعادة رسم الخرائط؟

حقوق المسيحيين، حقوق الدروز، حقوق الشيعة، حقوق السنّة، حقوق الاحزاب...

يبدو كل حقّ لا علاقة له بحقّ الآخر، وتبدو كل طائفة لا بل كل مذهب، جزيرة نائية معزولة عن جزر أخرى، وكأنّ اللبناني بحاجة الى جواز سفر وتأشيرة للتنقل بين المذاهب والطوائف وقريباً بين المناطق. وكأنّ الطائفة أو المذهب جثة باردة جوفاء، كأنّها شيء نظري يابس ومتحجّر منذ آلاف السنين ولا علاقة لها بالعصر أو بالواقع.

إنّها لغة متحجرة جوفاء لا تحترم القيم التي يمثلها هذا الوطن برواده ومبدعيه ورجالاته التاريخيين. كأنّ الطائفة تتألف من أرقام وأعداد وسجلات نفوس وإخراجات قيد، وطبقة سياسية مغلقة على نفسها ولا علاقة للناس بها. كأنّ الطائفة لا تتكون من بشر يحبون ويكرهون ويحلمون ويتزوجون ويتناسلون ويأكلون ويشربون ويلبسون ويسكنون ويتعلمون ويجوعون ويعطشون ويمرضون ويبدعون ويعلمون و"يشمّون الهوا". كأنّ أبناء وبنات الطوائف بيادق على رقعة شطرنج. لا رأي، لا مشاعر، لا أحاسيس، و"مكانك يا واقف".

كأنّ هوياتهم مودعة في "بنك" الغرائز والعصبيات، وقابلة للصرف عند كل إستحقاق.

في العودة الى حقوق الطوائف: هل هي حقوق الطبقة السياسية والزعماء والقادة والوجهاء أم هي حقوق الناس؟ هل هي حقوق الأحزاب أم حقوق المحازبين؟ هل هي حقوق العمال والموظفين والمعلمين والمزارعين والحرفيين والطلاب والشعراء والموسيقيين والرجال والنساء والآباء والأمهات والشيوخ والأطفال أم حقوق الوزراء والنواب والرؤساء والطامحين للترشّح؟

أين حقوق السمكري والحداد والنجار والبنّاء والميكانيكي وسائق التاكسي الذين يشكون الفقر والبطالة في ظلّ أزمة النزوح والمزاحمة؟ أين حقوق المزارعين في الاطراف والجبال التي خلت من ساكنيها؟

وبما أنّ الحديث طائفي ومناطقي: أين حقوق التفاح الماروني، والموز والليمون السنّي، والتبغ الشيعي، والزيتون الارثوذكسي، والعنب البقاعي، والدراق المتني، والبطاطا العكارية؟

أين حقوق حملة الشهادات المتزاحمين على أبواب السفارات؟ والمرضى الذين يموتون على أبواب المستشفيات؟ والذاهبين إلى أعمالهم والعائدين منها العالقين في عجقة السير؟ أين حقوق المثقلين بفواتير الماء والكهرباء والاقساط؟ أين حقوق الأرامل والثكالى واليتامى والضحايا وذوي الاحتياجات الخاصة الذين على آلامهم بنيت كل الصروح، وباسمهم قامت كل الحركات؟ أين حقوق العلمانيين والمستقلين واللاطائفيين والملحديين والنساء؟ أين حقوق الناشطين في المجتمع المدني الذين حافظوا على النسيج اللبناني في عزّ سنوات الحرب وإنهيار الدولة؟ أين حقوق المواطن اللبناني المنهوب في وضح النهار جهاراً وعلناً من دون أن ترتجف يد سارق أو يرفّ له جفن؟

فهل إذا أخذ كل مذهب حصته وكل تيار أو حزب حصته، وكل زعيم ملهم حصته، تمتلىء الامعاء الخاوية والجيوب الفارغة وتزدهر المناطق النائية وأحزمة البؤس ويطمئن المواطن اللبناني الى غده ويعمّ السلام والوئام؟ وهل إذا عرف كل فريق نتيجة الاقتراع سلفاً وأخذ حصته سيرتاح الرسل والانبياء والقديسون والأولياء الصالحون ويعود العيش معاً ممكناً وينحسر هذا الفحيح الانتخابي المذهبي البغيض؟ وهل يهدأ هذا الضجيج على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي؟

غريب أمر المتحدثين عن حقوق الطوائف. غريب هذا الخطاب السياسي الحالي في لبنان كأنّه لم يبرأ من أمراض الحرب، فهو مصاب بأمراض التعمية والانفعال والعنف والعنصرية. خطاب حافل بالمبالغات الفظة والعبارات المهينة ويأنس الى الشتيمة والتخوين والاقصاء، كأنّه إذا جرّد من التهجم على الآخر يبدو خاوياً ومضجراً.

وبدلاً من أن يقدم الخطاب السياسي إقتراحات مدروسة وعقلانية متماسكة، يظهر المشاعر المضطربة ويعبّر عن الحقّ بالصراخ، والصرخة ليست إلّا كلاماً مفككاً غير مفهوم، كأنّه يفتش عن شفاء شخصي، فيسقط الاحباطات الخاصة عبر العبارات الرنانة مرتكزاً على الحقد وعدم الاكتفاء فيبدو غير مهتم بالتواصل والحوار، وإنّما بالادانة الحاسمة للخصم في السياسة أو الآخر المختلف، تالياً يتجه الى تدمير المختلف كلياً، وغالباً ما يترافق الخطاب بإشارات من اليدين والاصابع والعينين وملامح الوجه كأنّ الكلمة وحدها لا تكفي لإخضاع الآخر بدل إقناعه، واللافت أنّ دعوات التحاور والتوافق والتشاور تترافق مع صيحات التهديد والوعيد كأنّها شرط مسبق للرضوخ والقبول بما يمليه صاحب الخطاب. هذا الخطاب الذي يغرق في الماضي بدلاً من التأسيس للمستقبل وبدلاً من التفتيش عن مساحة مشتركة يجهد البعض الى إبقاء من يعتبره خصماً في موقع ماضوي لتبرير حركته السياسية.

وجوه متجهمة وسوء مزاج وغياب تام للدعابة والفكاهة وإستخفاف بعقول الناس وإستغباء للعارفين، وتحايل وتشاطر وتذاكٍ ونبش لقبور الموتى، ونكران اليوم لكلام البارحة.

أهكذا تورد الإبل؟

في عزّ الحرب الاهلية صرخ غسان تويني من أعلى منبر في العالم متوجهاً الى الابعدين: "أتركوا شعبي يعيش". ليته يعود ويصرخ بالأقربين الذين يتولون شؤوننا: "أتركونا نعيش". فنحن بشر طيبون نستطيع العيش معاً، ونحن مواطنون لنا حقوق، قبل أن نكون مسلمين ومسيحيين، لقد ضجرنا ومللنا وقرفنا هذا الحفل التنكري حيث تُشرب أنخابنا في النهار ودماؤنا في الليل.






حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم