الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

جوائز كانّ بين روبن وروبان: الفائز بـ"السعفة" سُرق وألمودوفار دمّع!

المصدر: "النهار"
جوائز كانّ بين روبن وروبان: الفائز بـ"السعفة" سُرق وألمودوفار دمّع!
جوائز كانّ بين روبن وروبان: الفائز بـ"السعفة" سُرق وألمودوفار دمّع!
A+ A-

مساء أمس، كان ختام الماراثون السينمائي في #كانّ. فاز المخرج السويدي روبن أوستلوند بـ”السعفة الذهب” عن فيلمه “الميدان”، في ختام المهرجان الذي استمر ١٢ يوماً توجّه خلالها عدد كبير من العاملين في #السينما إلى المدينة الفرنسية الساحلية الشهيرة. التوقعات صبّت في مصلحة روبان كامبيّو وتحفته السينمائية “١٢٠ دقّة في الدقيقة” (“الجائزة الكبرى”)، إلا أنّ اللجنة قرّرت غير ذلك. “الميدان”، فيلم جميل يتّسم بالجرأة والسخرية، أطلّ علينا في اليوم الثالث. قال رئيس لجنة التحكيم بدرو ألمودوفار في المؤتمر الصحافي الذي تلى حفل التوزيع في مسرح لوميير، إنه تم التصويت على الأفلام بسلاسة، وعلى نحو ديموقراطي، وفي إطار احترام متبادل لوجهات النظر المختلفة التي ظهرت نتيجة مشاهدة ١٩ فيلماً داخل المسابقة الرسمية. رداً على سؤال، قال صاحب “كل شيء عن أمي” ممازحاً، إنه “يأسف” على الكلام الذي قاله في بداية المهرجان بأنه يريد أن يشعر ما شعره المحكّمون يوم اكتشفوا أفلاماً لفيلليني أو بونويل، فغرقت الصالة في الضحك. “التشبيه لم يكن موفقاً. نحتاج وقتاً لنقارن هذه الأعمال بأعمال المعلّمين. ربما نحتاج إلى عشر سنين، لأنّ كلّ شيء بات أسرع في زمننا الراهن. نحن اليوم “نأكل” صوراً أكثر من أي وقت مضى. نتعاطى مع الروائي أكثر من أي فترة سابقة. لا أعرف إن كانت “السعفة” ستغدو مهمة. بالنسبة إلى فرنسا، لا شك أنّها مهمة”.  

في نظر ألمودوفار، “الميدان” فيلم عن “ديكتاتورية الصواب السياسي”، السلاح الفتاك الذي يقمع الرأي المخالف. لدى مراقبة وجوه المحكّمين وهم يتحدّثون عنه، يظهر جلياً أنّ الفيلم سلّى اللجنة، حتى إنّ المخرجة أنييس جاوي وقعت في غرام الممثل (كلايس بانغ). ولكن، عندما سئل ألمودوفار عن “١٢٠ دقّة في القلب”، قال إنّه أحبَّ الفيلم جداً، ولكن يبدو أنّه لم يكن ثمة إجماع على منحه “السعفة”. أضاف إنّ هذا فيلم مهم لفرنسا ثم، تأثر… ودمّع، فـ"طبطبت" على كتفه جسيكا تشاستاين!



السعفة الذهب: “الميدان”

اكتشفنا روبن أوستلوند (٤٣ عاماً) في كانّ قبل ثلاثة أعوام مع “سائح”، على الرغم من أنّه بدأ يتعاطى السينما منذ العام ٢٠٠٤، وعُرض سابقاً فيلمٌ له في قسم “نظرة ما”. بحسٍّ سوريالي لما نكره لويس بونويل، يوزّع “الميدان” اهتمامه على محاور عدة، منها ما هو سياسي واجتماعي وثقافي. الحوادث في الأصل تدور حول متحف ومديره الكاريزماتي كريستيان (بانغ)، رجل أربعيني يفتتح الفيلم بحديث معه تجريه صحافية أميركية تطلب منه شرحاً عن بعض العبارات المحشوّة بالادّعاء والتكلّف في كلامه عن الفنّ. منذ اللقطة الأولى، يؤسّس الفيلم لخطابه. سنمضي برفقة كريستيان ساعتين و٢٠ دقيقة في رحلة جنونية عبر عالم الفنّ المعاصر وكواليسه وكلّ هذه الأشياء التي تُعتبر الواجهة الثقافية لدول الرفاهية وراحة البال اليوم. يدير كريستيان أيضاً فريقاً من المتخصّصين في العلاقات العامة الذين يستعدّون لإطلاق حملة استفزازية بغية لفت الأنظار نحو المتحف. فتُطلق حملةٌ اسمها "الميدان". بسخرية هدّامة، تصل إلى ذروتها الدرامية في مشهد استعراض فنان معاصر يدّعي أنه غوريللا، فيهاجم الحضور في سهرة يجتمع فيها كبار القوم، نقتفي أثر المدير الذي تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يُسرق منه هاتفه المحمول.

بعد الفوز، روى أوستلوند مغامراته في كانّ بحس طريف. قال إنّه شاهد رجلاً تصدمه سيارة في كانّ وهو يعبر الحيز المخصص للمشاة، استنكر أنّ الناس هنا يقودون سياراتهم بعدائية، خلافاً للحال في البلدان الاسكاندينافية. روى أيضاً أنّ حاسوبه الآلي سُرق في مكان إقامته. سأله أحدهم إن شاهد الأفلام المتسابقة على “السعفة”، ومع أيٍّ من المخرجين يتشارك الجائزة لو استطاع، فردّ أنّه يحب مشاركتها مع هانيكه (“سائح” قريب من أسلوب المخرج النمسوي)، بالرغم من أنّه لم يشاهد “نهاية سعيدة”. فسأله منشّط المؤتمر هنري بيهار إن كان متأكداً من هذا، فأجاب بأنّه يمزح، والجائزة يريدها له فقط!



الجائزة الكبرى: “١٢٠ دقة في الدقيقة”

المخرج الفرنسي روبان كامبيّو اكتفى بـ”الجائزة الكبرى” عن عمله المدهش “١٢٠ دقة في الدقيقة”. عندما صعد إلى المسرح لاستلامها، حظي بتصفيق طويل جداً. قال هذا الذي عمل كاتب سيناريو للوران كانتيه ومونتيراً، إنّ فيلمه عمل جماعي. تعود بنا الحوادث إلى التسعينات، إلى ذلك الزمن حيث كان السيدا داء خطيراً يحصد ضحاياه. إنه زمن النضال من أجل المطالبة بعلاج طبي مقبول لمرضى السيدا. الفيلم ينطلق من جمعية الـ”آكت أبّ” التي يفرد لها الفيلم مساحة كبيرة في جزئه الأول. فهذه الجمعية (فرع فرنسي من جمعية تحمل الاسم عينه ولدت في أميركا) تتكفّل بنشر الوعي حول صراع المرضى المصابين بالسيدا والتعريف عن الشرائح الاجتماعية الأكثر عرضة لها (مدمنون، مثليون، عاملو جنس، الخ). ببراعة يد لا مثيل لها، يزاوج كامبيّو العام بالخاص، النضال من أجل الآخرين بالنضال من أجل البقاء على قيد الحياة. من المستحيل عدم ذرف دمعة أمام مشهد نهر الدم الذي يعود في خيال شون المحتضر. فعندما تكون التجربة الشخصية للمخرج على هذا القدر من البلاغة، لا بد أن تنعكس على الشاشة. كامبيّو يعرف عمّا يتكلّم، فهو انخرط بهذا النضال في صباه. روى أنّه في أحد الايام اضطر إلى أن يلبّس جسد رفيقه العاري وهو على فراش الموت.



جائزة السبعينية: نيكول كيدمان

أعطيت الممثلة الأوسترالية جائزة سبعينية المهرجان. فهي كانت تستحقها حق استحقاق. نشاطها لم يتوقف طوال السنتين الماضيتين. فحلّت ضيفة استثنائية على كانّ بأربعة أفلام: “المغشوش” لصوفيا كوبولا و”قتل الغزال المقدس” ليورغوس لانثيموس و”كيف نتحدث إلى الفتيات في الحفلات” لجون كاميرون ميتشل، ومسلسل “أعلى البحيرة” لجاين كامبيون. الممثلة التي تبلغ من العمر خمسين عاماً، تغيبت عن حفل توزيع الجوائز، ولكن بعثت برسالة مصوّرة.



جائزة الإخراج: “المغشوش”

فاجأت اللجنة معظمنا بإسناد جائزة الإخراج إلى صوفيا كوبولا عن “المغشوش”. هذه المرة الأولى تُمنح جائزة الإخراج لسيدة، في دورة قيل فيها كلام كثير عن ضرورة انصاف المرأة خلف الكاميرا ودعمها. كوبولا تغيبت هي الأخرى عن الحفل، فقرأت كلمتها المخرجة الألمانية مارين اديه، عضوة لجنة التحكيم. الرواية التي اقتبستها كوبولا (تأليف توماس كالينان)، سبق أن أفلمها المخرج الأميركي دون سيغل في العام 1971، واضطلع وقتها كلينت إيستوود بالدور الذي أُسند هنا الى كولين فارل. ولكن ثمة فارقاً ما بين النسختين، فنسخة سيغل أكثر خفة، ترتكز على الحدوتة وتتبنّى استيتيك أفلام الـ"ب". كان سيغل يعلم أن الحكاية لا تحتمل أكثر من ذلك. في حين أنّ كوبولا التي يقف على كتفها ظلّ الأب المهيب، أرادت القيام بخطوة إضافية، وهي في الحقيقة خطوة ناقصة لأنها تجنّبت كل الأشياء التي يمكن تصنيفها اليوم غير مقبولة على الشاشة.



جائزة التمثيل النسائي: ديان كروغر

مستحقّة جداً الجائزة التي أُعطيت للألمانية المقيمة في فرنسا ديان كروغر عن دورها في“من العدم” لفاتي أكين. الفيلم في ذاته إشكالي يتّسم بخطاب كيدي، ولكن تمثيل كروغر مدّه بشرعية معينة، وانتشل بعض المشاهد من رتابتها. بسببها نصدق بعضاً مما نصدقه. ولكن طبيعة دورها لا تساعدها كثيراً. فهي نصف واقعية ونصف أداة انتقام تشبه البطلات الخارقات. هذا الدور الأول لكروغر في فيلم ألماني، هي التي عملت خارج بلادها الأم، ذلك أنّها غادرتها في سنّ الخامسة والعشرين. عندما نطق ألمودوفار اسمها، كانت فرحة أكين لا توصف، لا بل تجاوزت فرحة الفائزة. وتعتبر كروغر أكين “أخيها”، وتنظر إليه باحترام شديد. “انه سوبرستار كبير في ألمانيا، لا يمكن التجول معه في شوارع هامبورغ من دون أن يتم إيقافه في الشارع وطلب سِلفي معه”.



جائزة التمثيل الرجالي: يواكين فينيكس

الممثل الأميركي الكبير يواكين فينيكس فاز بجائزة التمثيل عن دوره في “لم تكن هنا قط” للين رامسي (فازت بجائزة السيناريو مناصفة ـ ثالث جائزة لها في كانّ ـ مع “قتل الغزال المقدس” ليورغوس لانثيموس) التي بنت فيلمها برمته على أداء فينيكس الذي خضع لتحوّل شكلي كبير لتجسيد دور قاتل مأجور. المعالجة البصرية “العنيفة” للفيلم أجمل ما فيه (سنعود اليه في مقال نقدي مفصّل). يبدو أنّ فينيكس لم يكن يتوقّع الفوز، إذ حضر الحفل منتعلاً حذاء “كونفرس”!


جائزة لجنة التحكيم: “بلا حب” لأندره زفياغينتسف

قدّم هذا الروسي واحداً من أجمل أفلام المسابقة. عن الواقع الخانق في روسيا اليوم من خلال زوج وزوجة منفصلين عن بعضهما البعض ولا يكنّ أيٌّ منهما احتراماً للآخر، فينعكس هذا على ابنهما الوحيد الذي يمكن اعتباره طفلاً غير مرغوب فيه. إلا أنّ هروب هذا الابن من البيت سيكشف عمق الأزمة التي يعيشها مجتمع تغلب عليها الأنانية وعدم المبالاة بالمشاعر. قال المخرج إنه دعم نصّه بخلفية سياسية، ولكن ليس هذا القصد منه. ختاماً، فيلم آخر ناطق بالروسية، “سيدة رقيقة”، إخراج الأوكراني الموهوب سرغي لوزنيتسا، كان الأقل حظاً هذه السنة في اقتناص أي جائزة، علماً أنّه يستحقها أكثر من بعض الأفلام الفائزة. ولكن الجوائز تأتي وتذهب، أما روعة السينما فباقية الى الأبد.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم