السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الاشتباكات بين المسلحين في الجرود الشرقية... مقدمة لانهاء بؤر التوتر؟

المصدر: النهار
ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
الاشتباكات بين المسلحين في الجرود الشرقية... مقدمة لانهاء بؤر التوتر؟
الاشتباكات بين المسلحين في الجرود الشرقية... مقدمة لانهاء بؤر التوتر؟
A+ A-

بعد اقل من 24 ساعة على دعوة مباشرة اطلقها الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله الى ضرورة الاسراع في حسم وضع ما تبقى من مجموعات المسلحين السوريين في جرود عرسال والجرود اللبنانية من السلسلة الشرقية، حتى تواترت معلومات عن حصول اشتباكات بين مجموعات تنتمي الى "جبهة النصرة" (فتح الشام حالياً) ومعها مجموعات تطلق على نفسها "سرايا اهل الشام " ذات فكر "قاعدي" من جهة، وبين مجموعات توالي تنظيم "داعش" من جهة اخرى. وبحسب انباء فان هذه الاشتباكات استمرت ساعات وترددت اصداء القذائف المستخدمة وازيز الرشاشات الثقيلة في عمق البقاع الشمالي. 

ثمة من لا يحبذ اجراء عملية ربط بين الدعوة التي اطلقها السيد نصرالله وبين اشتعال محاور المواجهة الضارية بين الطرفين لان المنازلات في هذه المنطقة القصية بالذات ليست امراً يحدث للمرة الاولى، فهي امر موصول لا بل هي عود على بدء، اذ سبق وسجلت عشرات جولات العنف بينهما منذ اكثر من عامين، بعضها اخذ طريقه الى الضوء نظرا الى ضراوته وديمومته وقتا طويلا، فيما بقي البعض الاخر طي الكتمان نظرا الى محدوديته زمانا ومكانا ونتائج. ومع ذلك فان المواجهات الاخيرة بين الطرفين تنطوي على مغاز وابعاد عدة تجعل منها مختلفة عن ذي قبل ان من الناحية الاستراتيجية وان من جهة المدلولات وذلك انطلاقا من اعتبارات ونتائج في مقدمها:

- ان حدة الاشتباكات ووتيرتها بينهما كانت هذه المرة وفق المعايير العسكرية الاعلى والاكثر شراسة من المرات السابقة، اذ استخدمت فيها اسلحة ثقيلة واستمرت ساعات، فيما سجل فيها سقوط ما لا يقل عن 30 قتيلا من الاطراف المشاركين بينهم اكثر من 5 قياديين ميدانيين، فضلا عن ذلك اسفرت هذه المواجهات عن سقوط ما لايقل عن 50 جريحا.

- للمرة الاولى في تاريخ المواجهات والاحداث في هذا الحيز الجغرافي، يبادر بعض هذه المجموعات الى فتح قنوات اتصال غير مباشرة (عبر الصليب الاحمر اللبناني) مع السلطات اللبنانية المعنية التي اصدرت اوامر بالسماح بنقل اربعة جرحى في حال حرجة الى احد مستشفيات البقاع الغربي الخاصة، مما ولّد انطباعا عن حال يأس تنتاب هذه المجموعات وعن فقدانها عنصر القدرة على التحرك بسهولة ويسر في العمق السوري وفي الجانب اللبناني من حيز انتشارها، فضلا عن ان ذلك هو دليل على حجم الاشتباكات بين الطرفين وعلى ضراوتها من جهة وحجم الاصابات المسجلة من جهة اخرى.

- بالطبع ثمة من يعتبر ان مبادرة هذه المجموعات الى فتح قنوات تواصل غير مباشرة مع القيادة العسكرية اللبنانية وتجاوب هذه القيادة يشكل بحد ذاته مقدمة لازمة من الجانبين لانشاء لجنة ارتباط وتنسيق واتصال مهمتها التمهيد اذا ما اخذت هذه المجموعات، او بعضها، قرارا بالانسحاب من حيث هي متمركزة او الاستسلام، وهو وفق البعض صار امرا واردا اكثر من ذي قبل بفعل اشتداد الخناق على هؤلاء وتضاعف حلقات الحصار من حولهم.

- ان هذا التطور يدل من الزاوية العسكرية على حجم الاحباط واليأس اللذين تعيشهما هذه المجموعات وانسداد ابواب الامل امامها بتحقيق انجازات ميدانية او فتح ثغر تخفف وطأة الحصار المضروب عليها. والجلي ان الامين العام لـ "حزب الله" السيد نصرالله يدرك ولاريب مقدار التخبط والضياع الذي تعانيه هذه المجموعات ومدى حراجة وضعها الميداني فكانت دعواته المتكررة الى فعل عاجل ينهي وجود هذه المجموعات ويوصد بؤر تمركزها ويبعد نهائيا مصدر خطرها. كذلك فان القيادة العسكرية اللبنانية صارت على بينة من ان هذه المجموعات قد فقدت فعلا قدراتها على الفعل والمبادرة، فضاعفت هذه القيادة هجماتها واغاراتها عليها ىسيما في عرسال ومحيطها وذلك بهدف دفعها اما الى الاستسلام او طلب التفاوض توطئة للانسحاب واخلاء مواقعها.

ويقدر الخبير في القضايا الاستراتيجية العميد المتقاعد الدكتور امين حطيط عدد عناصر كل المجموعات السورية التي ما برحت تتمركز في الجرود اللبنانية بما بين 800 الى الف عنصر، لافتا الى ان كل المعلومات الواردة من هناك تؤكد انهم "صاروا في وضع المحاصر والمهدد واليائس عن الفعل واخذ زمام المبادرة".

ويعزو العميد حطيط اشتعال الاشتباكات الضارية اخيرا بين هذه المجموعات الى عوامل متعددة ابرزها:

- انفجار الصراعات في الاونة الاخيرة بين المرجعيات الاقليمية لهذه المجموعات المتعددة الولاء. ولقد صار واضحا بفعل التجارب انه في كل مرة تدخل فيها هذه المرجعيات في جولة جديدة من التناقض والسجال، فان ذلك يلقي بنفسه وبتداعياته على هذه المجموعات التي ما تلبث ان تدخل في مواجهات عسكرية او امنية (اغتيالات واعمال تفجير) في ما بينها في مناطق وميادين متعددة.

- فقدان الثقة بين هذه المجموعات وتضارب الحسابات والرؤى بينها بفعل العديد من المستجدات والتحولات. فعلى سبيل المثال ان جزءا من هذه المجموعات المنتشرة في الجرود اللبنانية بعث بأكثر من رسالة واشارة الى من يعنيهم الامر في الداخل والخارج انه صار في وارد الدخول في تسوية والانتقال من حيث هو الى اماكن اخرى، فيما الجزء الاخر من هذه المجموعات لم يتجاوب بعد مع هذه الفكرة، بل هو يقيم على خشية من ان يصير بين لحظة واخرى ضحية هذه التسوية وكبش محرقتها.

- ثمة عامل ميداني آخر يدفع بهذه المجموعات الى التقاتل والتنازع في ما بينها، وجوهره ان شعور عناصر هذه المجموعات وقادتها الميدانيين انها باتت في وضع المحاصر والمعزول من كل الاتجاهات وقد فقدت كليا زمام المبادرة وذلك بفعل التطورات والتحولات الميدانية في الميدان السوري وفي الجانب اللبناني من الحدود. ولم يعد خافيا ان بسط الجيش السوري سيطرته على كل الخط الواصل بين حلب ودمشق جعل كل المجموعات المسلحة المتمركزة غرب هذا الخط ومنه منطقة الجرود اللبنانية من السلسلة الشرقية في حال صعبة ويائسة.

ويخلص العميد حطيط الى الاستنتاج ان الاشتباكات بين هذه المجموعات على غرار ما حصل اخيرا ستتكرر بين فترة واخرى، وان هذا الوضع هو لمصلحة لبنان بالتأكيد. لذا يتعين عليه ان يبحث جديا عن سبل الاستفادة وانهاء هذه البؤر تماما وإبعاد خطرها كليا.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم