الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

السلام الممكن

معن جيزاني- صحافي وناشط أميركي عراقي
السلام الممكن
السلام الممكن
A+ A-

قبل نحو ثمانية أشهر تقريباً أعلن المرشح لانتخابات الرئاسة الأميركية وقتها دونالد ترامب برنامج السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، حينها كان حديثه لافتاً بشأن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث لم يضع أي التزامات مسبقة حول شكل الحل النهائي بين الطرفين وذهب إلى الحديث، في أكثر من مناسبة، عن مفاوضات متعددة الأطراف يجلس فيها جميع المعنيين بملف الصراع من أجل التوصل إلى معاهدة سلام ممكنة.  

حلقة المستشارين المحيطة بالمرشح ترامب، وبينهم وليد فارس مستشار السياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب، فسرت وقتها خطط الإدارة الأميركية الجديدة وفق صيغة الحل الشامل الذي تدخل في صلبه الدول العربية المؤثرة، كالمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر إلى جانب السلطة الفلسطينية كأطراف مباشرة في المفاوضات. وقد تتسع المبادرة لتشمل جامعة الدول العربية وتحصل بموجبها إسرائيل على اعتراف كامل بوجودها وحقها في الحياة من محيطها العربي مقابل اعترافها بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود عام ١٩٦٧.

هذه الصيغة تشبه إلى حد كبير مبادرة قمة بيروت التي تبنتها جامعة الدول العربية في عام ٢٠٠٠. لكن البنود التي حالت دون قبول إسرائيل بالمبادرة العربية وقتها لا تزال البنود ذاتها التي تهدد أي مفاوضات سلام جديدة، وأبرزها ملف حق العودة للّاجئين الفلسطينيين وملف تقسيم القدس. وفي هذا الشأن كان المرشح ترامب واضحاً عندما أعلن نيّته دعوة الطرفين إلى تقديم تنازلات مؤلمة من أجل التوصل إلى اتفاق تاريخي ينهي واحداً من أطول الصراعات السياسية والعسكرية في العصر الحديث. التنازلات المؤلمة التي تصبح معها عملية السلام ممكنة لن تخرج عن نطاق هذين البندين الأساسيين، اللاجئين والقدس، فإذا وافق الفلسطينيون على عدم إدراج شرط عودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي نزحوا عنها، فستجد إسرائيل نفسها مضطرة للموافقة على إعادة القدس الشرقية إلى السيادة الفلسطينية أو وضعها تحت إدارة مدنية مشتركة يتم تنظيمها وفق آلية يقبلها الطرفان.

نجاح هذا السيناريو سيعتمد على حجم الجهود والتضحيات التي يمكن أن تبذلها الدول العربية من أجل تفكيك عقبتين أساسيتين.

الأولى: دمج الفصائل الفلسطينية في جسم تفاوضي واحد ونزع سلاحها تمهيداً لبناء كيان شرعي فلسطيني يضم جميع الأطراف ويخضع لدستور ومؤسسات نهائية. والثانية: إيجاد حل نهائي للّاجئين الفلسطينيين الذين لم يتم توطينهم حتى الآن وتوزيعهم على الدول العربية وبقية دول العالم ليحصلوا على حقوق مواطنة كاملة.

حل هاتين العقبتين بإمكانه أن يسهم في إحداث تغير تاريخي في المزاج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول الشرق الأوسط وينهي عقوداً من المخاوف وعدم الاستقرار ويفتح آفاق حياة جديدة لملايين الفلسطينيين مواطنين ولاجئين بعد أجيال طويلة من التشتت والضياع.

الرئيس ترامب يبدو جادّاً ومصمماً على إنجاز معاهدة سلام حقيقية بين العرب وإسرائيل، والزيارات التي افتتح بها عهده الرئاسي خارجياً تضع هذا الملف على رأس الأولويات، لأن الرئيس ترامب مقتنع تماماً بأن إنجاز السلام وإنهاء الصراع الأزلي في الشرق الأوسط سيسهم بتحقيق أهداف كثيرة، من بينها إنهاء عقود من العنف والكراهية، إطلاق عجلة التنمية، وتحجيم دور إيران وأذرعها في المنطقة. هذه الأهداف جميعها تؤدي إلى تراجع الفكر المتطرّف وانتهاء عصر الإرهاب الذي شهده العالم خلال العقدين الماضيين، ناهيك عن رغبة ترامب نفسه في حل هذا الصراع خلال ولايته الرئاسية ليمنحه العالم المجد الذي لم يحصل عليه أي رئيس أميركي في السابق.




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم