الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

تدخل بوتين في سوريا عدل ميزان القوى عسكرياً لا سياسياً إطالة أمد الصراع يحول المكاسب عبئاً على كاهل الروس

جورج عيسى
تدخل بوتين في سوريا عدل ميزان القوى عسكرياً لا سياسياً إطالة أمد الصراع يحول المكاسب عبئاً على كاهل الروس
تدخل بوتين في سوريا عدل ميزان القوى عسكرياً لا سياسياً إطالة أمد الصراع يحول المكاسب عبئاً على كاهل الروس
A+ A-

لم تكن المكاسب التي حقّقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين تدخّل عسكريّاً في النزاع السوري "جائزة ترضية" أعطيت له عَرَضاً بتقلّص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إذ يعتقد مراقبون أنّ إعادة توسيع الكرملين دائرة التأثير الروسي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هي سياسة بعيدة المدى خطّطت لها موسكو منذ أكثر من عقد.  

بعد سقوط حلب في يد الجيش السوري أواخر العام الماضي، تمكّن بوتين من تعديل مركز ثقل التوازن السياسي في الشرق الأوسط لمصلحة بلاده. فالحديث عن إسقاط الرئيس بشار الأسد أو على الأقلّ البحث في مصيره من دون الروس، إمّا انتهى وإما شارف الانتهاء.

وعلى صعيد أوسع، بات الإسرائيليّون مضطرّين الى التنسيق مع الرئيس الروسي في ما يتصل بتحليق مقاتلاتهم فوق المناطق السوريّة وقصفها الأهداف "المشتبه فيها" داخلها. والإيرانيّون الذين طالبوا الروس بالتدخّل في صيف 2015 دفعوا أثماناً على صعيد قيادة العمليّات العسكريّة على الأرض. ولعلّ نجاح بوتين في استمالة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وصبّ الزيت على نار الشرخ التركي - الغربي، كان مكسباً إضافيّاً في هذا الإطار.

لكنّ تمكّن موسكو من تسحيل هذه النقاط وغيرها هو إنجاز استراتيجيّ ذو طابع تنافريّ بالربط مع الإطار الزمنيّ للنزاع. فكلّما طال أمد الصراع في سوريا، تهالكت المكاسب إلى حدّ تحوّلها عبئاً على كاهل الروس. وبعد سنتين ونصف سنة من الانخراط العسكري لروسيا في سوريا، يمكن طرح الأسئلة مجدّداً عمّا استطاع الكرملين أن ينجزه بعد إسقاطه حلب بالتوازي مع تولّي إدارة أميركيّة جديدة مقاليد الحكم في واشنطن. فقد حاول الكرملين وضع ثقله العسكريّ للتعجيل في التوصل إلى حلول سياسيّة من غير أن يحقّق ما يُذكر في هذه المعادلة. فلا هو وفّق في استبدال جنيف بأستانا، ولا نجح في فرض مسوّدة دستور جديد على البلاد وإرساء حلّ سياسيّ قابل للحياة.

وإن كان الكرملين قد نجح في تقليص النفوذ الإيراني لدى الرئيس السوري، فإنّه فشل في إلغاء هذا التأثير خصوصاً على مستوى فرض محطّات متفرّقة من وقف للنار أو وقف للتغيير الديموغرافي. وعجزت روسيا أيضاً عن استثمار "انتصاراتها" داخل سوريا عبر تحويلها إلى ضغط على الغرب لرفع عقوباته التي فرضها عليها لضمّها شبه جزيرة القرم.

عسكريّاً، تحدّث المراقبون عن قدرة الميدان السوري على اختبار عمليّات التحديث الشاملة التي أجرتها روسيا للقدرات القتالية والتقنية لجيشها. ونظروا إلى نشر موسكو منظومة الصواريخ الدفاعية "أس- 400" على أنه محوّل استراتيجي لموازين القوى في شرق المتوسّط لمصلحة الروس. لكنّ قصف الولايات المتحدة مطار الشعيرات في نيسان الماضي بصواريخ "توماهوك" من غير أن تتحرّك موسكو، حتى مع الإبلاغ الأميركي المسبق لقيادتها، أبطل جزءاً وازناً من تلك النظرة. لا بل ذلك الحدث يرسم مزيداً من علامات الاستفهام عن سبب ترويج الإعلام الروسي مراراً لصواريخ "أس-500" المستقبليّة في حين أنّ الجيل الحالي منها لم يُختبر حين سنحت الفرصة.

والتحدّي الأميركي للدور الروسي في سوريا لم يقتصر على هذه المنظومة الدفاعيّة. فحين قادت موسكو عمليّة إنشاء مناطق لتخفيف التوتّر في البلاد، هدفت عمليّاً إلى استباق أيّ تحرّك أميركيّ في اتجاه إقامة "مناطق آمنة" تحدّدها بشروطها الخاصّة. كما أرادت أيضاً من خلالها منع طيران قوّات التحالف من التحليق فوق المناطق المشمولة بالاتفاق. لكنّ الهدف الأخير لم يتحقّق، لأنّ مسؤولاً في وزارة الخارجيّة الأميركيّة أبلغ صحيفة "الوول ستريت جورنال" الأميركيّة أنّ هذه المناطق لا يمكنها أن "تحدّ" من مهمّة واشنطن في استهداف "داعش" وذلك "في أي حال من الأحوال".

وتفرض هذه الوقائع قراءة جديدة للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط لمعرفة ما إذا كان حقاً يفقد القمّة التي تربّع على عرشها حتى أوائل هذه السنة. عمليّاً، يقتضي أن يترافق الحديث عن المكاسب الاستراتيجيّة مع إمكان قطف ثمارها على المديين المتوسّط والبعيد. وهذا ما بدأ المتابعون يشكّكون فيه حديثاً، بعدما كانت تحليلاتهم متفائلة مطلع هذه السنة بالنسبة الى المصالح المستقبليّة لروسيا.

وقد وصف المدير السابق لمشروع جامعة بيركلي للدراسات الأوراسيّة والأوروبيّة الشرقيّة إدوارد ووكر، المكاسب الروسيّة بأنّها "موقّتة". ورأى في مقال نشرته صحيفة "موسكو تايمس" الروسيّة أنّه مع استمرار الأوضاع السياسيّة والعسكريّة على حالها في سوريا، لن تغيّر موسكو سياستها هناك، قبل الانتخابات الرئاسيّة الروسية سنة 2018 على الأقلّ. فعندها سيبدأ بوتين ومستشاروه بالتساؤل عن "زيادة كلفة التدخل على منافعه".

وقال ووكر إنّ روسيا تواجه مشكلة "غياب تناسق المصالح" في سوريا لأنّ الأخيرة دولة بعيدة نسبياً عنها كما أنّ التجارة بينهما "لم تكن يوماً ذات أهمية". وبينما لا يبدو الكرملين في وارد إعادة إطلاق الاقتصاد السوري، تبرز في اعتقاده المصالح السياسية والأمنية الحقيقيّة للروس في المنطقة الأوراسيّة.

أمّا المعلّق السياسي والعسكريّ في شبكتي "سي أن أن" و"فوكس نيوز" الأميركيّتين للتلفزيون جوزف ميكالّف فقد توقّع في موقع "ميليتاري" الأميركي، أن يسعى بوتين الى "تغيير قواعد الاشتباك" مع الغرب. وسيتجلّى ذلك في زيادة الدعم لليمين الأوروبي المتطرّف أو تصعيد النشاط الديبلوماسي الروسي بين زبائن سابقين لدى الاتحاد السوفياتي مثل نيكاراغوا. فبالنسبة إلى ميكالّف، تشبه استراتيجيّة بوتين "التعويضيّة" "مقامراً خاسراً يستمرّ في مضاعفة رهانه وهو مقتنع بأنّ الأوراق ستجعل الأحداث تصبّ في مصلحته". ويمضي الباحث في انتقاده الحادّ لفشل الرئيس الروسي فيكتب أنّه مع تزايد الصعوبات الاقتصادية نتيجة حربه في سوريا، كان الاتحاد السوفياتي، لو قدّر له الاستمرار حتى اليوم، "سيخفّض رتبة" بوتين "أو على الأقلّ ينقله إلى قاعدة الكي. جي. بي. في كاماشاتكا" (بأقصى شرق روسيا)!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم