السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

عن "الشرّ والشرّير"... هل الشيطان هو السبب فعلا؟

هالة حمصي
هالة حمصي
عن "الشرّ والشرّير"... هل الشيطان هو السبب فعلا؟
عن "الشرّ والشرّير"... هل الشيطان هو السبب فعلا؟
A+ A-

يسأل ويفتش عن اجابات في الكتاب المقدس، في المفاهيم اللاهوتية، مدركا ان بعض كلامه، لا سيما عن الشيطان، قد لا يعجب كثيرين. بالنسبة اليه، "لا يكفي القول ان الكتاب المقدس يتكلم على الشيطان. علينا ايضا ان نسأل ان كانت تلك التأكيدات الكتابية تؤلف جزءا من عقيدة الايمان الصرف، ام إنّها تنتمي فقط الى مفهوم العالم كما كان شائعا حين دُوِّنَت الاسفار".

لا يكفيه الاب هاغ "هذا الجواب الجاهز" الذي يستخرجه كثيرون من الكتاب المقدس عن السبب وراء قيام الانسان بالشر او تحوّله شريرا، بالقول ان "الشر بذاته غير موجود، لكن هناك الشرير: انه الشر بنفسه... وهو من يزرع الشر في قلب الانسان ويحثه على القيام بالشر". الشيطان. وصيته مرعب، لما يتمتع به من "سلطان على كل البشر، وسعيه الى هلاكهم جميعا، نفسا وجسدا"، وفقا لما نشأت عليه اجيال واجيال برمتها.   


الانسان الشرير  

دعوة الى التفكير. "يعلن الايمان (المسيحي) على نحو قاطع ان الشر يأتي من الشيطان. ولكن هل الامر حقيقة كذلك؟" يتساءل. هذا السؤال الذي "يشغل كثيرا انسان اليوم"، يقابله هاغ بـ"أمر مؤكد": "يعود القرار الى الانسان ليقوم بالخير او بالشر. لقد خلق الله الانسان حرا، وعلى الانسان ان يقرر بكل حرية لصالح الخير. ولكن يعني هذا ايضا انه قادر على ان يقرر ما هو ليس للخير: ان يقرر للشر".


بالنسبة اليه، يتوجب القول "ان الشرّ بذاته غير موجود. فالشر لا يعيش الا بقدر ما يتجسد في الانسان من خلال ارادته وسلوكه. فالشر اذًا لا يوجد، بل هو الانسان الشرير الموجود، او الانسان الذي يفعل الشر". وتنفتح المناقشة معه على آفاق اخرى، ويذهب الى ابعد... بجرأة كبيرة.    


عندما اختارت دار المشرق التابعة للآباء السيوعيين في لبنان ان تترجم كتاب الاب هاغ "الشر والشرير مقاربة كتابية نقدية"(2)، من الالمانية الى العربية، فذلك لما يشغله موضوع الشرير او الشيطان و"الشفاءات من الارواح النجسة" من "حيز مهم في المناقشات والمشاركات في النشاطات الرعوية للشبيبة"، ولما لهذا الموضوع من "نتائج على نفسية الشبيبة وطريقة فهمها ايمانها". الملاحظ "حالات خوف... تحوُّل الجهد الروحي لبعضهم تضرعا متواصلا للخلاص من حيل الشرير وملائكته او فهم بعضهم حياته الايمانية بصفتها معركة لا هوادة فيها في وجه الشرير".    


الموضوع يكتسب حجما لا يُستهان به، مع نتائج لا يمكن احيانا كثيرة عكس مفاعيلها في الحياة الروحية. وللاب هاغ ما يوصله الى تلك "الشبيبة" اللبنانية والعربية، لا سيما حول كل ما يتصل بمسائل جوهرية، اولها التجربة. وهي في رأيه "متأصلة في الطبيعة الانسانية، في حرية الانسان، ومن دونها ما من كائن انساني حقيقي". ويقول: "ان نكون بشرا يعني ان نُجرَّب. وان نُجرَّب يعني ان نكون بشرا. ولهذا السبب كان على يسوع ايضا ان يُجرَّب. والتعزية الكبيرة لتلاميذه هي معرفتهم انه جُرِّب ايضا".  


فكرة يطورها جيدا، ويشرحها بالعمق. "يعني الحب تقديم المساعدة الى قريب في تجربة. والحب الاسمى الا نقوده الى التجربة. من يسيء الى قريبه، يدفعه الى ارتكاب الظلم مقابل الظلم، الى الكراهية، الى قساوة القلب والمرارة... لم نُدعَ الى الحاق الشر بالقريب، بل الى مساعدته".  


"ليس الشيطان او روح شرير" 

الى جانب التجربة، تستوقفه "ظاهرة" الخطيئة، كجزء من الحالة البشرية. يعود الى الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، ويقرأ ويفكر كثيرا، مفتشا عن تلك "الخطيئة الاولى"، ليدعو الى "وجوب التخلي عن الاستنتاجات التي استخلصت تقليديا من تلك الخطئية الاولى". لا بل يذهب الى الاعتبار ان "القول بان الانسان يولد خاطئا ليس صحيحا بالضبط، وبانه يرث خطيئة اسلافه او آدم. يترتب علينا ان نحذف تعبير "الخطيئة الاصلية" من قاموسنا الديني".


صريح هاغ في قراءته. "ليس الشيطان او روح شرير من يحثنا على ارتكاب الخطيئة". في شرحه ان "الشيطان في العهد القديم كان ببساطة مجرد حل بدا الوحيد. لقد برزت حاجة دينية يهودية الى ذلك الحل، اذ كان من المستحيل قبول فكر ان الشر في العالم يُعزى في نهاية الامر الى العناية الالهية...". كذلك، يتضح له ان "ما يرد في العهد الجديد عن الشيطان لا يمكن ان ينتمي الى الرسالة الالزامية، بل يتصل ببساطة بمفهوم العالم الخاص بالكتاب المقدس، وهو مفهوم ليس فيه ما يلزم الايمان".   

يغوص في معنى لفظة "الشيطان" في اطارها الزمني الديني، ليستنتج ان "العهد الجديد نفسه يستخدم اذا، بالمعنى نفسه وبالتناوب، كلمات: الشيطان وابليس والعالم والخطيئة والشر". ويتدارك: "لا يهتم العهد الجديد بامر الشيطان بالتحديد. فالخبر السار الذي يعلنه هو انه ما عاد يمكن الشر ان ينتشر ويتصاعد بحرية، لان في يسوع اصبح ملكوت الهك وشيكا".  


قراءة متقدمة يقدمها عن الخطيئة التي يقول انها "سر، وستبقى كذلك مع الشيطان او من دونه". وللمحذرين من ان الحيلة الكبرى للشيطان هي ان يجعل البشر في نهاية الامر يستخفون به، يقدم "جوابا هو ببساطة ان الله في صميم الكتاب المقدس، والشيطان لا يشغل فيه الا مكانا هامشيا".  


وللارشاد القائل: "لا تجعلوا لابليس سبيلا"، يورد المعنى التالي: "لا! لا تقلقوا بسبب اي تعليم عن الشيطان، بل اعتبروا الخطيئة بجدية، واعتبروا النعمة ايضا بجدية". ويتدارك: "لسنا نحن في مكان بين الله والشيطان، بل بين الخطيئة والنعمة اللتين تؤلفان موضوع تاريخ الخلاص. وهذا هو ايضا موضوع حياتنا".   


ويبقى السؤال الملح. من اين يأتي اذًا الشر؟ و"من اين تأتي الخطيئة ان لم يكن الشيطان المتسبب بها؟ لا لبس في الامر في رأيه. "لا تأتي الخطيئة من شيطان خارجًا عنا، بل تأتي من قلبنا نفسه. ليس الشيطان "العدو"، بل انه "الأنا" الشخصي الصغير. انها انانيتنا. ولا عجب ان تكون وصايا الله تخاطبنا نحن بكل وضوح: يجب عليك... يجب عليكم".  

(1)Herbert Haag (1915-2001)، درّس العهد القديم في كلية لوسيرن اللاهوتية، وكلية اللاهوت في جامعة توبينغن.

(2)الاب هربرت هاغ، "الشر والشرير مقاربة كتابية نقدية"، دار المشرق، 2017. بالالمانية "Abschied Vom Teufel. Vom Christlichen Umgang mit dem Bosen"، Benziger، 2000.



[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم