الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

دودة تكتبُ فصلاً من كتابٍ فلسفي

المصدر: "النهار"
رافي ميناس
دودة تكتبُ فصلاً من كتابٍ فلسفي
دودة تكتبُ فصلاً من كتابٍ فلسفي
A+ A-

أكتب هذه الكلمات الفارغة وأنا أرى نهايتي تقترب مني بكلِّ برود، لديّ من الوقت ما يكفي لأكتب وأسرد. لكن لا وقت لدي لأزحفَ مبتعدةً عن مصيري المحتوم. الوقت... ما هو! ليس ضمن إدراكي، فأنا ببُعدين، البعد الثالث لا أدركه فما بالكم بالبعد الرابع! دخلتُ مرةً صندوقاً، لم أفهم لِمَ ليس في استطاعتي الخروج منه، وما هذا الشيء الذي ارتطم به، هذا الشيء يمنعني من الخروج، لكن ما هو؟ هذه حالتي مع الارتفاع! .. وهذه حال الإنسان مع الزمن...  

أزحفُ من دون وجه. ولطالما سألتُ نفسي، هل الطريق يحمل الاتجاه، أم أنّ الاتجاه يحمل الطريق! طُرُق أهلي كان اتجاهها دوماً نحو النهاية. أمّي تمزّق جسدها برمح منقار دجاجة، ويقال إنّ أبي زار المحيط. نعم المحيط، لا أقصد بقعة الماء الكبيرة تلك. بل المحيط فعلاً! كان أسطورة، حدّثني صديقه ذات يوم، كيف غاص أبي إلى عمق المحيط جاذباً سمكة ضخمة من فكّها ثم قذف بها خارج الماء حتى أرداها جثة ترتجف خوفاً وبرداً. وكانت هذه آخر الحكايات عن أبي!

إلى أين أنا ذاهبة؟ سألتُ وأسأل نفسي مراراً هذا السؤال الأصعب. جسدي سيتحلل وتتشرّبه التربة إن لم تصادفه دجاجة محظوظة. لكنّ الأنا.. أين ستذهب؟ وبأيّ شكل وبُعد ستكون؟ أمامي ساعة على الأكثر لأقف أمام أجوبة أسئلتي الكثيرة. هذه الساعة التي لا تساوي لحظة عند الإنسان، ستتحوّل لدقيقة كما سيتحوّل الزمن لومضة! حين يقترب نيزك ضخم ليرتطم بهذا الكوكب اللعين، كارتطام كرات البلياردو. قرأت ذلك مرة في كتابٍ تركه شاب على عشبِ الحديقة، وراح يقبّل حبيبته. كانت زميلته في الجامعة على ما أعتقد. كانت تحبّ الديدان وتدافع عنها. كيف؟ ذات يوم فاجأته من الخلف وهو يحاول اصطياد دودة في هاتفه المحمول، رمت الهاتف أرضاً وأمسكته من ياقة قميصه وسحبته خلف الجدار، خرج بعد وقت وقميصه مفتوح. وجهه وعنقه ملتطخان بلونٍ أحمر بشكلٍ يشبه الشفاه! في هذه الأثناء كنت أحاول إخراج الدودة من الهاتف، مسكينة لم تسمع ندائي، كانت ترتطم بجدرانٍ. كانت في عالم آخر. حاولتُ إخراجها لكني لم أعرف كيف أدخل إلى ذاك العالم. يقال إنّ الإنسان يستطيع الوجود في هذا العالم وذاك في آنٍ. كان محقاً ماكس بلانك في نظريته. لكن هل يعقل أن يبقى الإنسان في ذلك العالم فقط، كحال الدودة التي اختفت بعدما أنطفأت الشاشة؟

هل نهايات الديدان هناك؟ تُرحّل إلى الهواتف المحمولة، أم أنّ ديدان الهواتف قومٌ وجنسٌ ديداني آخر؟

هل حبيبي هناك أيضاً، أم كما يروون لي بأنه طار؟ أين هو الآن، لينقذني! كان مختلفاً عن كل الديدان، يسحرني بأشعاره وأحلامه وخيالاته. وعدني أن يأخذني إلى بلادٍ بعيدة، إلى غاباتٍ وقمم. وعدني أن ندخل سوياً في البعد الثالث!

ساءت حاله كثيراً. يبدو أنّ أسئلتي قد أصابته بالاكتئاب، جلس تحت ورقة شجرة ساكناً من دون حراك. ذات صباح وجدت جلده ممزقاً. ظننته انتحر، لكنهم قالوا لي بأنه طار. طار!

أُفضّل فرضية الانتحار وأُنكر وجود البعد الثالث. سأعتنق كلّ الأفكار التي لا تتعبني وأطرح على نفسي أسئلة لها أجوبة واضحة، معلّبة. وديدان الهواتف المحمولة ليست بديدان أصلاً، إنها...

(أطبق الحذاء على الدودة... أعادها إلى البُعد الأول! وبقيت كل أفكارها وأسئلتها وأحلامها تتردّد كصدى في بُعدٍ لم يدركه حتى البشر).

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم