الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عن ديانا مقلّد والمثليين وردّ "تيار المستقبل" الرافض والمؤيّد

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
عن ديانا مقلّد والمثليين وردّ "تيار المستقبل" الرافض والمؤيّد
عن ديانا مقلّد والمثليين وردّ "تيار المستقبل" الرافض والمؤيّد
A+ A-

أبدأ بصراحة: من المعيب ما يحصل تجاه مثليي الجنس وكلّ رأي حرّ في لبنان. مصادرة مؤتمرهم فضيحة والنظرة الإلغائية تجاههم جريمة وعار. ومن المعيب ما يحصل تجاه طبقة لبنانية متنوّرة تُرمَى بالكفر كلما أبدت مقاربة مختلفة لإشكاليات جدلية. عوض أن يهبّ مجتمع "البريستيج" وادّعاء التحرّر دفاعاً عن حقّ كلّ إنسان بأن يكون ما يشعر وما يشاء، يختزل ذاته على هيئة غاضبة، ويشنّ حملة اضطهاد في وجه مَن يدافع عن الحقّ بإعلان المثلية أو رفض زواج القاصرات أو رفع الصوت في وجه وحشية الأحوال الشخصية. مخيف الجوّ. يتمدّد التشدّد في الأعماق والعقول والأفكار، مسيطراً على مناخٍ كاذب يدّعي أنّ "لبنان بلد الحرية". متى نطمئن إلى المجتمعات ومتى نخشاها؟ في اللحظات "الحرجة"، حين تبتلع الظلمات النور القليل الباقي. نرفع عالياً الصوت في قضية يجدر أن تُصنّف من البديهيات: مع المثليين وحقوقهم وحرّيتهم في الحبّ والشعور والوجود والبقاء، تماماً كبديهية وجود الرجل والمرأة معاً وحقّهما في الحبّ والشعور والوجود والبقاء. ومع كلّ رأي يرفعه مثقف أو واعٍ أو متنوّر أو مخترقٍ للسائد في وجه المألوف والتدجين وما يُخدّر العقل والآفاق. أيّ كلام آخر معيب، فكيف إن تلازم بالتهديد والتحريض على العنف والكراهية؟ يصبح الانتماء إلى مجتمعات مشابهة عقاباً والتنفّس في داخلها اختناقاً والهروب أشدّ مأساة من التحمّل والاصرار.  



ليس الموقف الأول

المسألة بدأت من "بوست" كثُرت التبليغات عنه فحظره "فايسبوك". تُخبرنا ديانا مقلّد- المُتّخَذة في رأينا ذريعة لتفريغ أحقاد مجتمع غاضب تجاه الرأي "المضاد"- أنّ وسائل التواصل الاجتماعي لا تزال في حال اختبار. "سبق أن هوجمتُ لمواقف تتعلّق بالحريات وحقّ المرء في إبداء رأيه ضدّ الحروب ومرتكبيها ومسائل أخرى كعقوبة الإعدام. موقفي هذا ليس الأول. كانت لي مواقف حول كلام السيد (حسن) #نصرالله عن زواج القاصرات، والمحكمة الجعفرية وحضانة الأطفال. أدافع عن الحقّ. وانسجاماً مع نفسي، كتبتُ "بوستاً" عن التناقض في #الإسلام بما يعني مسألة الحقّ بالمثلية الجنسية، فبلغت الردود حدّها. أتفادى في الغالب الشخصنة وافتعال الصِدام، علماً أنّه لديّ مطلق الحرية في السخرية والنقد، وأؤمن بضرورة نقاش المحرّمات في الدين والطائفة والوطن. كلّ ما حولنا تابوات. المقاومة تابو، والدين تابو. ما حصل يضعني أمام استغراب: لِمَ كلّ هذه الضجّة، فيما طريقتي في التعبير عن آرائي لم تتغيّر؟ مما يجعلني أرتاب: هل ثمة مَن يعمل على تضخيم ردود الفعل؟ من الصعب الإجابة على هذا الشكّ. لن أدخل في لعبة النيات. أدركُ أنني على تماس مع رأي عام يختزل كلّ الآراء، ومن المُحتمل دائماً التعرّض لهجوم ضمن حدود النقاش، لكنّ الأمور بلغت حدّ الشتيمة والإهانة والتحريض على العنف. لم يعد الوضع يُحتَمل".



نعلم هذا جيداً. ما عاد شيءٌ يُحتمل، فيما الحريات تضيق بناسها وأصواتها وضمائرها الحيّة. ولكن ماذا عن "بوست" المنسق العام للإعلام في #تيار_المستقبل عبدالسلام موسى الذي "برَّأ" فيه "التيار" مما اعتبره "إساءة للإسلام"؟ "أحترم مكان عملي وأعرف الحدود والسقف. لا أجرّح بالمؤسسة ولا بالفريق السياسي المُشرف عليها. ولا يمكن أن أقابلها بإساءة أو إحراج. إنما المناداة بالحقوق هو الأمل الأخير لنا، إن خسرناه انتهينا". تطرح مقلّد سؤالاً جوهرياً: "لماذا نلجأ إلى السوشال ميديا؟"، وتجيب عليه: "لأنّ أدوات الحوار الأخرى تعطّلت والمساحات تضيق بنا. أتمسّك بخيار الحرية ولن أُردَع. أحتفظ باقتناعاتي ولن أحيد عنها. وفي آنٍ، أحترم "تلفزيون المستقبل"، وليس من المنطق الردّ بحملة ضدّه أو توجيه الإساءة إليه، لكنني لا أمثّل "التيار" ولستُ عضواً فيه. وفي النهاية، عاد الكلام عني بالسوء على أصحابه، وكما جوبهتُ بالرفض، أظهر متضامون معي أنّ الانتصار لإشكالية الحقوق والحريات في لبنان لا يزال ممكناً".


"الفعل وردّ الفعل"

يرفض عبدالسلام موسى "تحميل الموضوع أكثر مما يحتمل". في رأيه، "الجمهور اعتبر البوست مسيئاً، بدليل أنّه بلَّغ عنه فاضطر "فايسبوك" إلى حذفه". نسأل المنسق العام للإعلام في "التيار" عن مسؤولية حضّ الجماهير على الغضب. ألا تساهمون في التأجيج بذريعة التبرّؤ مما يُسيء إلى الدين؟ على الأرجح يبدو أنّ صدر "تيار المستقبل" ضاق، وما عدتم تتقبّلون صوتاً يرتفع قليلاً. بهدوء، يرفض موسى هذا الكلام. "ديانا قامت بالفعل، فأتاها ردّ الفعل. الرأي العام متنوّع، وكما ثمة مَن يؤيد موقفها، ثمة أيضاً مَن يرفضه. نحن نحترم الرأيين. وكما لديانا حقّ التعبير بحرية، للجمهور الحقّ بالتعبير أيضاً". ولكن، يحمّل "المستقبل" نفسه مَهمّة الدفاع عن الإسلام كلّما "تنفّس" أحدٌ "فايسبوكياً"، فيما كان الاعتقاد بأنّه تيار الاعتدال والعبور خارج الطوائف. أذكِّركَ بما جرى مع الزميل إيلي الحاج، وكيف استُبعد من إذاعة "الشرق" بسبب "بوست". هل هذه صورة "المستقبل" اليوم؟ يسألنا التمهّل ليوضح: "البوست حين استفزّ الجمهور وتم ربطه بموقف "المستقبل"، وجدتُ، انطلاقاً من موقعي المسؤول، ضرورة التوضيح في حسابي "الفايسبوكي"، فلا يجري تحميل "التيار" ما كتبته ديانا، وبأنّ موقفها من الإسلام في قضية المثليين يمثّل رأي جمهوره، هو المُصنّف بغالبيته مسلماً، فأوضحتُ بأنّ رأيها شخصي و"المستقبل" يرفض الإساءة للأديان. تحميل المسألة أضعاف ما تحتمل يصبح افتراء، والتوضيح لا يعني أننا "دواعش" نتوعّد أو نهدّد".

نعود إلى إشكالية الاعتدال في جوهر "المستقبل". كيف يكون تيار اعتدال، ويتحمّس لعقاب مَن له رأي نقدي؟ يدعو إلى التمهّل مرة أخرى، ويجيب: "الاعتدال لا يعني الإساءة للأديان والتهجّم على الذات الإلهية والمعتقد. لا يزال "المستقبل" يشكّل احتضاناً واسعاً للاعتدال والتنوّع، فهو حين تهجّم نائبه خالد الضاهر على المسيحيين، اتّخذ منه موقفاً وتمّ فضله من الكتلة، لكن ثمة أموراً لا تخضع للمهادنة في مجتمع حسّاس، ردود الفعل فيه تتفاوت شدّةً. الأمر عينه كان لينطبق على إعلامي في "المنار" ينتقد الإسلام باسم "حزب الله"، أو في مؤسسة إعلامية مسيحية ينتقد الدين المسيحي". وإيلي الحاج، كيف تفسّرون الإجراء في حقّه؟ هل يستحقّ موقفٌ "فايسبوكي" كلّ هذه الحِدّة؟ يرى "بوست" الحاج "قاسياً" في نظر "الناس والجهات الدينية، وكان يجدر توقّع ردّ الفعل".

"المستقبل يناقض نفسه"

رأيٌ مغاير من مسؤول في "تيار المستقبل" يفضّل عدم ذكر اسمه، يُبدي استغراباً من الحال التي وصلت إليه الأمور . ماذا يجري؟ لِمَ شدّ العصبيات؟ يُخبرنا أنّ ما يشهده جوّ السوشال ميديا "يتناقض مع شعار "المستقبل" الداعي إلى الاعتدال والحرية والديموقراطية"، ويجزم: "لا يحقّ لبعض أطرافه تنصيب أنفسهم مطاوعين دينيين في مجتمع متعدّد. المسألة حتى الآن أنّ بعض اللبنانيين لم يرتضوا وجود غير المتديّنين بينهم. "خطأ" ديانا مقلّد افتعالها معارك في غير أوانها. ماذا سيتغيّر؟ لا شيء. افتعال الجدل في أيّ وقت لا يثمر نتائج مفيدة". يستذكر "بوست" إيلي الحاج: "حين استُبعِد عن العمل، كان ينبغي بالذين يدّعون بأنّهم غير متعنّتين في إيمانهم أخذ موقف صلب في الدفاع عنه. لعل ما يميّز ديانا أنّها موظفة رسمياً وليست متعاقدة. في الخلاصة، لا يحقّ لأحد الاعتراض على الحقّ بإبداء الرأي، أياً كان. كمسؤول في "المستقبل"، هالني أن ينصّب "التيار" نفسه وُجهة دينية للدفاع عن الإسلام". يختم متسائلاً: "كيف يكون عابراً للطوائف ويدافع عن فئة دون أخرى؟ لِمَ لا يدافع مثلاً عن مطراني حلب المخطوفَيْن؟ أغلب الظنّ أنّ للانفعال بالردّ تفسيراً واحداً: زمن الانتخابات بدأ".

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم