الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ثمانية أعوام على آخر انتخابات نيابية... بدعة "التوافق" خارج المؤسسات تتهددنا

منال شعيا
منال شعيا
ثمانية أعوام على آخر انتخابات نيابية... بدعة "التوافق" خارج المؤسسات تتهددنا
ثمانية أعوام على آخر انتخابات نيابية... بدعة "التوافق" خارج المؤسسات تتهددنا
A+ A-

من الآخر، لماذا لا نطرح السؤال الاتي: الى متى سنبقى كل اربع او خمس سنوات، نحاول وضع قانون جديد للانتخاب؟ فنعمد بالتالي الى تقسيمات ترضي البعض وترّسخ وجودهم الذي لا يتزعزع، وتزيد من حجم كتلهم النيابية؟.

لماذا لا يكون قانون الانتخاب ثابتا؟. عندها، لا نحتاج الى اجتماعات مكوكية من هنا، وتقسيمات جديدة من هناك، او الى "اعجوبة" الربع الساعة الاخيرة، ليهبط علينا قانون جديد، يقال انه " أحسن الممكن".

ثم هل الدول الديموقراطية تفصلّ كل فترة، قانونا جديدا للانتخاب؟ وهل من امكان دستوري لجعل قانوننا الانتخابي ثابتا، فنريح المواطن من عناء الفهم، ونسحب من ايدي السياسيين ورقة "انتاج" قانون يريحهم اولا، ويسقط معه جوهر الانتخابات، لكون النتيجة تكون معروفة سلفا عند غالبية القوى؟

طريقة مهينة

في الاساس، ان قانون الانتخاب هو "أهم القوانين الدستورية، وعملياً هو موازٍ للدستور بالأهمية، إذ بواسطته تشكّل السلطات المكلفة تطبيق الدستور".

وفق هذا الشرح، ينطلق الاستاذ في القانون الدستوري عصام اسماعيل.

يوضح لـ"النهار": "احتراماً لإرادة الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطة ينبغي أن تكون المناقشة في قانون الانتخاب وطريقة إعداده، بصورة توحي بالرهبة والاحترام، لا بطريقة استعراضية مبتذلة ومهينة للشعب. الاهم انه ينبغي ان يتمتع قانون الانتخاب بالاستقرار والثبات التي يتمتع به الدستور، وهذا لا يعني أنه غير قابل للتغيير، انما المقصود أن تكون الغاية من التغيير أهداف وطنية كبرى لا مصالح أحزاب وجماعات، وتقسيمات على حساب البعض".


حتى الساعة، لم نلحظ من النقاشات الدائرة او الاجتماعات الفردية او الجماعية التي تحصل، والتي لا تأخذ الطابع الرسمي، اي تعديل جوهري في نظام الاقتراع، بحيث ينطلق البحث دوما من القانون النافذ حاليا او من اقتراحات سبق وموجودة عند البعض. من هنا، لا نرى اي جديّة في الغاية الاساسية لانتاج القانون، مع البعد الكبير عن الوطنية في النقاشات.

وفق اسماعيل: "لا مبرر للبحث عن قانون انتخابي جديد، بل من الواجب تطبيق القانون الانتخابي النافذ حالياً، ما داموا لا يتطرّقون الى جوهر التعديل".

سيادة شعب ام زعماء؟

في لبنان، نادرا ما نتطلّع الى المستقبل، عبر توجه واضح وخطط بعيدة المدى، بل ان المصالح الانية هي التي تتحكم في كل المفاصل السياسية، وخصوصا ان الوجوه هي نفسها والاحزاب السياسية او الكتل النيابية لا تتبدّل. انما الخطورة الكبرى، والتي لا ينتبه اليها احد، هي ان " سياسة التوافق باتت خارج المؤسسات الدستورية".

يشرح اسماعيل: " بات "دارجاً" الا يعرض على مجلس الوزراء أو مجلس النواب إلا المشاريع المتوافق عليها ومن جميع الأطراف، بحيث حلّت مؤسسات بديلة محلّ المؤسسات الدستورية التي يقتصر دورها على إعلان مقررات اتخذّت خارج أسوارها".

هذه مفارقة خطيرة تهدد اسس الديموقراطية، فما مبرر الانتخابات اذا كنا نعرف مسبقا النتائج، وما مبرر النقاش داخل مجلسي النواب او الوزراء، اذا كانت المشاريع المقررة خارجا هي التي تعرض فقط امام النواب للتصويت عليها؟

لقد تحوّل مجلس النواب والنواب انفسهم اداة تصويت لا اكثر. وهذا اكبر ضرب للديموقراطية، تحت مسمّى " الديموقراطية التوافقية".

وفق اللغة الدستورية، هذه السياسة هي خارج الاطر والقواعد السليمة، ويقول اسماعيل: "هذه السياسة باتت مطبّقة في كل الملفات ذات الحساسية الخاصة، ومنها قانون الانتخاب، بحيث لا يدرج على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب إلا مشروع أو اقتراح قانون حاز الرضى والقبول خارج المجلس.

هذا الامر يدّل على أن السيادة لم تعدّ للشعب ويمارسها عبر المؤسسات الدستورية، إنما هي للزعماء يفرضونها على المؤسسات الدستورية".

انقلبت كل القواعد. والاخطر ان احدا لا يعترض، الى حد ان حياتنا السياسية باتت كلها مهددة، وهي اصبحت تتخطى معضلة قانون انتخاب او احترام الاستحقاقات الديموقراطية في مواعيدها. جوهر الازمة بات اعمق بذلك.

يعلق اسماعيل: " من المهم لمن يرغب في بناء دولة القانون، أن يلزم الجميع اجراء المناقشات داخل المؤسسات الدستورية لا خارجها، لأن الاستمرار في هذا النهج سيجعل، مع الوقت، من الناطقين باسم الزعامات الوطنية والأحزاب الكبرى هم الإدارة الفعلية للدولة. وهذا خطير جدا".



ربما قد يكون من الافضل الابقاء على قانون انتخابي قديم بدل تكريس اعراف جديدة، تطيح معها احيانا، لا بل دائما، دورة انتخابية تلو الاخرى، بحجة عدم النجاح في وضع قانون جديد، وينبغي الاقتناع ان " اقرار قانون انتخابي مثالي يحوز رضى الجميع هو أمر مستحيل، ففي كلّ عملية انتخابية يحصل التنافس ويفوز فريق ويخسر آخر، وهذا صلب العمل الانتخابي الذي لا يشترط فوز الجميع. أما في لبنان فهم يعملون على قانون انتخاب يحقق فوز الجميع وهذا ما يستحيل تحقيقه أولاً ويتنافى مع مفهوم الانتخاب ثانياً"، انما في الوقت نفسه، لا يرى اسماعيل ان "ثبات القانون الانتخابي، هو فعل قانون او فعل اجباري، إنما هو نمط متوقف على مدى احترام الافرقاء للدستور نفسه. وهنا تكمن اصل المشكلة".

يبقى السؤال: هل ثمة امكان في ان يضع، قانون انتخاب جديد، غير النواب انفسهم، بحيث لا يأتي مفصلا على قياسهم؟

ربما هذا هو التحدي الكبير، ومن الصعب، لئلا نقول من المستحيل التوصل الى هذا الامر في المدى القريب، ما دمنا نعيش في بلد تحكمه "ديموقراطية المحاصصة"....

وللمهزلة، فان اخر انتخابات نيابية جرت في لبنان كانت في صيف الـ2009، اي قبل ثمانية اعوام... انها ابلغ طريقة لاحترام سيادة شعب وديموقراطيته!

[email protected]

Twitter:@MChaaya


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم