الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

المرأة المعاصرة التي جرؤت على الاقتراب من رودان: منحوتات راشيل كنيبون تستعرض لحظات نقائها بعد الانفجار

المصدر: "النهار"
فاروق يوسف
المرأة المعاصرة التي جرؤت على الاقتراب من رودان: منحوتات راشيل كنيبون تستعرض لحظات نقائها بعد الانفجار
المرأة المعاصرة التي جرؤت على الاقتراب من رودان: منحوتات راشيل كنيبون تستعرض لحظات نقائها بعد الانفجار
A+ A-

عُرف "متحف فيكتوريا وألبرت"، وهو أحد أهم معالم العاصمة البريطانية، بطابعه الكلاسيكي. لا يتعلق الأمر بالمبنى وحده ولا بمقتنياته الثابتة فحسب، بل وأيضا بعروضه المتحركة. غالباً ما كنت أفضل الدخول إليه من بابه الجانبي، هناك حيث تقف منحوتات الفرنسي أوغست رودان (1840 - 1917) التي تمضي إلى العين خفيفة برقة الغزل على الرغم من قوتها الفنية التي تذكّر بعصر النهضة. رهافة رودان المستلهمة من تلذذ عميق بتحويل النظر إلى الجسد الانثوي نوعاً من ممارسة التحليق في فضاء الانوثة المطلقة، حفظت له مكانة متميزة بين الفنانين الذي لا ينتمون إلى زمن بعينه. إنه فنان الهيام الإنساني العابر للأزمنة. أعمال رودان لا تحكي بل تبشّر بالصمت بلاغة للحب. لا تحرّض بل تلهم الجمال مباشرة. شيء علوي يضعها في مكان لا يصل إليه الفن دائما. فهي لا تُمسك في لحظة تعبير محددة ولا يمكن الزج بها في سياق أسلوب متاح. لا يشبه رودان إلا نفسه. لذلك كان صادما ما قام به "متحف فيكتوريا وألبرت" حين عرض أعمالاً نحتية لفنانة بريطانية ولدت في العام 1973 في الفضاء الذي كانت أناشيد رودان الغرامية تصقل جدرانه برنينها. 

لن يكون الرهان على راشيل كنيبون خاسرا أبدا. فالفنانة التي سبق لها أن عرضت أعمالها في الاكاديمية الملكية وصالات "وايت كيوب" ومركزي "باربيكان" و"كامدن" بلندن وفي متحف بروكلين بنيويورك وفي ستوكهولم وكييف وماستريخت وكوريا الجنوبية وسيدني، تستحق أن تكون موضع اهتمام عالياً، لكن أن تكرس كلاسيكيا من قبل متحف عريق مثل "فيكتوريا وألبرت" فذلك يعود إلى أن فنها يجمع بين كلاسيكية مايكل انجلو ومعاصرة آخر فناني عصر ما بعد الحداثة.  

لشدة تأثير تلك الأعمال ينسى المرء أن يتحقق من المادة التي صُنعت منها تلك المنحوتات فيذهب ظنه إلى المرمر، في حين صنعت النحاتة أعمالها من الطين. نحت فخاري غير أنه يتخطى صفاته الجاهزة إلى ما يُعرف من خياله. يضحك المرء من نفسه فيهز رأسه متسائلا "أهي خزّافة إذاً؟". غير أن الحقيقة تقول شيئا آخر. "إنها واحدة من أكبر نحّاتات عصرنا ونحّاتيه.

ليس الإبهار في صياغة الجسد البشري بطريقة متقنة، وحده ما يثير الإعجاب في أعمال كنيبون. هناك أيضا طاقة تعبير كامنة عصية على أن تستنفد تجسدها ثنائية التشظي والتماسك التي تظهر من خلال السيطرة على حشود من الكائنات المقيمة في مساحة صغيرة. كائنات سائلة وصلبة في الوقت نفسه. تلتقي وتفترق في اللحظة ذاتها. هيجان مسيطر عليه نحتياً، غير أنه يضرب بالعين بفوضاه التعبيرية. تجعلنا النحاتة نرى ما لا يمكن رؤيته. خيال اللذة الذي ينبعث من لحظة ذروة اللقاء البشري. 

تتدفق أشكال كنيبون بطريقة توحي كما لو أن تلك الأشكال لم تصل بعد إلى انسجامها الأخير مع مكان غير قادر على احتوائها لأنه هو الآخر يتعرض للتصدع. هناك نوع من الإذابة يتعرض لها الطرفان وهما يسعيان للوصول إلى الاكتمال من طريق ما يتخلصان منه من فائض أثقالهما. لا الأجساد ولا المكان يسمح بالوصف. توتر قائم على النقص. ذلك النقص الذي هو أشبه باللعثمة التي لا تنتمي إلى الكلام وقد فارقت الصمت.

أجساد عارية ومكان عار. لكنهما بقايا أجساد وحطام مكان ليس إلا. ما يسرّ، هو ذلك الغموض الذي يلف حركة الكائنات وسط انهيار المكان. "ما الذي يحدث هناك؟"، سؤال يقود إلى الشعور بلغزية عالم يوحي بإيروتيكيته التي لا تخلو من توق إلى التسامي، كما لو أنها تستعرض أنقى لحظات صفائها.  

منحوتات كنيبون مفرطة في أناقتها على الرغم من أنها تصور لحظة انفجار، تتشظى فيها الحواس ويضيع فيها شكل المكان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم