الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الأمُّ نعمة لا نُدرِك عمقَها إلّا ساعةَ الفِراق...

الارشمندريت انطوان نصر
الأمُّ نعمة لا نُدرِك عمقَها إلّا ساعةَ الفِراق...
الأمُّ نعمة لا نُدرِك عمقَها إلّا ساعةَ الفِراق...
A+ A-

أمّي، أحنّ إليكِ في كلّ صباح، في كلّ مساء، وفي كلّ حين. 

أسأل أين أنتِ؟ أفتقدكِ، أفتّش عنك، أُفضي إليك بهمومي وشجوني، وإلى حضنك الدافئ ألتجئ.

أنت الدليل الأمين. بنظرةِ حُنوّ، بصلاةٍ تُرشدين، وبكلمةٍ واحدةٍ، كلّ شيء يسير إلى كماله، كما كنت تُريدين.

أنت سلمى زارعةُ السلام، مربّية الأجيالِ، وصون الكبار والصغار معاً.

هو أجملُ وسام، وأكبرُ نعمة. إنّه أجدرُ ذكرٍ تطبعينه على هامة كلّ الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد.

سلمى، أنتِ المصلّية والغافرة دومًا، مهما كبُرتِ الإساءة أوعظم التجنّي!

 أحببْتِ حتى الثمالة، كلّ مَن عرفتِ أو التقيتِ، فحقّقتِ قولَ الذهبيّ الفم "لنُحبَّ بعضُنا بعضًا، لكي نعترفَ أنّ الله محبّة".

اليومَ، أشعرُ بثقل الأيّام. اليومَ، تأكّدتُ أنّ المَشيبَ قد حصلَ فعلًا، ونحن الأبناءُ الأحدَ عَشَرَ قد شعرْنا باليُتم، ولو في الكِبَر.

تركتِ إرثا وعائلة مسيحيّة مشرقيّة، مؤمنة ومتماسكة، مشاركة ومتعاونة مع كلّ عائلات مجدلون الحبيبة، بجناحيها المسيحيّ والمسلم.

عائلة أرضعتِها لبنَ المحبّة والبساطة والإيمان والصداقة، وأنرْتِ بزيت الفضيلةِ والبساطةِ والطيبِ، كلّ فرد من أفرادها. هو زيتٌ لا يُباعُ ولا يُشترى. إنّه نعمة من لدُنِ الله حصلتِ عليها حبًّا وافتقادًا.

سلمى، بعد رحيلِ الوالدِ الحبيبِ، غدوْتِ لنا المَرجعَ والحاضنة، بلْ العمرَ كلَّه.

عند كلّ لقاءٍ بكِ، كانت الصعابُ تتكسّرُ، والهمومُ تندحرُ بعطرِ كلمتِكِ ورجاحةِ فكرِكِ.

مع كلماتِكِ " الله يخليكن يا إمّي، انشالله تكونوا شجِرة خير وزرّاع سلام وين ما بتكونوا"، كنتِ تبعثين فينا من جديدٍ، الأملَ والسلامَ والاِطمئنان.

أمّي، البارحة في سكون الليل، سألتُ الزمن عنك، سألتُ الأمومة، سألتُ الحنانَ، فارتفعت الساعات والدقائق والثواني مُعلنة أنّك قرّة العين. كنتِ مُحِبّة للسيّد المسيح المخلص والفادي، طيلةَ حياتِكِ، وها أنتِ اليومَ، رفيقتُه برحيلِكِ إلى الأبد.

الفراقُ أشدُّ وَطأةً من الألم ، يخنق الصوتَ والكلماتِ، وأمامَ حكمِهِ المُبرَم يعتصرُ القلبُ.

تضمحلّ أمامه الشجاعة، وترتجفُ من جَبَروته الرجولة، وتنهمر من صدى وعيده الدموعُ، فنصرخ بكلمة الإنجيل: "أنت وحدَك صالحٌ يا الله" ...

أمّي، أناديكِ اليومَ، وأهيم لسماع صوتِكِ. أتخيّلكِ، أضمّكِ، وأداعب شعرَكِ ووجنتيكِ، فأغرق في بحر دموعي. إنّ رحيلك قاسٍ. وإنْ شبعتِ أنتِ من الأيّامِ، فنحن لم نشبعْ منكِ، فالحياة بلا الأمّ كالزهرة بلا العطر.

عهدي إليك وأنتِ بين يدي الخالق تستريحين، أن نحافظَ على الأمانة مصونة. وستبقى العائلة كنيسة مصغّرة، فيها نرفع لك الصلاة والحبّ والأمانة، ونرفعُ الدعاءَ لراحة نفسك. ومن صميم الفؤادِ، أتمنّى أن أتمكّنَ من تحقيق ما تمنّيتِه لي.

اُرقدي بسلام، يا حضنًا دافئًا كم شكوت إليه همّي! فنحن جميعُنا اليومَ، نعيش الغربة في الزمان والمكان. لن ننساكِ، وسيظلّ ذكرُكِ يحلو كالعسل على فم الأحبّة.

شكرًا لأنّكِ مررْتِ في حياتنا وفي عائلتنا. فيا مخلص، اُبسط يدك من عليائك واحفظ بحنوّكَ، كيانَ أمّنا سلمى المنتقلةِ إليك، وباركها بعطفِكَ وحنانِكَ، بشفاعة أمّنا مريمَ العذراءِ سيّدةِ العالمِ وحاميتِه بأجمعِه، وشفيعةِ بلدتِنا مجدلونَ، لتدخلَ في هذا الشهر المريميّ المبارك، لابسة ثوبَ المعموديّةِ الناصعَ البياضِ، مقتحمة بنعمته جنّة الخُلدِ حيث لا وجعَ ولا تنهّدَ، بل حياةٌ لا نهايةَ لها. المسيحُ قام حقّا قام.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم