الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

سارة تبرعت بأعضائها ... كيف نتبرع وما موقف الأديان؟

سلوى أبو شقرا
سارة تبرعت بأعضائها ... كيف نتبرع وما موقف الأديان؟
سارة تبرعت بأعضائها ... كيف نتبرع وما موقف الأديان؟
A+ A-

وهب الأعضاء خطوة جريئة وإيجابية تجعل من الموت حياة وإنسانية، تمسحُ دموعاً وتداوي ألماً وتخفف من المعاناة. سارة سليمان ضحية السلاح المتفلت كانت أقوى من الموت "امنحوا عيني لمن لم ير في حياته، وهبوا قلبي، وأهدوا كليتي، وخذوا عظامي وابحثوا عن وسيلة تجعل طفلاً مشلولاً يمشي ويسير"، عبارات من رسالة كتبتها سارة عبر صفحتها على "فايسبوك". يومها لم تُدرك أنَّ الأجل قريبٌ وليس بعدَ عمرٍ مديد. طلب سارة الإنساني، سبقهُ قرار دكتور العظم شوقي يونس (51 عاماً) التبرع بكليته لمحمد ابن الـ 16 عاماً الذي يعاني من مرض الكلى. أما أهل الطفل جوزيه جرجس الذي احتاج الى زراعة نخاع عظمي ولم يتحمل الأوجاع رغم خضوعه لعملية جراحية، اختاروا تقديم المبلغ المتبقي من حملة التبرع لمحمود الطفل الذي يعاني من الحالة نفسها. أرواح أُزهقت لكنها أحيَت أخرى لتفتح الباب مجدداً على ملف وهب الأعضاء. 


من يمكنه الوهب؟

الواهب الحي يجب أن يكون راشداً (من 21 إلى 65 سنة)، ويتمتع بصحة جيّدة تخوله الخضوع الى هذه العملية من دون أية مضاعفات. ويمكن لأي شخص يريد أن يهب أعضاءه بعد الوفاة، لذا، عليه أن يتخذ القرار ويوقع بطاقة الوهب أو يمكنه تعبئة البطاقة من خلال الصفحة الإلكترونية للجنة الوطنية (www.nodlb.org) أو عبر بعض المستشفيات خارج بيروت ليتمَّ تالياً إرسال هذه البطاقة له على عنوانه الشخصي. والأهم من ذلك أن يُخبرَ عائلته وأهله عن رغبته في التبرع بأعضائه بعد وفاته، أما إن حصلت الوفاة والمتبرع لم يخبر عائلته لا يمكن تنفيذ رغبته في حال عدم موافقة العائلة لتصبح البطاقة رمزية فقط.

من صفر إلى 12 واهباً

هل من أرقام وإحصاءات عن نسبة وهب الأعضاء في لبنان؟ في معطيات اللجنة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة (NOD-Lb) "نسبة وهب الأعضاء في لبنان ما زالت متدنية لأنَّ البرنامج الوطني يتعرض لعقبات عدَّة منها النقص في القوانين والدعم المادي غير المنتظم والتعاون الخجول من المستشفيات والعاملين في القطاع الصحي، وعدم إعطاء الإعلام هذا الموضوع المساحة اللازمة وعدم التعامل معه بالمهنية المطلوبة لحمايته ونشر هذه الثقافة بشكل أوسع وأشمل. فبين عامي 2010 و2014 زادت نسبة الوهب، وارتفعت من صفر واهب في سنة 2009 إلى 12 واهباً في سنة 2014 واستطعنا معالجة أكثر من 70 مريض كلى وكبد وقلب".

هل من تعاون من قبل وزارة الصحة؟ وماذا عن المستشفيات؟ هنا تشرح منسقة اللجنة الوطنية فريدة يونان أنَّ "البرنامج تعرض لعقبة مادية كبيرة بين عامي 2014 و2016 من جراء حجب المساهمة المالية السنوية، مما تسبب بتجميده لمدة سنتين، وأدَّى إلى تدني نسبة الوهب. اللجنة الوطنية اليوم تضع آمالاً كبيرة على وزارة الصحة وعلى الحكومة مجتمعة، في دعم البرنامج الوطني لوهب الأعضاء لضمان تقدُّمه وزيادة نسبة الوهب إلى 20 واهباً في السنة. أما المستشفيات التي تطبق آلية وهب الأعضاء فهي لا تتعدى الـ 10. كما يشدد القانون على ضرورة التبليغ عن كل حالات الوفيات التي تحصل في المستشفيات إلى اللجنة الوطنية، لكن ذلك لم يطبق فعلياً".

كيف نطمئن الناس

ما هي عدد حالات الوهب؟ وهل هي من حي إلى حي أم من ميت إلى حي؟. "حالات وهب الأعضاء حي إلى حي نحو 80 إلى 90 واهباً سنوياً ومعظمهم يهبون الكلى. كما أنَّ نسبة الأهل الذين قالوا "نعم" لوهب الأعضاء قد ازداد من 10% عام 2010 إلى 38% عام 2014".

كيف نطمئن الناس ونلغي حالة تخوفهم من مسألة تجارة الأعضاء؟ تؤكد يونان أنَّ "وزارة الصحة العامة عمدت منذ سنة 2014 إلى وضع ضوابط قانونية، طبية وأخلاقية لوهب الأعضاء من الأحياء (لأنَّ تجارة الأعضاء تتم بين الأحياء). وقد عيَّنت لجنتين طبية وأخلاقية لدراسة كل ملفات وهب وزرع الأعضاء من الأحياء، وتدنت نسبة العمليات التي كانت غير قانونية من 52% إلى 5% في العام 2016. وهذا خير دليل على ضبط الموضوع ويمكننا القول إنه لا تتم أي عملية خارج نطاق القانون والأخلاقيات الطبية".


الوهب في القانون

صدر مرسومان اشتراعيان ينظمان عمليات وهب الأعضاء وزرعها بعدما شهدَ لبنان أول عملية زرع أعضاء عام 1972. ثم صدر قرار عن المجلس الأوروبي يحمل الرقم /29/ بتاريخ 11 أيار 1978 يوجب أن يكون التنازل مجانياً لا مقابل اي مبلغٍ مادي. عملية الوهب أوردها المشرّع في القانون اللبناني من خلال المرسوم الاشتراعي الرقم /1442/ الصادر بتاريخ 20 كانون الثاني سنة 1984، وتطبيق أحكام المرسوم الاشتراعي الرقم /109/ الصادر بتاريخ 16 أيلول 1983 المرتبط بأخذ الأنسجة والأعضاء البشرية لحاجات طبية وعلمية. كما ميز القانون بين زرع الأعضاء من متبرع حي وواهب متوف، محدداً الشروط الواجب توافرها في الحالتين. في الحالة الأولى، إذا كان المتبرع حياً، يُسمح باستئصال الأنسجة والأعضاء من جسمه، شرط أن يكون راشداً أتمّ الثامنة عشرة من عمره، متمتعاً بصحة جيدة تخوّله إجراء عملية جراحية من دون أن يعرضه ذلك لأي خطر أو أعراض جانبية، على أن تكون هذه الهبة مجانية وغير مشروطة. أما في ما يخص وهب الأعضاء بعد الموت، فيجب أن يكون المتوفى أوصى بذلك بموجب وصية أو وثيقة خطية، لتتم تالياً عملية الوهب بعد الحصول على الموافقة الخطية من عائلة المتبرع الميت.

فكأنما أحيا الناس جميعاً

يوضح الشيخ في دار الفتوى وسيم مزوق لـ"النهار" أنَّه "يجوز وهب الأعضاء بشروط، أهمها أن يكون وهباً لا متاجرة. ثانياً، إذا كان في حال الحياة ألا يتأذى المتبرع مثل متبرعي الكلى. ثالثاً، أن يكون الموهوب مضطراً لها في حال غياب أي بديل اصطناعي. رابعاً، أن يكون التبرع بعيداً من الأعضاء التناسلية. أما التبرع بعد الوفاة فيجب أن يقترن بوصية أو إذن من أوليائه وبالشروط التي ذكرناها. وقد صدر قرار عن المجلس الفقهي في مكة نلتزم به، وقد أصدر دار الفتوى الرأي الشرعي في مسألة وهب الإعضاء عام 2015. ولكن ما من تصريح حول "وهب الأعضاء" بل استنبط الفقهاء الأحكام من خلال آيات عامة منها عن النفس "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"، والرحمة "وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين" وفيها شق إنساني من باب إحياء الناس ومساعدتهم، و"تعاونوا على البر والتقوى". وماء جاء في نص الفتوى:


 


"نحب حتى النهاية"

الخوري إدغار الهيبي، الأمين العام للجنة الأسقفية لراعوية الخدمات الصحية في لبنان، يشرح موقف الكنيسة الكاثوليكية العالمي من وهب الأعضاء معتبراً أنَّ "نقل الأعضاء وزرعها للحياة ترسم القيمة الأخلاقية وتشرّع استعمالها الطبي، وذلك ضمن احترام بعض الشروط التي تتعلق بالواهب أو بالأعضاء الموهوبة أو المزروعة. والزرع المتجانس، أي نقل عضو من شخص إلى آخر. ولكنْ لا يجوز أخلاقياً وهب جميع الأعضاء، فيستثنى من الزرع الدماغ والغدد التناسلية التي تؤمِّن هوية الشخص الفردية كذلك هويته التناسلية. فهذه الأعضاء تشكل تجسيداً خاصاً لطابع الفرادة، غير القابلة للالتباس المتعلق بكل شخص بشري والذي يتوجب على الطب حمايته". 

يضيف: "إنَّ تدخل الطب لزرع الأعضاء لا ينفصل عن فعل العطاء الإنساني بحد ذاته، وهذا يعني أنه علينا التعامل مع الشخص الذي نستأصل منه العضو حياً كان أو ميتاً، على أنه واهب، أي كشخص قد ارتضى حراً بأن تتم عملية الوهب. وبالتالي فإن الزرع يقتضي قراراً سابقاً وواعياً وحراً من قبل الواهب أو من قبل من يمثله شرعاً، أي من يكون عادةً من أقرب أهله. وهذا يعني أن يهب من دون أية مكافأة جزءاً من جسم أحدهم من أجل صحة وخير شخص آخر. بهذا المعنى، يسمح فعل الزرع الطبي في تحقيق فعل الواهب القرباني كعطاءٍ صادق للذات. عطاء يعبر عن الدعوة الجوهرية للحب والمشاركة. كما أنَّ ما يقدمه التطور البيوطبي للأشخاص من إمكانية أن يقصدوا تحقيق دعوتهم للمحبة حتى ما بعد الموت، لوهب جزء من أجسادهم وهم على قيد الحياة، تقدمة لن تصبح ناجزة إلا بعد موتهم. هذا يكشف عن حب كبير يتلخص بأن يعطي الإنسان حياته من أجل الآخرين. وبتعبيرٍ إنجيلي: "نحب حتى النهاية" (يوحنا 13/1) من دون إهمال الحدود المحظور تخطيها، هذه الحدود التي تفرضها علينا الطبيعة البشرية نفسها".

 أسمى معاني الإنسانية تبقى في حاجة إلى توعية حول أهمية التبرع والوهب لإنقاذ حياة إنسان آخر، وإلى ضمانات تقي المتبرعين جشع تجار الأعضاء البشرية.


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra





حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم