الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ماكرون أو لوبن... فرنسا تقفز في المجهول

سميح صعب
سميح صعب
ماكرون أو لوبن... فرنسا تقفز في المجهول
ماكرون أو لوبن... فرنسا تقفز في المجهول
A+ A-

لم تجانب صحيفة "النيويورك تايمز" الحقيقة كثيرا عندما كتبت ان "فرنسا تقفز اليوم في المجهول" للدلالة على ان أيا من المرشحين الوسطي ايمانويل ماكرون أو اليمينة المتطرفة مارين لوبن، يملك أية خبرة سياسية أو سبق له أن تقلد منصبا تنفيذيا عن طريق اﻷنتخاب.    

وما يستحق عناء التوقف عنده مع ذهاب الفرنسيين الى صناديق الاقتراع اليوم جملة من الملاحظات التي قادت فرنسا مشهد سياسي غير تقليدي للمرة الاولى منذ اكثر من خمسين عاما.

أول الامر الفرنسيون يعاقبون اليوم ساستهم التقليديين الذين هيمنوا على الحياة السياسية طوال عقود ولا سيما حزب الجمهوريين اليميني المحافظ والحزب الاشتراكي. العقاب مرده الى النخبة الحاكمة لم تعد تلبي طموحات المواطنين على أي وجه من الوجوه ولا في أي ميدان من الميادين. وأبرز مثال على شعور الزعماء الفرنسيين بوطأة غضب الناس، انه لم يحدث منذ زمن طويل أن لا يتجرأ رئيس جمهورية على الترشح لولاية ثانية كما حدث مع فرنسوا هولاند الذي تدنت شعبيته الى أقل من 7 في المئة في حين ان مرشح الحزب الاشتراكي الحاكم في الانتخابات الرئاسية بنوا آمون لم يحصل في الدورة الاولى من الانتخابات سوى على 6 في المئة من الاصوات. وأدى هذا الى خروج الاشتراكيين من دائرة القرار السياسي بهزيمة كارثية.

أيضا، اليمين التقليدي ليس أفضل حالا ، إذا ما تم رصد التراجع الكبير في اﻻداء السياسي لقادته. فمرشحه للانتخابات الرئاسية فرنسوا فيون بالكاد حصل على 20 في المئة من الاصوات في الدورة اﻻولى قبل أسبوعين، بعدما كلفته فضائح المحاباة هبوطه تراجع شعبيته من مرشح يملك فرص الفوز بالرئاسة الى المرتبة الثالثة ليتساوى تقريبا مع مرشح أقصى اليسار جان-لوك ميلانشيون. ورفض فيون الانسحاب لمرشح يميني آخر وأصر على المضي في المعركة اﻹنتخابية حتى النهاية. وكانت النتيجة مخيبة للآمال ومكلفة على حزبه الذي بدوره بات على هامش الحياة السياسية.

ولا يعني خروج فرنسا من التقليد، ان صفحة المستقبل ستكون وردية، بدليل ان الفرنسيين محبطون من السياسة. فأكثر من ربعهم بحسب استطلاعات الرأي لن يشاركوا في الاقتراع. كما أنه في حال فوز ماكرون بأكثر من 60 في المئة من الاصوات وفق الاستطلاعات ايضا، فإن هذه الاصوات ليست أصواته هو بالذات وإنما أصوات الخائفين من يرعبهم مجرد احتمال دخول لوبن الى قصر الاليزيه، وفي أذهانهم صورة انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي في الاشهر الاخيرة. إن نسبة كبيرة من ناخبي ماكرون هم اولئك الهلعين من ارتدادات وصول مرشحة تحمل افكارا متطرفة وشعبوية وعنصرية الى الرئاسة.

وبذلك لم تعد انتخابات فرنسا انتخابات الفرنسيين وحدهم. ان المانيا أنغيلا ميركل ترعبها صورة لوبن في الرئاسة لأن ذلك يوجه ضربة قاضية الى المشروع الاوروبي. ولا يمكن الا الأخذ في الاعتبار إنعكاسات ذلك على اﻹنتخابات الالمانية في ايلول وعلى الانتخابات الايطالية بعد ذلك. ومن هنا وضعت ميركل ثقلها خلف ماكرون بما حمل لوبن على القول في المناظرة الرئاسية، إن "فرنسا تتجه كي تحكمها واحدة من إمرأتين، ميركل (في حال فوز ماكرون) أو انا". وكل المسؤولين في مؤسسات الاتحاد الاوروبي، خرجوا عن التقليد واعربوا عن خشيتهم من ارتدادات فوز لوبن اذا ما حصل، على الاتحاد الاوروبي الذي سيتجه حكما الى التفتت اذا خرجت فرنسا منه او حتى على الاقل خرجت من منطقة الاورو وفضاء شينغن. وعليه بدت انتخابات فرنسا كأنها استفتاء على المشروع الاوروبي برمته الذي لا يزال يلملم جروح الضربة التي تلقاها بخروج بريطانيا منه العام الماضي.

وأي حالف الفوز، ماكرون أو لوبن، فإن كثيرا من المشاكل والعقبات ستعترض رئاسته (أو رئاستها) لأن أي منهما لا يملك غالبية برلمانية من شأنها تسهيل عمل الحكومة المقبلة. ونظرا الى ذلك تتجه الانظار الى الانتخابات التشريعية في حزيران لمعرفة ما إذا كان الفائز بالرئاسة سيتمكن من الفوز بغالبية برلمانية، أو تتشتت الأصوات، ويكون الرئيس (أو الرئيسة) محكوما بتأليف حكومة ائتلافية تعيد انتاج الاحزاب التقليدية، وتاليا يضع ذلك الكثير من العراقيل امام تنفيذ البرنامج السياسي للرئيس.

وإذا كان من المسلم به ان الفرنسيين قد خرجوا اليوم من عباءة التقليديين، فإن المشهد السياسي المقبل، لن يكون بالسلاسة التي يتصورها البعض. ان فرنسا تتغير اليوم وسيترك ذلك إنعكاسات سواء كانت إيجابية أو سلبية ليس على الداخل الفرنسي فحسب وإنما على عالم متغير أيضا.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم