الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"ما بتعرف بكرا شو بيصير، مش معروف شو ناطرنا"، هل اللبنانيون مدمنون على متابعة الأخبار؟

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
"ما بتعرف بكرا شو بيصير، مش معروف شو ناطرنا"، هل اللبنانيون مدمنون على متابعة الأخبار؟
"ما بتعرف بكرا شو بيصير، مش معروف شو ناطرنا"، هل اللبنانيون مدمنون على متابعة الأخبار؟
A+ A-

نشرة الظهيرة، نشرة الساعة الثامنة مساءً، تطبيقات وسائل الإعلام على الهواتف الخليوية، تويتر، فايسبوك، أخبارٌ في كلٍ مكان. حدثٌ هنا أو إقفال طرق هناك، اجتماعات ولقاءات، وانفجارات. باختصار الإدمان على ملاحقة ومتابعة الأخبار ميزةٌ لبنانية قد لا تجدها لدى شعوب أخرى. الكلُّ ملمٌ في الشأن السياسي والبيئي والاقتصادي، والكل محلل استراتيجي، هل سبب ذلك البحث عن الشعور بالاطمئنان أم الفضول؟ سؤال محيِّر، لكنَّ المؤكد أنَّ متابعة الأحداث لا تغيِّر الواقع ولا تعطي المواطن قدرةً على التحكم بزمام السياسة أو الأمن، بل تشكل إدماناً طاغياً على مجتمع خاض حرباً أهلية ووطن عاش اضطرابات دائمة، وتوارث أخبارَ مجاعات في حروب عالمية، ووجد نفسه في ساحة صراعات كثُرت فيها الاغتيالات والتصفيات، فباتت الأخبار جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية. 

الأخبار مشوهَّة لا تشبه الواقع

الإدمان على الأخبار ازداد مع انتشار القنوات الإخبارية ومصادر المعلومات. ولكنْ هل فكَّرتم يوماً بالتوقف عن قراءة الصحف أو المواقع الالكترونية أو مشاهدة الأخبار عبر شاشات التلفزة أو سماعها عبر الراديو؟ وهل تساءلتم عن أهمية المتابعة وأثرها على حياتكم؟ نكرس الكثير من الوقت للأنباء، وبعض هذه الأخبار يُمكن أن تؤدي إلى تغيرات فوريَّة في المزاج. والسلوك الدماغي الملاحظ للأشياء غالباً ما يتجاهل ما نعرفه بالفعل. يقول عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو "متابعة الأخبار تصبح نوعاً من الإدمان يؤثر في الدماغ بطريقة خطرة جداً". فيما يلفت موقع highexistence إلى أنَّ "الأخبار المشوهة لا تعكس تلك التي يحتاجها الناس لإدارة شؤونهم في المجتمع. معظم القصص الإخبارية بشكل أساسي تنقلُ الاستثناء ليصبح بالتالي هو القاعدة، فلا نسمع كيف يحب الرجال مثلاً زوجاتهم، ولكننا نحصل على وابل من الأخبار عن أشخاص تعرضوا للقتل أو الاغتصاب. نسمع فقط عن الحرب، ولا نسمعُ أبداً عن السلام. نبالغ في الخوف من الإرهاب وحوادث الطائرات فيما نستخفُّ بالتلوث الضوضائي والإجهاد المزمن ونقلل تأثيرهما السلبي على الوعي الجماعي لعالمنا".

الأخبار سامة للجسم

يلجأ الناس من دون إدراك أو وعي لمتابعة الأخبار وغالباً تلك السيئة. فمنَ يقرأ خبراً سيئاً سيقارن عقله الباطن حياته بحياة الشخص الذي تعرَّض لحادث، ونتيجة لذلك سيشعر بتفوق لاشعوري وهو نوعٌ من آليات الخداع الذاتي. ووجدت دراسة نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية أسباباً ستجعل أي شخص يخفض نسبة مشاهدته للأخبار أو قراءته الصحف، لأنَّ الأخبار سامة للجسم، ضررها شبيه بضرر السُكَّر، فهي توثر في الجهاز الحوفي (Limbic System). كما أنَّ قصص المذعورين في النشرات تحفز إطلاق سراح أجهزة الطرد المركزي من الاستيرويد (الكورتيزول) الذي يخل في عمل الجهاز المناعي ويثبط إفراز هرمونات النمو. بعبارة أخرى، يجد الجسم نفسه في حال من التوتر المزمن، والعصبية، والخوف والعدوانية وتنامٍ في الاكتئاب. باختصار الانقطاع عن متابعة الأخبار يعادل قلقاً أقل وتفكيراً أعمق.  

الخوف يستوطن شخصيتنا

"ما بتعرف بكرا شو بيصير، مش معروف شو ناطرنا"، عبارات نتداولها في أحاديثنا اليومية خوفٌ مبطَّنٌ غالباً ما لا ندركه أو نصرح به. مردُّ ذلك وفق الدكتور أنطوان سعد، الطبيب والباحث في علم الدماغ السلوكي "الظروف المتغيرة والسريعة في لبنان، ولكنَّ الأساس في ذلك عدم الاستقرار داخل كل مواطن وغياب السلام الداخلي". ويرجع سعد في اتصال مع "النهار" "سبب الإدمان على الأخبار إلى بحث اللبناني عن استباقية الحدث السيىء جراء القلق العام الطاغي على نمط حياته اليومي. إذا سألنا أي متابع للأخبار في وعيهِ طبعاً لا يتابعها من باب سماع أخبار مفرحة إذ إنَّ نشرات الأخبار لا تضيء سوى على الحروب والمآسي والمعاناة والأزمات الاقتصادية والمعيشية. والإدمان على متابعة الأخبار السيئة على مستوى الفكر الباطني اللاواعي مبرمج على الأعمال السلبية المدمرة والمضرة والمؤذية".

يلفت سعد إلى أنَّ "الخوف على المصير والحياة وغياب السلام الداخلي يرجع إلى التربية المنزلية الفاشلة، وثانياً الحوكمة الفاشلة على مستوى السلطة والإدارة في البلاد. في كندا مثلاً النظام مستقر وهناك حماية اجتماعية فلا يشعر الناس بهذا الخوف. في حين أننا نتربى في بلادنا على الخوف، فيكبر معنا، ويستوطن شخصيتنا لتغيب معه الأحلام والآمال".

رهائن عدم النضوج الفكري والعاطفي والنفسي

"يتعلَّق بحبال الهواء" بهذه العبارة تختصر الأستاذة الجامعية والمحللة النفسية رندة شليطا في حديث لـ"النهار" سبب إدمان اللبناني على متابعة الأخبار، "نبحث عنها بغية الإطمئنان بأننا على قيد الحياة، ومن يسمعُ الأخبار يحاول الكذب على نفسه بأنَّ كل شيىء من حوله بخير. تغيير هذا الخوف مكانه ليس في نشرات الأخبار، إذ وجب على الناس عن مواقفهم وانزعاجهم من الواقع في صناديق الاقتراع، ولكننا نجد أنهم قبيل الانتخابات يلتفون على التغيير ويبتعدون عن الضغط الحقيقي والديموقراطي ويستعيضون عنه بالصراخ وقطع على الطرقات وتكسير السيارات. نحن رهينة عدم النضوج الفكري والعاطفي والنفسي".

يحتاج المجتمع إلى الصحافة والإعلام حتماً، على أن يعكسا الواقع عبر الإضاءة على قضايا حياتية وكشف الفساد المؤسساتي والبحث عن الحقائق. والأخبار على الرغم من أهميتها، إلا أنَّ الإدمان عليها والوقوف في موقع المتلقي والمتفرِّج من دون أي تحرك لا يحدثان أي تغيير!

[email protected]

Twitter: @Salwabouchacra



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم